استغلال التشابُه بين العربيّة والعبريّة

سهيل كيوان | فلسطين

معروف أن التشابه بين العربية والعبرية كبير وواضح، فهناك مئات المفردات التي تكاد تتطابق بين اللغتين في اللفظ وأحرف الكتابة، وهذا أدى إلى شيءٍ من البلبلة لدى كثير من الناس، وخصوصًا من طلاب المدارس الذين لم توضَّحُ لهم حقيقة العلاقة بين اللغتين ومصادرها، إذ أن الكثيرين اعتقدوا أن أصل الكلمات المتشابهة يعود إلى كونها عبرية، وخصوصًا المسميات مثل كلمة (كفر-ريف) التي توازيها كلمة (كْفار) العبرية. ولهذا وجدتُ أن بعض الطلاب يظنون بأن القرى التي تبدأ بلفظة كفر، مثل كفر قاسم وكفر مندا وكفر كنا وغيرها، هي عبرية في الأصل، وهذا يبرِّر ويخدم النظرية السياسية التي تقول إن أصل هذه البلاد يهوديّ، وإن العرب طارئون عليها، فاللغة وعاء الفكر ولها تأثير حاسم على الوعي.

هذا لا يتوقف عند الأسماء التي تبدأ بـ”كفر”، فهم كما هو معروف يبحثون عن أسماء موازية لكل موقع أو بلدة مثل لوبية أو صفورية أو الناصرة وغيرها.

لمستُ هذه البلبلة خلال لقاءاتي مع طلاب مدارس من شتى مناطق البلاد. ويعود سبب هذه البلبلة لعدم وجود توعية أساسية في هذا الشأن لغيابه عن مناهج التدريس الرسمية، وعدم الانتباه إلى خطورته لدى المدرّسين، وربما لأن بعض المدرِّسين لا يجد تفسيرًا لهذه المسألة، فيغيب عن الطلاب أو بعضهم أن اللغتين في الأصل من اللغات السّامية التي بلغ عددها في الماضي نحو عشرين لغة ولهجة من جذور واحدة اندثر أكثرها، ولم يبقَ منها سوى تسع لغات منها العبرية والعربية والمالطية والأمهرية والآرامية التي تُستخدم كما يبدو في الكنائس وعلى نطاق ضيّق، إذن، فالتشابه يعود إلى كون لغة الأصل واحدة، وليس لأن هذه البلدة أو تلك الأرض أصلها لليهود! وقد استغلت الحركة الصهيونية هذا التشابه بذكاء عندما أطلقت مسميات عبرية قريبة جدًا من التَّسميات ذات المصادر السَّامية المختلفة ومنها العربية.

كلمة كفر موجودة في مصر مثل كَفْر الشيخ وكفر السودان، فهل هذا يعني أن هذه المنطقة المصرية أصلها عبري؟ يسمّي المصريون المناطق الزراعية، (كَفر)، وفي سورية كفر بطنا وكفر طلش وكفر قوق وكفر سوسة وغيرها، وفي ليبيا الكَفْرة، وفي لبنان كفر زبد وكفر زينة وغيرها، فهي من الآرامية وهي واحدة من اللغات السامية.

من الطبيعي وجود هذا التشابه بين كلمات كثيرة، خصوصًا الكلمات القديمة مثل أعضاء الجسد والأرقام والأمور الحياتية الضرورية، مثل الماء والأكل والصَّيد والبيت وغيرها.

بمناسبة أسبوع اللغة العربية الذي احتفلت فيه كل المدارس العربية، لاحظت هذا العام ازديادًا في الاهتمام في اللغة العربية، والوعي بأهمِّيتها حيث جرى الاحتفاء بها في معظم المدارس بصورة لافتة، فهناك شعور بالمسؤولية لدى معظم إدارات المدارس تجاه اللغة وبأنها مفتاح جيِّد للتحصيل في كل المواضيع.

من تجربتي، أرى أنه على المعلمين أيضًا أن يعرفوا قبل الطلاب، أن التشابه مع العبرية مصدره كونهما لغتين ساميتين، وكلمة كفارة وكُفر وكُفّار وكيبور هو نفس المصدر السَّامي، وفي القرآن الكريم يُذكر الكفارُ على أنهم هم الزارعون؛ “اعلموا أنَّما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث أعجب الكفارَ نباتُه ثم يهيجُ فتراه مصفرّا ثم يكون حطاما” (سورة الحديد؛ الآية 20).

أي أن النبات أعجبَ الزارعين، وكلمة زارع أيضا قريبة من العبرية (زوريع) وكلمة فلاح كذلك: فلح الأرض شقّها، ومن هنا جاء في العبرية (فيلح) شِق بطيخ أو حزّ البطيخ. والكافر من أسماء الليل لأنه يغطي ويحجب، والكافر الذي يقوم بعملية التكفير وهي حجب البذار ودفنه في التراب.

إن غياب التوضيحات الأساسية للطلاب يجعلهم مستعدين لتقبّل الرواية الأخرى، وبخاصة أنها تتقمّص اللغةَ مثلما تتقمص التراث الفلسطيني من اللباس والمأكل والمَشْرب وأسماء المواقع.

شهدتُ حالات كان بعض الطلاب فيها على قناعة تامة بأن أصل التسميات عبري، دون أن يعرفوا شيئًا عن اللغات السّامية الأخرى وتشابهها وليس العبرية والعربية فقط، بل والمالطية لغة مالطا الرسمية والأمهرية لغة إثيوبيا الرسمية والآرامية التي يتحدث فيها نحو 2 مليون إنسان.

يجب تنويه المدرّسين أيضًا، إلى ضرورة ألا يتركوا مثل هذه الأوهام والمعلومات اللغوية الخاطئة لدى الطلاب، حتى لو لم تكن في المنهاج الرسمي، فهذه من الأمور الحساسة التي يجب أن يعرفها الطالب العربي، كي تتعزّز ثقته في نفسه وفي قومه ولغته وتاريخه وحاضره ومستقبله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى