قراءة نقدية في ديوان ” نزف ” للشاعر المقدسي عز الدين السعد
رفيقة عثمان | ناقدة فلسطينية
صدر ديوان الشعر “نزف” للشّاعر الفلسطيني عزالدّين السّعد، 2021. عن مطبعة القادسيّة وصمّمت الغلاف رهف عزالدين السعد. احتوى الدّيوان على مئةٍ وستّين صفحة من القطع المتوسّط. تخلّل الدّيوان ثمانين قصيدة شعريّة، ونصوص سرديّة. قصائد الشّاعر عزالدّين السّعد، تبوح بالعاطفة الجيّاشة والصّادقة الحزينة، والتي تنزف ألمًا نفسيًّا عميقًا؛ حزنًا على الفراق، فراق الأحبّة، واستشهاد بعضهم، يتدلّى الألم منذ النكبة ولغاية عصرنا هذا من الاحتلال بأشكاله، والاستيطان، والتهجير، واللّوم على التخاذل وتواطؤ الحكام في الدّول العربيّة ، ومناصرة العدو، دون اكتراث للقضيّة الفلسطينيّة.
لا بدّ من وقفة بسيطة على اختيار الشّاعر لعنوان “النزف” اللّذي يعبّر عن القصائد والنّصوص النازفة بكلمات وقعها زاجر مؤثّر جدًّا على آذان وقلوب القرّاء؛ وممّا يزيد من وقع النّزف على النّفس، صورة الغلاف باللّون الأحمر، وكلمة نزف الحمراء أي العنوان تنزف دمًا، كما نزفت كلمات الشّاعر بحرارة.
يحمل شاعرنا هموم الوطن والأرض، والحنين للأماكن الغالية على قلبه؛ لكن أمله بالعوة لم يفارق قلبه وعقله، كما ورد صفحة 98 بقصيدة “سلام بلا منّة” ” حق العودة وبناء الدّولة .. وكرامة المنبت.. وميلاد جيل الثّورة… ليزيل عن فلسطين العتمة .. وينير دروب العودة .. يرفع مجدنا راية.. خفّاقة فوق قدسنا”.
احتل المكان حيّزًا شاسعّا من قصائد شاعرنا، اشتملت على الأماكن القريبة من قلبه، مثل: القدس كما ورد صفحة 25 بقصيدة “قدسنا” القدس والشيخ جرّاح وسلطان صلاح الدّين وباب دمشق ، وسوق العطّارين ، وباب دمشق، وباب حطّة، واب القطّانين، وسلوان، المكبّر، وجبل الزّيتون، والقطمون..
تربّعت القدس على ديوان الشّاعر، حيث نظم أبياتها الشّعريّة، من صميم قلبه، كما تربّع حبّها في قلبه. كما ورد صفحة 95، قصيدة “سلام يجرحنا” ” تزداد ثورتنا فالقدس مهجتنا… القدس
لم ينسّ الشّاعر أسماء الأماكن للقرى المُهجّرة والمُدمّرة، كما ورد في قصيدة “الذّكرى سلسال” صفحة 27. مثل: البِروة، واللجون، اللّد، معلول، بلد الشّيخ، والقسطل، ولفتا، والشّجرة وقاقون، وإقرت وبرعم، والرّوحة، وعمواس، والرّملة، ويافا، وحيفا، والدّامون.هذه الأسماء مقتبسة من قصيدتين فقط، لا شك بأنّ الأماكن شغلت خيّزًا كبيرًا في نفس الشّاعر، ممّا يدل على نزفه للأماكن؛ لفقدانها واختراق حرمتها من قِبل المُحتل. أدلى كاتب مُقدّمة الدّيوان الرّوائي عبدالله دعيس، بمداخلته حول ذكر الأماكن بالدّيوان بأنّ “المبالغة في ذكر الأماكن في بعض النّصوص، حوّلها إلى لغة تقريريّة مباشرة، وأبعدها عن جمال القصيدة وموسيقاها وروح الشّعر”، ستظل هذه المداخلة تخص رأي مُقدّم الديوان، ووجهة نظره الخاصّة.
تمثّلت لغة الشاعر، باللّغة الفصحى القويّة، وظهرت القصائد في الدّيوان مزيجًا ما بين اللّغة الشّعريّة واللّغة السرديّة، كما ورد في قصيدة “غضب فردي” صفحة 81 نصوصها سرديّة وليست موزونة.
استخدم الشّاعر الإيقاع الموسيقي في نهاية كل عجز (أي الشطر الثّاني) من كل بيت شعر، كما ورد صفحة 84: ” الجواب – اقتراب – أسراب – الصّواب – لا نهاب – إياب).
ظهر التكرار في بعض القصائد، كما ورد صفحة 30 بقصيدة “سينتصر أهل القدس هو الجواب”: ” سندخل الأقصى الحبيب هو الجواب “. في قصيدة زفّة شهيد، صفحة 34. ظهر التكرار ” وصار زماننا النّصر… صار زماننا النّصر ” . هذه المقولة تكرّرت مرّتين؛ هذا التّكرار دلالة على التأكيد، والإصرار في تنفيذ القرار.
ورد التّلاعب اللّغوي في بعض المفردات واشتقاقاتها، كما ظهر في قصيدة “نشتاقك ملء الكون” : صفحة 155.
تراقص الرّوح والرّيح والرّاح
وتكاتب البحر والحبر والرّبح
تكسر النير بنار تنير حريّ الحرف
يبدو بأنّ شاعرنا السّعد، متأثّر بقصائد محمود درويش، لِما يبدو عليه بعض التّناص بما يُدعى بالتّداخل النّصي؛ “هذا النّوع من التّناص يكون عندما تحدث حالة من الممازجة بين النصوص الأدبيّة مما يخلق حالة من الصّلة بين النّصين المتمازجين” (سالم محمد، 2019، مجلّة سطور). اطرح نموذجًين للتّناص التّداخلي، كما ورد في قصيدة “غضب فردي” صفحة 84 “سجّل برأس الصّفحة الأولى .. واغضب حين مكرمة”، استخدم شاعرنا التّناص للشطر الأول لقصيدة درويش ” سجّل برأس الصّفحة الأولى .. أنا لا أكره النّاس ولا أسطو على أحد، ولكنّي إذا ما جعت آكل لحم مغتصبي”. بينما التّناص الثّاني
ورد صفحة 155 بقصيدة نشتاقك ملء الكون، ” تتوعّد وعلى أثر الفراشة تسبقه”، كما ورد في قصيدة درويش “أثر الفراشة لايُرى… أثر الفراشة لا يزول”. لم يخلُ الدّيوان من التّناص الديني ، كما ورد صفحة 103 بقصيدة “رقص عصفورة”. لم يتوقّف شاعرنا بتأثره بدرويش فحسب؛ بل رثاه قائلًا ” وأنت الدّرويش فارس القصيدة”. من قصيدة نشتاقك ملء الكون، صفحة 155.
“يُردّد ملء السّماء… الله الله الله … تنادين وغير الله”، كذلك صفحة 159 ” يا أيّها المسيح عجّل بالقدوم” .. قد بشّرتنا بنبي الرّخمة أحمد … عليه الصّلاة والسّلام… وأحمد بشّرنا بك للخلاص بالقدوم .. يا ابن البتول خير أم عليك السّلام .. وعلى من حملتك السّلام”؛ بالإضافة لقصيدة وقفت ببابك، صفجحة 138، قصيدة مكسوّة بالنفحات الدينيّة والتّناص الدّيني.
احتلّت قصائد الرّثاء للشهداء، كما ورد صفحة 153 في قصيدة لم يحن بعد وقت الرّحيل؛ لروح الشّهيد عبد الحكيم محمد مفيد ” عبد الحكيم وقد منحت الحكمة … وكنت المنارة ونورك كامل … موجع مبكٍ، مذهل… كان اختطافك”. كذلك أفرد الكاتب قصيدة رثاء عن روح الشّهيد محمّد كيوان، كما ظهر في قصيدة “زفّة شهيد” صفحة 33 .
في نهاية هذه القراءة، برأيي؛ لا أجد ضرورة لتقديم الدّيوان، كما قدّم الرّوائي عبدالله دعيس مشكورًا؛ لأنها تحتوي على تفاصيل، وشرح للقصائد ومضامينها، لا تدع للقرّاء مجالًا للتفكير والتحليل الذّاتي، أو ربّمامن الأفضل اقتصار التقديم على بعض النقاط الهامّة.
إنّ صورة الغلاف، احتوت على اللّون الأحمر النّازف، والتي تثير الإنزعاج، فهي مباشرة، وتتحدّث عن ذاتها، برأيي لا ضرورة للتوضيح الصّارخ؛ كي تكون القصائد هاي لمُعبّرة وحدها عن شدّة النّزف، وليس بمحاجة لتوضيح تجسيدي.
يُعتبر ديوان النّزف، ديوانًا شعريّا وسرديًّا متكاملًا، لاحتوائه على بوح المشاعر الجيّاشة بجرأة، والمُعبّرة عن الحزن، والألم؛ لِأحداث ونكبات أصابت فلسطين، والدّول العربيّة.
فلا بدّ أن، يكون هذا الدّيوان أرشيفًا يحتفظ بالقضايا الوطنيّة، وإكساب الانتماء خلال قرون من الزّمان، منذ نكبة 1948 ولغاية تاريخنا الحالي المعاصر.
هذا الدّيوان يقوم بتعويض ما تفتقده المناهج المدرسيّة في فلسطين، بل في معظم المناهج التدريسيّة في الدّول العربيّة، والّتي الآخذه بالانحسار، والتقليل من هذه المضامين، متماشية مع مطالب المحتل في عدم بث روح الوطنيّة والانتماء عند الطّلاب، والادّعاء بالتّحريض.
هنيئًا لشاعرنا عزالدّين السّعد، واتمنى له المزيد من العطاء والإبداع.
انتهت بحمد الله