شاهد واقرأ عن: ملتقى الحكواتي العُماني الأول

شيخة الفجرية | كاتبة عمانية
 
على الرغم من قِدَمِ مصطلح “الحكواتي” في العالم العربي، إلا أن استعماله في عُمان لا يتجاوز إلا اليسير اليسير من الأفواه، وذلك لأن مصطلح الحكاية في أفقها الشعبي غير مستعمل أصلًا هنا. فالحكاية في عُمان لها مصطلح آخر هو “الخرّوفة”، وهو مصطلح دقيق بالنسبة لمحتوى الحكاية الرائجة لديهم منذ زمن بعيد، إذ لا تخلو الحكاية في عُمان من العجائبية في الأفكار، والخرافة في الشخصيات، على الرغم من القيم الحميدة المتحصلة في نهاية كل حكاية أو خرّوفة. وتأتي المعاني المعجمية في بعض المعاجم العربية القديمة متوافقة مع التسمية العمانية للحكاية والخروفة من الخرافة، وفي لسان العرب يذكر ابن منظور: أن “الخُرافةُ: الحديثُ الـمُسْتَمْلَحُ من الكذِبِ. وقالوا: حديث خُرافةَ، ذكر ابن الكلبي في قولهم حديثُ خُرافة أَنَّ خُرافةَ من بني عُذْرَةَ أَو من جُهَيْنةَ، اخْتَطَفَتْه الجِنُّ ثم رجع إلى قومه فكان يُحَدِّثُ بأَحاديثَ مـما رأى يَعْجَبُ منها الناسُ فكذَّبوه فجرى على أَلْسُنِ الناس. وروي عن النبي، صلى اللّه عليه وسلم، أَنه، قال: وخُرافَةُ حَقٌّ.
وفي حديث عائشة، رضي اللّه عنها: قال لها حَدِّثِيني، قالت: ما أُحَدِّثُكَ حَدِيثَ خُرافةَ، والراء فيه مخففة، ولا تدخله الأَلف واللام لأَنه معرفة إلا أَن يريد به الخُرافاتِ الموضوعةَ من حديث الليل، أَجْرَوْه على كل ما يُكَذِّبُونَه من الأَحاديث، وعلى كل ما يُسْتَمْلَحُ ويُتَعَجَّبُ منه…”.
وعلى الرغم من أنَّ مفردة الحكواتي فهي غير مستعملة بالمطلق هنا في عُمان، والغريب في الأمر أن من يحكي الحكايات موجود، ووجوده قديمٌ قدم الحكايات المتوارثة، لدرجة أنه كان يوجد من يبيع الحكايات على الكبار والصغار، ودليل ذلك مضمون هذه الحكايات المتوارثة”تعالوا، عندي خرّوفة، خروفة خريريفة، والخريريفة يابت جريريفة، والجريريفة يابت كريوات، كليوات، والكليوات في التنور… وعن الخروفة بحازيكم وببازيكم وبخرّي غوازيكم”، وهذا دليل وجود من يحكي الحكايات دون أن يكون له اسم خاص ومميز مثل اسم الحكواتي! 
وعلى إثر ذلك، يعدّ التراث غير المادي أولى المفردات الحضارية، التي تستمد البشرية منها تفاصيل الوعي، لذلك نبتت عبارة “الشفاهية والكتابية”، التي استدعت الحاجة لتوثيقها بالرواية جيل بعد جيل. وإذا كانت القلاع والأبراج والحصون والأفلاج والقناطر التي تنقل مياه الأفلاج وأماكن صناعة النحاس ومحميات اللبان والآلات الموسيقية والمتاحف والبيوت القديمة والخناجر والسيوف والملابس التقليدية والمدن التاريخية تعد من التراث المادي، فإن التراث اللامادي هو شعر الميدان والهمبل والعرضة والتغرود والطارق والحكايات(الخرّوفة) الموروثة والأمثال والعادات والطقوس والتقاليد المتبعة في المعاملات الاجتماعية والأفراح والأتراح والمهن أو الحرف التقليدية اليدوية، إذ أن كل ذلك يدلل عن حجم المخزون الفكري والموروث الشعبي للدول والبلدان، وقد غدت الحكاية من أبرز المشاريع الحضارية التي بدأت منذ القدم، وتتجدد بتجدد المعطيات الحياتية؛ التي تستدعي حضورها للمساهمة في بث الوعي. وتطورت الحكاية خاصة” عبر مئات السنين ابتداء من ملحمة كلكامش البابلية ومن الإغريق حتى عصرنا الحاضر”(2)، فالحكاية كما يرى آندرو لانج مؤسس عالم الاساطير ” تثير الخيال وتوسع الافاق وتنير العقول، فهي بهذا تعادل الأعمال الروائية لكبار الكتاب وإن مذاقها لدى أطفال عصرنا هو نفس مذاقها لدى الأجداد منذ آلاف السنين”(4)، وهي كما عرَّفها (الهيتي) بأنها “نوع قصصي ليس له مؤلف وتحد معروف ، بل هي حاصل ضرب عدد كبير من ألوان السرد القصصي الشفاهي الذي يضفي علية الرواة أو يحورون منه أو يقتطعون منه وفقاً لما يستهدفون منه ، وهو يعبر عن جوانب من شخصية الجماعة ، لذا يعد نسبة إلى مؤلف معين نوعاً من الانتحال ولكن يظل في طبيعته شعبياً “([1])؛ وتعرفها نبيلة ابراهيم بأنها ” الخبر الذي يتصل بحدث قديم ينتقل عن طريق الرواية الشفوية من جيل لآخر ، أو هي خلق حر للخيال الشعبي ينسجه حول حوادث مهمة وشخوص ومواقع تاريخية”([2]).
وبالحديث عن الحكاية والحكواتي، فإن فكرة أن يكون هناك ملتقى للحكواتي الذي يحكي الحكايات في عُمان، هو مشروع حضاري لإحياء التراث اللامادي، الذي يحافظ على الخصوصية والهوية، إذ تعد الحكاية حافزًا تعليميًا وتنويرًا يستفز تفكير المستمعين وتثير عاطفتهم فهناك حكايات صورت ” الحيوانات في المغاور والكهوف، وأحياناً كانت تمثيلاً لمدلولات وقصص ذات معنى “([3])، وقد بادرت العديد من الدول في  ترسيخ فن الحكواتي لديها بإقامة مهرجانات عامة مثل مهرجان الفداوي/الحكواتي الذي يقام منذ 40 عاما بسوسة في تونس، ومهرجان “الخرافة” في تونس العاصمة كذلك منذ 2010، وانتقل هذا الفن إلى البرامج الإذاعية والتلفزيونية ومؤخرًا إلى   قنوات اليوتيوب وبرامج التواصل الاجتماعي.
وعلى ذات الأساس أراد النادي الثقافي أن يؤسس لملتقىً يعمل على تنمية التراث الحكائي في عُمان فأعلن عن أهداف الملتقى؛ وكانت كالآتي: “تأهيل حكواتيين عمانيين شباب في فن الحكاية.
تأصيل فن الحكواتي في نفوس الشباب والمجتمع”.
إذ دشَّنَ النادي الثقافي ” ملتقى الحكواتي العُماني الأول”، وشاركت فيه الحكواتية الفلسطينية المعروفة في هذا المجال دينيس سعد، التي قالت عن هذا الفن: فن الحكواتي ليس للأطفال فقط، فمنه المليء بالرمزية وهو مخصص للكبار. كما شاركت الدكتورة اللبنانية سارة قصير، والتي قالت: الحكواتي نوع من المونودراما وهناك حدٌ فاصلٌ بينه وبين الممثل. قدمت المختصّتين في الحكاية حلقة تدريبية في  فن الحكواتي، قالت عنها  دنيس أسعد:” في حديث لـ “عُمان”: “نتناول في الحلقة اليوم العديد من المحاور، وبدوري ركزت على محور الأحداث في الحكاية وتسلسلها، قدمت للمشاركين أنماطا مختلفة لسرد تلك الأحداث، نمط الحركة، النمط البصري، نمط اللمس، والنمط السمعي، بحيث يقوم الحكواتي بتقديم الحكاية وفق تلك الأنماط الأربعة بشكل متوازن، والهدف من ذلك احتواء أكبر عدد من المستمعين، ففي دراسة أجريت تبين أن هذه الانماط الأربعة موجودة بكل إنسان إلا أن أحد الأنماط يطغى على الآخر في كل شخص، فهناك من يميل إلى السماع، وآخر يميل إلى البصر، وغيره يميل إلى اللمس، وبعضهم يميل إلى الحركة، لذلك على الحكواتي أن يتوازن في كل تلك الأنماط ليملك انتباه الملتقى وخاصة الأطفال”، وأردفت دينيس أسعد القول: بأنَّ “الحكواتي غالبا ما يقوم بإعداد الحكاية وليس تأليفها، هناك من يقوم بالتأليف ولكنهم قلة، أما الأغلب فهو يسمعون الحكاية أو عايشوها، ثم بعد ذلك يقومون بإعدادها في قالب مناسب للعرض، وبعض تلك الحكايات من التراث يراد منها الحكمة، وبعض الحكايات عايشتها خصوصا في الأحداث الفلسطينية، وهناك أمر مهم، أن فن الحكواتي ليس للأطفال فقط، فمنه المليء بالرمزية وهو مخصص للكبار”. من جانبها صرحت سارة قصير عن الحلقة التدريبية: “أنا سعيدة بهذه المشاركة بالتعاون مع النادي الثقافي، لأن جيلا من الحكواتيين سيخرجون من هذا الملتقى، اليوم يجتمع عدد من المهتمين بالحكاية وبجمع التاريخ الشفهي، فنحن نضعهم على الطريق الصحيح لتطوير أنفسهم ليكونوا حكواتيين في المستقبل القريب، ومن أهداف الملتقى الحفاظ على التاريخ الشفهي لكيلا يضيع بوفاة كبار الرواة الشفهيين الذين يملكون مخزونا كبيرا من الحكايات التراثية، لذلك سيحرص المشاركون على البحث في تلك الروايات وحفظها ونقلها”.
وتابعت: “الحكواتي أصلا انقرض أو أوشك، ففي كل البلاد العربية تجد الحكواتيين معدودين على الأصابع، كما تجد أن هذا الفن غريب ومستهجن خاصة في منطقة الخليج وبلاد الشام، ودورنا اليوم اعادة هذا التراث، وفي لبنان منذ 20 عاما هناك جهود لإحياء هذا التراث، وفي فلسطين كذلك، وما لمسناه حقيقة أن هناك شريحة من الناس مشتاقة للتراث، وبسبب الكثير من التكنولوجيا والكثير من التفرقة الانسانية الحاصة بسبب برامج التواصل، أرى أن الناس محتاجة للاقتراب من الآخر والاستماع منهم وتشعر بهم، ومن تجربتنا في لبنان وفي فلسطين نجد تهافتا كبيرا بعد أي إعلان عن إقامة عمل حكواتي”.
وفي مثل هذه المواقف يقوم الحكواتي/ الراوي بسؤال نفسه “ماهي الحبكة التي تقوم عليها الحكاية؟ وطريقة تسلسل أحداثها؟ وما هي الذروة في أحداث هذه الحكاية؟ وما الممتع فيها؟ وما الذي يجعلها جاذبة مستساغة؟ لأن دور الحكواتي هو نقل القصة للمستمعين ليكونوا قادرين على وأن يستحضروا حواسهم ويعيشوا القصة بتصور تفاصيلها في مخيلتهم، وذلك من خلال توظيف درجات الصوت، وسرعة السرد، وإحكام الإيقاع الداعم للجمل السردية أو الحوارية، باستغلال الوقفات ومواقع التفخيم والترقيق والبطء والعجلة والرعب والحيرة والتفكير والتحكم بالانفعال العاطفي في دفع الأحداث للأمام، ورفع من درجة التشويق واستدعاء الإثارة لدى المستمعين.
وحسنًا فعل النادي الثقافي بتبنيه إقامة مهرجان الحكواتي، وألتمس منهم أن يتم تسميته الاسم الذي يناسب الموروث العماني مثل:” خراريف”، أو “بائع الخرّوفة”، أو أي اسم آخر مثل مهرجان “الفداوي” في جمهورية تونس وكلمة “الفداوي” تعني الحكواتي؛ بانتظار النسخ القادمة من الملتقى وهي مكللة بالنجاح والازدهار.
 
 المراجع والإحالات

(2) فردريش فون لاين / الحكاية الخرافية / ترجمة نبيلة ابراهيم / منشأتها ، مناهج دراستها . ط1/دار العلم/بيروت/1973/ص90.

(4)  نقلاً عن مقالة مرسي السيد مرسي الصباغ/توظيف مواد الثقافة الشعبية في ثقافة الطفل العربي/مجلة ثقافة الطفل ، المجلس الاعلى للثقافة ، مصر ، المجلد(16) ، 1996 ، ص54.

(1) الهيتي ، هادي نعمان ، أدب الأطفال فلسفته . فنونه.وسائطه، ( العراق : منشورات وزارة الإعلام ، 1977 )، ص185.

(2) ابراهيم ، نبيلة ، أشكال التعبير في الأدب الشعبي ، ط3 ، ( القاهرة : دار غريب ، د.ت) ، ص119 .

(7) أبو شنب ، عادل ، أدوات الوصول إلى الأطفال ، مجلة المعرفة السورية ، العدد ( 214-215) لسنة 1979-1980 ، ص26

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى