خصوصية الدول الصغرى والمجتمع الدولى
دكتور صلاح سالم زرنوقة | أستاذ العلوم السياسية- مصر
مقدمة:
بُنِىّ النظام الدولى على مجموعة من الوحدات الأساسية التى تتمثل فى الدولة القومية، هذه الوحدات تتفاوت فى الحجم والإمكانات وفى مستويات القوة. ولاشك أن هذا التفاوت ينعكس على سلوكها، وعلى مكانتها فى المجتمع الدولى، وعلى قدرتها على التأثير فى الآخرين، ومن ثم على قدرتها فى حماية أمنها القومى. هذا التفاوت أقرته معاهدة شومون 1817 فى أعقاب الحروب النابليونية؛ حيث نصت المعاهدة على أن هناك قوى كبرى، حددتها بالاسم، وعلى أن هناك قوى متوسطة، وأيضا حددتها بالاسم. وبالتالى فقد فُُُهِِمَ من هذا التحديد أن الدول التى لم ترد ضمن هاتين الفئتين تعتبر دولا صغرى. وذاك تعريف ضمنى؛ وهو تعريف الدول الصغرى بما ليست هى منه، أو تعريفها بغيرها (1).
ورغم أن الدول الصغرى تشكل غالبية فى عالم اليوم، لاسيما وأن عصر العولمة قد شهد ميلاد عدد كبير منها انبثق عن دول تفككت أو انهارت، فإنها لم تنل حقها من الاهتمام فى الحقل الأكاديمى. صحيح أن جذور الاهتمام بها تعود إلى الباحثين الألمان لأسباب تتعلق بتوحيد ألمانيا. وصحيح كذلك أن هذا الاهتمام قد نما قليلا بعد الحرب العالمية الثانية، لكنه كان بشأن”عدم الانحياز” بوصفه خيارا للدول الصغرى من أجل حماية أمنها. وصحيح أيضا أنه تلى ذلك ظهور دراسات متخصصة حول كيف تخفف الدول الصغرى من القيود الهيكلية التى يفرضها عليها النظام الدولى، وكيف يتسنى للجديدة منها معالجة المشاكل والتوترات الداخلية التى جابهتها. رغم ذلك فإن ما حازته من الاهتمام الأكاديمى لم يكن يتناسب مع عددها… هذه حقيقة (2).
لم تحظ الدول الصغرى بحقها من الاهتمام العلمى، ولم يزل حقلها البحثى فتيا- أو فى بداية أطواره. هنا تحدث البعض عن أن الدول الصغرى باتت تعانى من “تجاهل حميد” حيث لم يكن اقترابها من الوجاهة التى تجذب انتباه مدفعيات البحث الثقيلة. ونادى البعض بإفساح المجال لدراسة الدول الصغرى، ودعا آخرون إلى إعداد الأرض البحثية لغرس أشجار الاهتمام بالدول الصغرى. وعلت أصوات تناشد المجتمع الأكاديمى “فلنأخذ الدول الأصغر بجدية أكبر”، وأخرى ترثى للمقاربات الأكاديمية- للدول الصغرى- حالها (3).
رغم ذلك، أوربما نتيجة لذلك، تباينت مقاربات التعاطى مع الدول الصغرى، ففى حين ذهبت أغلب الدراسات إلى أن الدول الصغرى همومها كبرى، وأن أوجاعها كبيرة بقدر ما هى صغيرة، أو أنها بمثابة أقزام بين عمالقة. ذهبت دراسات أخرى إلى القول بأن الدول الصغرى مشاكلها أيضا صغرى، وأن الصغر يعنى الرشاقة؛ ومن ثم فكلما كنت صغيرا فى الحجم؛ كنت أكثر مرونة وأكبر فعالية وأقوى تأثيرا…. وكل ذلك صحيح (4).
فعلا كل ذلك صحيح، لأن الدول الصغرى تتوافرعلى مزايا يزكيها صغر الحجم، لاسيما فى عصر العولمة؛ حيث اتسعت فرص بعضها فى التعبير عن نفسها، وأصبح لها قدرة على التأثير فى الآخرين، بل ولعب البعض منها أدوارا بدت أكبر من أحجامها الصغيرة. لكنها ظلت فى العموم صاحبة هموم وأوجاع بسبب صغرها، ومن هنا تطرح الاشكالية نفسها على بساط البحث.
وبالتحديد ففى حين تتباين الرؤى واقترابات فهم الدول الصغرى-أكاديميا، وفى حين أن الدول الصغرى تتفاوت- فبما بينها- فى الحجم والإمكانات والقدرة؛ إلا أن هناك ما يجمع بينها؛ فكل الدول الموسومة بالصغرى- وفقا لأى معيار- تكابد فى النظام الدولى لأنها الأقل فى مستوى القوة، وتعانى من أجل حماية أمنها، حيث تعجز إمكانياتها عن الوفاء بهذه المهمة، ويكفى أن حياتها السياسية عبارة عن نضال من أجل الحفاظ على البقاء وسلامة الأراضى، كما هى كفاح من أجل الاستقلال السياسى والاقتصادى والاجتماعى. وبعبارة أخرى، فإن الدول الصغرى أقل قدرة على التأثير فى النظام الدولى أو على الدول الأخرى، وفى نفس الوقت هى أكثر عرضة لتأثير الآخرين فيها؛ ومن ثم فهى عاجزة عن حماية أمنها بجهودها الذاتية، وتعيش مأزقا أمنيا حادا، وتلك هى “خصوصية” هذه الدول فى علاقتها بالمجتمع الدولى (5).
ومن ثم يثور التساؤل حول: ما هى حقيقة هذه الخصوصية؟ ويترتب على هذا التساؤل بعض الأسئلة الفرعية؛ مثل: ما هو تعريف الدول الصغرى الذى يلقى الضوء على هذه الخصوصية ويؤكدها؟ وما هى الخصائص والسمات التى تكمن وراء هذه الخصوصية وتفسرها، والتى تشترك فيها جميع الدول الصغرى؟ وماهى الخيارات المتاحة لمعالجة علة هذه الخصوصية، تلك النى تتمثل فى معضلة حماية أمنها القومى؟
حول الإجابة على هذه الأسئلة تدور محاور هذه الدراسة، فيناقش الجزء الأول ماهية الدول الصغرى، من حيث أسس تعريفها، ومعايير تصنيف الدول وفق ما يعنيه “الصغر” بوصفه “خصوصية”. ويعالج الجزء الثانى أهم الجوانب التى تجمع بين الدول الصغرى، وفى نفس الوقت التى تختلف فيها عن غيرها من الدول. أو يتناول أهم الخصائص التى تسم الدول الصغرى أو تصمها وتجعل قضية الأمن بالنسبة لها مختلفة عن الدول الأخرى. بينما يطرح الجزء الثالث خيارات حماية الأمن بالنسبة للدول الصغرى، تلك الخيارات التى تمثل أقصى ما يتاح لهذه الدول فى ظل النظام الدولى القائم، وهى نفس الخيارات التى تبدو أقل تكلفة وأكثر فعالية.
(أولا) تعريف الدول الصغرى:
يثور الجدل حول تعريف الدول الصغرى، وحول تصنيف أو ترتيب الدول أعضاء المجتمع الدولى . فى هذا الصدد تتعدد التعريفات والمؤشرات والمقاييس؛ ذلك أن تعريف الدول الصغرى تتقاسمه حقول علمية عديدة، مثل حقل العلوم السياسية والقانون الدولى والاقتصاد، وكل حقل يستخدم معايير معينة فى تصنيف الدول ومقارنتها ببعضها. وبصفة عامة فإن الدول الصغرى هى الدول قليلة السكان، وصغيرة المساحة، مقارنة بدول العالم الأخرى. مع التأكيد على أنها تتمتع بالأهلية القانونية الدولية شأنها شأن الدول الكبرى، وتتوافر على أركان الدولة، ولها كامل السيادة على أرضها، وتقف مع دول المجتمع الدولى على قدم المساواة، ولها ما للدول، وعليها ما عليهن.
حسب تعريف الأمم المتحدة ومنظمة الكومنولث فإن الدولة الصغرى هى التى لا يزيد عدد سكانها عن مليون نسمة، ولا تزيد مساحتها الجغرافية عن بضعة آلاف من الكيلومترات المربعة. والحقيقة أن استخدام معيارعدد السكان والمساحة هو الأكثر شيوعا فى تصنيف الدول، وهو الذى تتوافق نتائجه مع ماهو شائع فى التصنيف من جانب المؤسسات الدولية. وحسب كليهما تًصنَف الدول إلى خمس فئات، هى: فئة الدول العظمى، وفئة الدول الكبرى، وفئة الدول المتوسطة، وفئة الدول الصغيرة، ثم فئة الدول المجهرية أومتناهية الصغر. وجدير بالذكر أن أغلب دول العالم تقع فى الفئتين الأخيرتين، فمن بين 193 دولة عضو فى الأمم المتحدة (حتى عام 2019)، هناك حوالى 115 دولة يقل عدد سكان كل منها عن عشرة ملايين نسمة (6).
والدول الصغرى منها ما هو قديم تاريخيا، ومنها ما هو حديث النشأة، والدول الصغرى القديمة منتشرة فى أغلب قارات العالم؛ ففى أفريقيا مثلا موريشوس، وجزرالقمر، والرأس الأخضر، وسييشل، وجيبوتى، وبوروندى، ورواندا، وغينيا بيساو، وغينيا الاستوائية، وتوجو، وبتسوانا، وساوتومى، وبنين، وسوازيلاند. وفى آسيا سلطنة بروناى، وسنغافورة، ومنغوليا، وأرمينيا، وتيمور الشرقية، وقبرص، وسنغافورة، وجورجيا، ولبنان، والكويت، وقطر، والبحرين، وسلطنة عمان، واسرائيل. وفى أوربا الفاتيكان، والدانمرك، وفنلندا، وسويسرا، والنمسا، وألبانيا، ومالطا، وقبرص، ودول البلطيق. وفى أمريكا الجنوبية كوبا، وجامايكا، وهاييتى، والدومينيكان، والأورجواى، والباراجواى. وتعتبر دول أمريكا الوسطى عدا المكسيك من الدول الصغرى، وهى بيليز، وبنما، وجواتيمالا، والسلفادور، وكوستاريكا، ونيكاراجوا، وهندوراس(7).
أما الدول الصغرى حديثة النشأة؛ فمنها تلك التى تخلفت عن انهيار الاتحاد السوفياتى ويوجسلافيا؛ وهى دول البلطيق، وجورجيا، وأرمينيا، وقرخيزيا، وصربيا، والجبل الأسود، وكرواتيا، وسلوفينيا، ولاتفيا، والبوسنة والهرسك. وبصفة عامة فقد شهدت الفترة التى أعقبت الحرب الباردة ميلاد 60 دولة، جُلّها من الدول متناهية الصغر (8).
وحول حقيقة الدول الصغرى، يمكن إدارة النقاش- فيما يتعلق بتعريفها- بطريقة ربما تلقى الضوء على “خصوصية” هذه النوعية من الدول؛ وذلك على النحو التالى:
بداية، من المسلم به أن قضية الأمن بالنسبة للدول الصغرى تختلف عن غيرها؛ فالأمن بالنسبة لها ينصرف مباشرة إلى قضية الوجود ذاته؛ بمعنى الحفاظ على البقاء. وهذا يعنى أن حماية أمن هذه الدول الصغرى يقتضى الغياب التام للأخطار، وانتفاء التهديدات بشكل نهائى- أى أن تكون التهديدات صفر!. وهذا يختلف عن “الحدود النسبية” للأمن لدى الدول العادية، فالقاعدة بالنسبة للدول العادية هى أن الأمن نسبى؛ فهى تكون آمنة عند الحد الذى لا تضطر فيه إلى التضحية بقيمها الجوهرية لتجنب الحرب، وهو نفس الحد الذى يضمن لها النصر إذا اضطرت إلى خوض الحرب. هذا التحديد يسمح بوجود تهديدات فى حدود معينة، وهو عكس الحال بالنسبة للدول الصغرى؛ حيث لا تسمح ظروفها بأن تكون هناك تهديدات على الإطلاق، ولا يعرف أمنها النسبية. ومعنى ذلك أن مشكلة-أو خصوصية- الدول الصغرى تتمثل- إلى جانب عدم قدرتها على حماية أمنها بإمكاناتها الذاتية- فى “انكشافها للتهديدات”، أو فى أنها من منظور الأمن تعتبر “أكثر حساسية ” (9).
من المسلم به كذلك أن”الصغر” مسألة نسبية، ومن ثم لا يمكن تحديده إلا فى إطار مقارن؛ فدولة مثل بلجيكا صغيرة مقارنة بفرنسا، لكنها أكبر إذا قورنت بدولة مثل مونتنجرو، وكذلك الجابون صغيرة بالنسبة للسودان، ولكنها كبيرة بالنسبة لغينيا الاستوائية.
ومن المسلم به أيضا أن جزءا كبيرا من دول العالم يقع فى فئة الدول الصغرى وفق مختلف المعايير. وأن الدول الصغرى تنطوى فيما بينها على تباينات واسعة، فهناك دولا صغيرة وأخرى مجهرية أو متناهية الصغر، فقد حصرت دراسة سوتون- وباين(2010) أن هناك 45 دولة ذات سيادة سكانها أقل من مليون نسمة، وأنها دول قزمية أو متناهية الصغر (10).
ومادام “الصغر” مسألة نسبية؛ فإن تعريف الدول الصغرى يعد قضية نسبية أيضا، وذلك فى أكثر من معنى؛ المعنى الأول هو أن المؤشر الواحد قد يختلف من فترة إلى أخرى؛ هكذا اختلف مؤشر عدد السكان عبر المراحل التاريخية، ففى الستينات اعتبرت الدراسات أن الدول الصغرى هى التى يتراوح عدد سكانها من 5- 15 مليون نسمة، وفى السبعينات اعتبرتها صغرى تلك التى يتراوح عدد سكانها من مليون إلى 3 مليون، وفى الثمانينات والتسعينات هى التى لايتجاوز عدد سكانها 1.5 مليون ولايقل عن مليون، فى حين هبط البعض بعتبة الحد الأدنى إلى مائة ألف نسمة (11).
المعنى الثانى هو أن المؤشر الواحد قد يختلف مدلوله عندما يضاف إليه مؤشر آخر، فعدد السكان مثلا قد يعطى دلالات أخرى عندما يقترن بالمساحة أوالموارد الاقتصادية؛ فالعدد الكبير فى مساحة صغيرة يختلف مدلوله عن نفس العدد فى مساحة أكبر. أبرز مثال على ذلك هو تصنيف فيتال (1967) حيث استخدم معيارا مكونا من ثلاثة مؤشرات، هى عدد السكان والمساحة والقدرات الاقتصادية، وتوصل إلى أن الدول الصغرى هى التى يتراوح عدد سكانها من 10 إلى 15 مليون نسمة، مع وجود مستوى مرتفع من التنمية الاقتصادية، أو هى التى يتراوح عدد سكانها من 20 إلى 30 مليون نسمة فى حال انخفاض مستوى التنمية الاقتصادية (12).
المعنى الثالث فيه تتوقف النسبية على مستوى التحليل؛ فالدولة قد تُصَنّف كبرى أو متوسطة فى محيطها الإقليمى، لكن نفس الدولة تُصَنف صغرى على الصعيد العالمى. فدولة اسرائيل يصعب تصنيفها كدولة صغرى فى محيطها الإقليمى، لكنها صغرى على المستوى العالمى. أيضا تتوقف النسبية على منظور التحليل، فثمة دول تعتبر بالمنظورالاقتصادى ذات تأثير اقتصادى قوى على المستوى الإقليمى وربما العالمى، لكنها لا تعنى شيئا بمنظور القوة العسكرية، مثال ذلك هولندا وبلجيكا والدول الاسكندنافية، ومن ثم فهى كبرى بالمنظورالاقتصادى، وصغرى بالعسكرى (13).
المعنى الرابع هو أن النسبية تتوقف أيضا على الظرف التاريخى أو السياق العام القائم فى لحظة تاريخية معينة. فالدول الصغرى تتأثر بالنظام الدولى، وهو دائم التغير، والدول الصغرى تنتشر فى العديد من الأقاليم، ولكل إقليم سياقه المختلف. ومعنى ذلك أن الحجم النسبى للدولة الصغرى تتعدد قراءاته أو تتغير وفقا لعلاقتها بالنظام الدولى فى مرحلة معينة، وبحسب الأوضاع الإقليمية المحيطة بها. أو كما يرى هاندل (1981) – فإن مكانة الدول الصغرى وأمنها النسبى يقاسا فى ضوء خصائص النظام الدولى، وفى ظل المرحلة التاريخية، فالدول الصغرى تنتشر فى مناطق متباينة، وحيث تختلف دول الجوار بالنسبة لكل منها، فسوف تجد نفسها أمام تحديات مختلفة (14).
هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية هناك اتجاهات أخرى فى تعريف الدول الصغرى أو تحديدها، هذه الاتجاهات تركز على الجوانب المعنوية والنواحى الإدراكية منها بصفة خاصة. فعلى سبيل المثال يرى كوهين(1969) أن الدولة الصغرى هى التى “ترى نفسها صغيرة- أو تضع نفسها موضع الأصغر فى علاقتها بقوة أخرى عندما تتفاعلان معا”، أوهى”الدولة العقيمة أوالعاجزة فى النظام الدولى، والتى ترى أنه ليس بمقدورها التأثير فيه”. بينما يرى روثستين(1968) “أن الدول الصغرى ليست صغرى بأوامر أو صكوك من جانب القوى الكبرى، وإنما هى التى ترى أو تعتقد أو تشعر أنها صغرى، والتى تحتاج فى حماية أمنها إلى المساعدة الخارجية”. ولعل الشق الأخير فى تعريف روثستين، والذى يتعلق بحاجة الدولة إلى المساعدة الخارجية لحماية أمنها، إنما يضع دول كبرى ومتوسطة فى التصنيف، فقط لأنها لا تملك القوات المسلحة التى تكفى لحماية أمنها. كذلك أشار هيى (2003) إلى أن المعيار فى تحديد الدول الصغرى هو “إدراك الدولة لنفسها وإدراك الآخرين لها” (15).
فى نفس السياق يذهب البعض إلى اعتبار أن “صغر الدولة خطاب Discourse أكثر منه حقيقة مادية”؛ فالحديث عن “الصغر Smallness” وتداول مقولاته، وتسطيره فى الوعى، وتأطيره فى نماذج للعلاقات، والتعامل على أساسه، هو بمثابة أحد عوامل الانكشاف والتخاذل للدول الصغرى. ذلك أن لغة الحديث عن “الصغر” ترسم حدود ما يمكن- ومالا يمكن أن تفعله الدولة فى المجالات السياسية والاقتصادية، وتحدد حجم الفرص التى يمكن أن تتاح لها، ونوعية القيود التى يمكن أن تُفرَض عليها من جانب النظام الدولى. هذه القراءة المختلفة يعللها أصحابها بأنها ليست لأن هناك دولا غير صغيرة فى الواقع وتُنعَت بذلك زورا وبهتانا- رغم أن ذلك وارد، ولكن أيضا لأن “خطاب الصغر” يسكب نفس النتائج التى يسبغها “واقع الصغر”- أى عندما يكون موجودا فى الواقع، وبكل تأكيد- وقبل ذلك- فإن خطاب “الصغر” يضخم من حقيقة “الصغر” فى الواقع. وباختصار فإن الدولة التى تشعر أنها صغيرة، وتقبل مخاطبتها على أنها كذلك، وتقيم علاقاتها على هذا الأساس، إنما تحصد نفس النتائج التى تحصدها الدول الصغرى، حتى ولو لم تكن صغيرة بالفعل (16).
ومن ناحية ثالثة هناك اتجاهات مركبة فى تعريف الدول الصغرى، بمعنى أنها تستخدم حزمة من المؤشرات مع بعضها البعض؛ فثمة اتجاه يركز على مستوى القوة النسبية للدولة، ويرى أن الدول الصغرى هى التى تحوز قوة أقل فى سياق مقارن مع الدول الأخرى، وذلك على أساس معايير موضوعية لتحديد معنى القوة ومؤشرات قياسها فى كل موقف على حدة. ومن ثم فإن كل المواقف تنطوى على ترتيب- تصاعدى أو تنازلى- لمستويات القوة بين الدول وفقا لنوعية عناصر القوة التى يستدعيها الموقف ذاته، والتى تختلف من موقف آخر. ومعنى ذلك أن الدول الصغرى تتداول المواقع وتتناوب على المكانة فى المجتمع الدولى، ليس فقط فيما بينها، وإنما ربما أيضا مع دول قد تكون أكبر منها بالمقاييس العامة أو التقليدية، وهى المساحة وعدد السكان (17).
كذلك اقترحت بعض الدراسات مقياسا مركبا من ثلاثة معايير، المعيار الأول موضوعى كمى مطلق- بمعنى أن مؤشراته مادية ملموسة، وقابلة للقياس الكمى، وتقاس فى حد ذاتها دون مقارنة مع غيرها، ومؤشرات هذا المعيار هى المساحة وعدد السكان وحجم الموارد الاقتصادية. والمعيار الثانى موضوعى كمى نسبى، ويستخدم نفس مؤشرات المعيار السابق، لكن مع مقارنتها بالدول الأخرى. والمعيار الثالث معنوى كيفى ذاتى، ويتعلق بفكرة الدولة عن نفسها وفكرة الآخرين عنها، أى تصورها لنفسها وصورتها لدى الآخرين. قى هذا الصدد قدم ثورالسون (2006) مقياسا يتكون من ستة مؤشرات، هى:
- الحجم المعلوم، ويشمل عدد السكان فى لحظة معينة، والمساحة الجغرافية. ويشكل عدد السكان الأساس للقوة الاقتصادية والعسكرية، وفى عصر العولمة أصبح يدخل فى باب الثروة البشرية أو رأس المال البشرى. وترتبط المساحة الجغرافية بالموارد؛ فالمساحة الكبرى تعنى تنوع الموارد التى يمكن الاعتماد عليها.
- الحجم السياسى، ويشير إلى القدرة العسكرية، والقدرة الإدارية، والتماسك السياسى، بالإضافة إلى قدرة الدولة على تدشين حضورها على المستوى الدولى.
- الحجم الاقتصادى، ويعنى مستوى الناتج الوطنى، وحجم السوق، ومعدلات التموالاقتصادى.
- حجم السيادة، وتعنى أن الدولة تتمتع بسيطرة كاملة على أراضيها، وأنها تمتلك مؤسسات فعالة وقادرة على صياغة السياسات وتنفيذها فى نطاقها المحلى.
- الحجم المكتسب، وهو الجدارة التى تتمتع بها الدولة- أى قدرتها على الفعل فى نظر نخبتها السياسية، ومواطنيها، والفاعلون المحليون، والنخب السياسية فى الدول الأخرى، والمنظمات الدولية، والفواعل الأخرى فى المجتمع الدولى. والدولة تكون جديرة عندما يشعر هؤلاء أنها تستطيع أن تفعل ماتريد محليا وخارجيا، وبالعكس تكون منكشفة بقدر ما تقلّ جدارتها.
- الحجم المفضل، ويشير إلى طموحات الدولة، وكيفية ترتيبها لأولوياتها، ورؤيتها للنظام الدولى؛ فإذا كانت ترى أنها يمكن أن تستفيد من النظام الدولى، فإنها تستخدم عناصر قوتها وترتب أولوياتها بالطريقة التى تحقق طموحاتها (18).
ومن ناحية رابعة يختلط مفهوم الدول الصغرى مع مفهوم الدول الضعيفة، رغم الاختلاف بينهما، أى رغم أن التمييز بين دول صغرى وكبرى لا يتطابق مع التمييز بين دول ضعيفة ودول قوية؛ فالتمييز بين دول صغرى وكبرى- كمى، والتمييز بين ضعيفة وقوية- نوعى أو كيفى. وبالتالى ليست كل الدول الصغرى ضعيفة ولا كل الدول الكبرى قوية؛ فهناك دولا كبرى ضعيفة، ودولا صغرى قوية. والدول الصغرى تكون قوية عندما تتوافر على معطيات للقوة أو مزايا نسبية؛ فقد تمتلك موارد طبيعية أوامكانيات سياحية أوأيدى عاملة مؤهلة ورخيصة أو تتحكم فى طرق الملاحة الرئيسية، ما يجعل لها تأثير كبير فى النظام الدولى. وبعبارة أخرى أن يكون للدولة “صولة فى نطاق شأن معين، أو يكون لها ثقل فى دائرة بعينها، أو تكون نموذجا يحتذى فى مجالها”، مثال ذلك سويسرا فى مجال الخدمات المالية، والكويت فى قطاع البترول، والسويد والنرويج فى مجال الإدارة (19).
وعموما فإن مفهوم الدولة الصغرى فى حد ذاته لا يعنى شيئا، وإنما تكون الدولة صغرى مقارنة بدولة أكبر منها، أى أن صغر الدولة هو”علاقة نسبية مع المجتمع الدولى”. ووفقا لهذه العلاقة فالدولة الصغرى هى تلك التى تعتقد أنها لا تستطيع ضمان أو تحقيق أمنها اعتمادا على قدراتها الذاتية، على أنه يجب الاعتراف من جانب المجتمع الدولى باعتقادها هذا (20).
(ثانيا) خصائص الدول الصغرى:
مع افتراض أن طبيعة التهديدات والأخطار فى عصر العولمة لم تعد تفرق بين دولة كبرى ودولة صغرى، ولا عادت العوامل الجيواستراتيجية لها نفس القدرة على تعزيز منعة الدولة كما كانت فى السابق- أى قبل أن يعرف العالم التطور التكنولوجى فى الأسلحة عابرة القارات، وكذلك قبل أن يعرف ثورة الاتصال. ومع افتراض أن الدول الصغرى لا يمكن أن توضع فى سلة واحدة، فثمة أوجه تفاوت بينها، ربما لا تقل عن الاختلاف بين بعضها وبين كثير من الدول المتوسطة والكبرى. مع هذين الافتراضين تثور أسئلة من قبيل: فيمَ تختلف الدول الصغرى عن غيرها من الدول؟ وما هى الخصائص المشتركة بين هذه الدول؟ أو ما هى الخصائص والسمات التى تشكل”خصوصية” هذه الدول؟ وما تأثير ذلك على قضية الأمن بالنسبة لها؟
هناك من يرى أن الدول الصغرى تتوافر على مزايا ومعطيات ليست متاحة لدول كبرى، أو على الأقل هى لا تقل فى هذه المزايا عن دول كبرى. وهناك من يرى أن صغر حجم الدولة يمثل مزية تنافسية تجعل الدولة أكثر قدرة على الاستجابة لتحديات العولمة، وأكثر قدرة على الاستفادة من النظام الدولى، ومن ثم أكثر قدرة على حماية أمنها:
فمن ناحية ثمة دراسات تقر بأن الدول الصغرى لديها فرص كبرى فى تجنب الأخطار الاقتصادية العالمية، لأنها ليست منفتحة ماليا- مقارنة بالدول الأكبر، ولأن علاقتها بالأسواق المالية العالمية محدودة، ومن ثم فهى أقل عرضة لاختلالات هذه الأسواق. وتضيف هذه الدراسات أن الدول الصغرى عندما تكون غنية بالموارد الطبيعية، وقليلة السكان، ومتجانسة ديموغرافيا؛ فإن ذلك يمنحها فرصا أكبر فى تحقيق التنمية، وفى تجنب الأخطار، ويوفر لها مصادر قوة تستطيع من خلالها تعظيم قدرتها على حماية أمنها (21).
ومن ناحية ثانية يرى البعض أنه إذا كان صغر المساحة الجغرافية أو قلة عدد السكان للدولة بمثابة نقطة ضعف استراتيجية- فيما يتعلق بحسابات موازين القوى. فإن الصورة العكسية قد تعطى نفس النتيجة فى هذه الحسابات؛ بمعنى أن اتساع المساحة وزيادة عدد السكان قد يشكلان موطن ضعف استراتيجى أيضا. وفى ذلك لا تجد الدول الصغرى فى نفسها حرجا أمام نظائرها الكبيرات، أوبالتحديد فإن الدول الصغرى من هذا المنظور الاستراتيجى لا تزيد ضعفا عن الكبرى.
من ناحية ثالثة يرى آخرون أن الدول الكبرى أكثر عرضة للتهديدات والأخطار مقارنة بالدول الصغرى. وذلك بسبب انتشار قواتها، وتعدد مصالحها، وتبعثر مراكزها الحيوية، وكثافة علاقاتها والتى قد يكون منها ما هو سلبى بالضرورة لاسيما إذا كانت لها تدخلات فى بؤر الصراع والحروب. مثل هذه الدول تشكل مصدر جذب واغراء لأنواع معينة من التهديدات، فتزداد حمولة أعبائها الأمنية بأكثر مما يجب. ولعل المعنى الضمنى الذى يمكن فهمه أو استنباطه من هذا الطرح هو أن الدول الصغرى لا تعرف هذا النوع من الأخطار، أوهى أكثر أمنا فيما يتعلق بأنماط معينة من التهديدات، وبالتالى فإن أعباء حمولتها الأمنية- فى جُل الأحوال- ليست ثقيلة (22).
ومن ناحية رابعة ثمة مقولة مفادها أنه “قد يحدث أن ينتصر الأصغر”، بطبيعة الحال وطبقا للنظرية الواقعية فى العلاقات الدولية، فإن حيازة مزيد من القوة تعنى تحقيق النصر، وأن القليل من القوة يعنى خسارة الحرب، ومعنى ذلك أن المفترض هو أن ينتصرالأكبر. لكن الواقع قد يسفر أحيانا عن نتيجة مختلفة، فقد تنهزم الدولة القوية أمام دولة صغيرة أوأقل قوة؛ ذلك أن نتائج الحرب ليست تعبيرا عن حصيلة القوة، وإنما هى تعبيرعن محصلة التفاعل الاستراتيجى. ولما كانت أنماط بناء الاستراتيجيات فى كل دول العالم يمكن اختزالها فى نمطين اثنين (إيجابى وسلبى من منظور طرف ما) فإنه عندما يوظف الفاعلون استراتيجيات متناقضة، ينتصرالأصغر أوالأقل قوة، حتى لو كانت قراءة المشهد توحى بغير ذلك. وبعبارة أوضح أنه عندما تتناقض استراتيجيتان متصارعتان؛ لا بد أن تكون إحداهما فى صالح طرف أصغر أو أضعف (23).
ومن ناحية خامسة فإن الاتجاه نحو تصغير أحجام الهياكل التنظيمية؛ يعنى أن فى الحجم الصغير مزايا عديدة. هذا الاتجاه صار ظاهرة فى عصر العولمة، سواء على مستوى الدولة أو المؤسسة أوالمنظمة، وذلك بغرض تحقيق المزيد من القوة والفعالية، والمرونة الحركية والرشاقة، والتحكم القيادى، وتحسين مستوى الرفاهية الاقتصادية، وتعزيز الخصوصية الثقافية والسلم الاجتماعى، وتعظيم الاستفادة من القدرات الاتصالية، وتخفيض التكاليف، وتقريب الهياكل التنظيمية من قواعدها الاجتماعية. هذه المزايا مقترنة بصغر الحجم، ومن ثم فالمأمول أن تحتفى الدول الصغرى بما تتمتع به من هذه الزاوية، أوأن تستفيد من صغر حجمها. لكن قد يرى البعض أن هذه الظاهرة تتزامن مع ظاهرة أخرى مناقضة لها، وهى ظاهرة التعملق الحضرى والتنظيمى، والتكتلات الاقتصادية والاندماجات، وتزايد أهمية اقتصادات الحجم الكبير فى المنافسة بين الشركات الدولية. ظاهرتان متناقضتان تناظران التناقض بين ظاهرتى التفكك والاندماج، والظاهرتان تبحثان عن الفعالية والتميز فى الأداء. لكن من الناحية التنظيمية يمكن حسم هذا التناقض، فالاتجاه نحو التصغير يتعلق بالهيكل التنظيمى للوحدة التنظيمية فى حد ذاتها، أما التكتل وأشكال التعملق الأخرى فترتبط بالعلاقات بين الهياكل التنظيمية والتنسيق والتعاون بينها، ومن ثم فالتكتل والتعملق لا يلغى التصغير ولا يتعارض معه فى هذه الحالة. ولعل الدول الكبرى، وحتى التكتلات الكبرى بين الدول، تلجأ بحكم منطق التخصص ومبدأ التقسيم الدولى للعمل- تلجأ إلى إعادة هيكلة الأقاليم الوطنية وإلى توسيع اللامركزية والتخصص الاقتصادى الجهوى؛ أى أن يتخصص كل إقليم فى نشاط معين، وهو صورة من صور التصغير التنظيمى، مثال ذلك الهند والولايات المتحدة الأمريكية واليابان وألمانيا (24).
فى المقابل تذهب أغلب الدراسات إلى أن مزايا الدول الصغرى صغيرة أيضا، وفى نفس الوقت يقابلها أوجه نقص كبيرة. وأنه إذا كانت بعض الاتجاهات الاستراتيجية ترشح للدولة الصغرى نصرا محتملا على سبيل الاستثناء، فإن أغلب الاتجاهات تضمن لها هزيمة مؤكدة، ولا شك أن هزيمتها تعتبر كارثية إلى أبعد الحدود. وعلى أية حال فقد تغير العالم اليوم وصار الهدف الأكبر لكل الدول ليس فقط تحقيق النصر فى الحرب، ولكن أيضا كيفية منع وقوع الحروب. وبهذا المعنى تعيش الدول الصغرى معضلة أمنية حادة، تتمثل فى عدم قدرتها منفردة على حماية أمنها، على الأقل ضد احتمالات الهجوم العسكرى المفاجىء، وذلك نظرا لحالة الانكشاف الاستراتيجى التى تعانى منها. هذا الانكشاف يرجع من ناحية إلى مجموعة من الخصائص والسمات تشترك فيها الدول الصغرى بدرجات متفاوتة، ومن ناحية أخرى إلى طبيعة وضع الدول الصغرى فى النظام الدولى.:
من أبرز الخصائص والسمات التى تجمع بين الدول الصغرى، والتى تمثل مواطن ضعف لهذه الدول، وتفت فى عضدها الاستراتيجى، وتفرض الانكشاف الأمنى عليها ، ما يلى:
أولا صغر مساحتها الجغرافية، وعدم وجود حواجز طبيعية يصعب اجتيازها، وقصر المسافات البرية والبحرية فى داخل أراضيها، وبينها وبين الدول المجاورة. ومعنى ذلك أن هذه الدول بلا عمق استراتيجى، والنتيجة هى أن اجتياحها يبدو ميسورا من الناحية النظرية وفى عيون الطامعين فيها. هذا يختلف عن حالات أخرى كثيرة تتكفل فيها الجغرافيا بإجهاض محاولات الاعتداء أو الاجتياح؛ مثال ذلك حالة روسيا فى الحرب العالمية الثانية حيث انسحبت قواتها أمام القوات الألمانية وتركت الطبيعة الجغرافية تحاربها.
ثانيا قلة عدد سكانها، وهو ما يعنى جفاف الوعاء الدفاعى لديها، والوعاء الدفاعى هو مجمل العناصر البشرية القابلة للتجنيد فى قواتها المسلحة. ويعنى كذلك حرمانها من دور الكثافة السكانية فى عرقلة القوات المعتدية، فإذا أضيف إلى ذلك ارتفاع نسبة الوافدين إليها أو المقيمين فيها من غير مواطنيها، زاد عبء الأمن ليتجاوز فكرة الدفاع عن الدولة داخل حدودها إلى ضرورة الدفاع عنها خارج هذه الحدود (25).
ثالثا موقعها الجغرافى، فقد تقع الدول الصغرى فى مناطق أوأقاليم استراتيجية، والأقاليم الاستراتيجية لها ما لها وعليها ماعليها، من حيث تشابك المصالح الدولية والإقليمية، ومن حيث كثافة التفاعلات، ومن حيث مصادر التوتر، ومن حيث حساسية الإقليم للتهديدات، مما يعقد المسألة الأمنية فيها. هذا بصفة عامة، وبالتحديد قد يكون موقع الدولة الصغرى مركزيا؛ مثل بلجيكا والنمسا وتشيكوسلوفاكيا وبولندا واسرائيل، هذه الدول يعتبرها البعض ضحايا لموقعها المركزى. دول أخرى قد يكون موقعها استراتيجيا دون حماية كافية، ومن ثم تكون ضحية ما يسمى “فراغ القوة”، مثال ذلك أفغانستان فى تعرضها للغزو الروسى. وثمة دول صغرى أخرى جنى عليها موقعها من حيث ندرة الموارد الطبيعية فيها. وهناك دول “مغلقة Landlocked” – أى ليس لها منافذ بحرية- مثل النيبال وبوليفيا وبوتسوانا، وهى لهذا السبب عرضة للهيمنة العسكرية والسياسية والاقتصادية من جانب جيرانها الأقوى. وقد تكون الدول الصغرى محاطة بجيران من الدول الأكبرمنها، وهذه الدول الأكبر لا تكف عن تصديرالتهديدات لها، فهى تنظر لها على أنها تابعة لها، وتتلمظ لها دائما، وتغزوها أحيانا، أو تحتل جزء منها، أو تتدخل فى شئونها الداخلية. ولعل هذا يطرح على الدول الصغرى تحديا دفاعيا صارخا يتعلق بحقيقة البقاء فى معنى استراتيجى حقيقى وعميق. وعلى سبيل المثال تمارس نيجيريا الهيمنة على جيرانها الصغراوات فى غرب أفريقيا، وكذلك دولة جنوب أفريقيا مع الدول الصغرى المجاورة لها. وتشكل إيران تهديدا لجيرانها فى منطقة الخليج العربى، واسرائيل مع دول الجوار، وروسيا مع دول الكومنولث وهى مجموعة دول القوقاز وآسيا الوسطى.
تلك نماذج فرادى، فإذا تصورنا أن هناك دولا صغرى تجتمع لها معظم هذه السمات، كأن تكون ذات موقع مركزى، وأهمية استراتيجية، وغنية بالمواد الخام، ومحاطة بجيران أكبر منها؛ فهى بذلك “مثال نموذجى لحالة أمنية خاصة”، مثال ذلك الدول الصغرى فى مجلس التعاون الخليجى. إن مشكلة تلك الدول ليست في صغر حجمها فحسب، بل في تأثير تلك السمات على وضعها الإقليمي، لاسيما وأنها تتمتع بثروات هائلة مقارنة بجيرانها، وتقع ضمن إقليم تتفاوت قدرات دوله العسكرية، وتختلف أنظمته السياسية، بما يخلق لدى الدول الصغرى ليس فقط مجرد هواجس أمنية، وإنما شعور حقيقى بتهديد وجودها؛ ولعل مأساة الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990 كانت مثالاً واضحاً على ذلك (26).
رابعا ربما يترك ذلك لدى الدول الصغرى عقيدة أمنية صارمة وفريدة وذات طابع خاص، فهى لا تتهاون مع أى إشارة تهديد حتى لو كانت مجرد تصريحات سياسية، وهى لا تملك ترف افتراض حسن النوايا لدى الآخرين، وتتوقع الأسوأ دائما، وتتعامل مع أقصى الاحتمالات. هذا صحيح من الناحية الاستراتيجية، لكن هذه العقيدة الأمنية قد تتحول إلى “عقدة أمنية” تجعل هذه الدول ترى الأخطار أكبر من حجمها فى الواقع، وتقفز بتقديراتها إلى ماهو غير ممكن ولا متوقع، ويؤرقها الهاجس الأمنى بأكثر مما يجب، فتبالغ فى الحماية. هذا هو ماحدث بالنسبة لاسرائيل بعد قيام دولتها، فثمة تصريحات لقاداتها الأوًلّ بأنه ليس لاسرائيل سياسة خارجية، وإنما لها سياسة أمنية.
خامسا تشتد معاناة الدول الصغرى- مقارنة بغيرها- من أخطار معينة فى عصر العولمة، من أهم هذه الأخطارالصراعات العرقية والدينية والمذهبية. ربما تكون هذه الصراعات معروفة فى دول كبيرة أو متوسطة، لكنها تشكل خطورة أكبرعلى الدول الصغرى، أوأن الدول الصغرى أكثر حساسية لهذه الصراعات. ذلك لأن هذه الصراعات تأخذ أشكالا عديدة، وتبسط استقطابات حادة ومتقاطعة، ولا تقف عند حدود الدولة التى تحدث فيها، وإنما تتعدى تأثيراتها إلى الدول الأخرى، وتستدعى أشكالا من التدخلات الخارجية. ومن هذه الأخطار أيضا تجارة الأسلحة وانتشارها فى عصر العولمة، لا سيما وقوع هذه الأسلحة فى أيدى العصابات المنظمة عابرة الحدود. ويتمثل الخطرفى أن الدول الصغرى فى هذا الصدد ليس أمامها خيار إلا الاعتماد على نفسها، لأن الخيارات الأخرى-كالتحالف أوالردع مثلا- لن تجدى فى مواجهة هذه الأخطار التى لا يُعرَف لها فاعل واضح، وليس لها توقيت، وليس لها عقل يدرك مغزى الردع (27).
سادسا تعانى الدول الصغرى اقتصاديا نظرا لصغر حجمها، حيث أن اقتصاد الحجم- والذى ينطوى على مزايا عديدة- لا يتاح للدول الصغرى. فاقتصاد الحجم يرتبط باتساع السوق المحلية، ويعنى إنتاج أكبر وبتكلفة أقل فى حالة الانغلاق، وقدرة أكبر على التصدير فى حالة الانفتاح. ويرى أصحاب هذا الرأى أن اقتصادات الحجم تذهب مع حجم الدولة وتجىء معه، ففى حالة وجود دولتين متماثلتين فى كل النواحى ما عدا الحجم (المساحة وعدد السكان)، فإن اقتصاد الحجم يتوافر للدولة الأكبر حجما. وعموما فالدولة الصغيرة محدودة الإنتاج، ضيقة السوق المحلية، فقيرة التنوع فى عناصر الإنتاج، فقيرة البدائل فى مجال الاستيراد، محدودة القدرة على التأثير فى الأسعار المحلية، عالية الحساسية لتقلبات الأسعارالدولية. وعلى أساس هذا المعيار تعتبر دولا صغيرة تلك التى يقل عدد سكانها عن ثلاثين مليونا، فأقل من هذا العدد لا يشكل سوقا محلية بالمستوى الذى ينهض باقتصاد الحجم (28).
وبمثل ما يعود الانكشاف الأمنى للدول الصغرى إلى الخصائص السابقة، فإنه يعود إلى طبيعة علاقة هذه الدول بالنظام الدولى وموقعها فيه. فالنظام الدولى يفرض قيودا على الدول الصغرى، كما يمنحها فرصا. ولما كان النظام الدولى دائم التغير، ولما كانت القوى الكبرى هى التى توجه النظام، ولما كانت الدول الصغرى لا تملك اجراءات مضادة؛ فإنها لا بد أن تعتمد على مصادر خارجية لتخفيض هذه القيود وتعظيم تلك الفرص، وهو ما يرادف تماما سعيها لتضعيف قدرتها على التأثير فى الدول الأخرى، وإضعاف قدرة الآخرين فى التأثيرعليها، وهذا وذاك يصبان فى نهر تعظيم حماية الأمن. إن ذلك يتوقف على طبيعة النظام الدولى؛ فقد يوسع من قدرة الدول الصغرى على المساومة مع القوى الأكبرأو يحد منها، وقد يُحّسِن من قدرتها على التأثيرأو يضعفها، وقد يشجعها على البحث عن المؤازرة الدولية أو يعزلها عن الدول الأخرى (29).
ولما كان دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة، فإنه أولىّ بالدول الصغرى أن تدير علاقاتها الدولية لحساب تخفيض التأثير الذى تتعرض له، ومن أجل تقليل انعكاسات فشل سياساتها، وذلك قبل أن تفكر فى زيادة قدرتها على التأثير فى الآخرين. وعلى رأى هاندل (1981) فإن الدول الصغرى تعتبر ضحايا للنظام الدولى ….. ضحايا كليلة ومستضعفة وليس لها مُعين، رغم ذلك فقد كان بعضها حاذقا جدا فى الاستفادة من الفرص التى يلفظها النظام الدولى أحيانا. خذ مثلا لذلك يوجسلافيا فى غضون الحرب الباردة، وكوبا فى 1962، واسرائيل فى 1973، لقد انتهجت كل دولة من هذه الدول سياسة خارجية طموحة، ولم تفشل فى تحقيق أغراضها، أوعلى الأقل لم تثنها ضغوط الأقوياء عن ارتياد مبادراتها والمضى فيها قُدما (30).
لكن لا يمكن أن تتغافل الدول الصغرى عن غايتها فى تحسين قدرتها فى التأثير على الدول الأخرى، وبطبيعة الحال فإن ذلك مرهون بأهمية الدولة الصغرى للنظام الدولى من منظور توازن القوى. فمثلا كوستاريكا دولة صغرى، وباكستان كذلك، لكن أهمية الأولى بالنسبة لأمن أمريكا الوسطى لا تضاهى أهمية الثانية بالنسبة لاستقرار جنوب آسيا. أيضا تختلف هذه الأهمية حسب المراحل التاريخية حيث يتغير النظام الدولى؛ فمثلا بلجيكا اليوم ليست من الأهمية لأمن أوربا كما كانت فى التسعينات، عندما كان الصراع بين الدول الأوربية الكبرى فى ذروة سنامه … إنها دواعى الجيوبوليتيكا.
والجيوبوليتيكا هى الجغرافيا عندما تتفاعل معها السياسة، وبصفة عامة فإن للجيوبوليتيكا باع طويل فى تقرير مصائر الدول، فقد استفادت اليابان كما استفادت بريطانيا من موقعيهما المنعزلين، وبالعكس فإن بولندا وجورجيا قد عانتا من موقعيهما بين جيران متحاربين. وعلى سبيل المثال أيضا هاجمت ألمانيا كل من هولندا وبلجيكا، ليس لضعفهما؛ وإنما لأن ألمانيا كانت فى حرب مع فرنسا وبريطانيا، وتصادف وقوع هولندا وبلجيكا فى الطريق الاستراتيجى المؤد لفرنسا (31).
(ثانيا) خيارات الدول الصغرى لحماية أمنها:
تتمثل خصوصية الدول الصغرى فى أنها تعوزها القوة، نتيجة نقص الإمكانيات، ومن ثم يحد ذلك من قدرتها على التأثير فى الآخرين أو تعديل سلوكهم، ومن قدرتها على منع الآخرين من التأثير فيها. ومن ثم فإن حماية الأمن بالنسبة لها تعنى تخفيض العجز فى مستوى القوة أو تعويضه، فما هى الخيارات المتاحة أمام الدول الصغرى فى هذا الشأن؟
هناك خيارات لا تقبل التعميم، فهى غير قابلة للتطبيق إلا فى حالات استثنائية:
الخيار الأول هو “تجييش الدولة” وهو الخيار الذى تبنته اسرائيل. ويعنى وضع كل من يستطيع المشاركة فى الحرب تحت الطلب أو قيد الاحتياط ، واستدعائهم فى وقت قصير فى حالة التعبئة العامة. هذا مع وجود قوات نظامية أساسية أوعاملة تشكل قوام قواتها العسكرية، ومع التدريب الدورى المنتظم- على فترات- لقوات الاحتياط التى تشمل كل من هم فى سن التجنيد. وينطوى هذا النظام على مشكلات حادة، مثل تحويل الدولة إلى معسكر كبير تسيطر عليه الاتجاهات الأمنية. وتعطيل انتظام العمل فى مؤسسات الدولة وفى مناحى النشاط الاجتماعى بسبب التدريبات الدورية من ناحية، وفى حالة الاستدعاء من ناحية أخرى. وكذلك الإضرار باقتصاد الدولة فى حالة التعبئة العامة لفترة طويلة. وعمليا فإن هذا النظام أصعب فى التطبيق بأكثر مما يمكن تصوره نظريا، وعمليا كذلك لم يكن لهذا النظام أن يصمد دون دعم خارجى مباشر (32).
الخيار الثانى هو المجازفة؛ وفيه تحمى الدولة الصغرى أمنها بالمجازفة، حيث تصطنع لنفسها وضعا دوليا تتحدى فيه قوة كبرى بنجاح نسبى . هذا الدور مارسته ايسلندة وبيرو ضد بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية فى نزاعات المصايد، وكذلك تمارسه الآن كوريا الشمالية فى تحديها للولايات المتحدة الأمريكية. وفى حالة تحدى الدول الصغرى للقوة الكبرى، فإن رد فعل الأخيرة يتوقف على حسابات للمكسب والخسارة التى تمارسها قبل الشروع فى رد الفعل، وبعض قيادات الدول الصغرى قد يجيدون قراءة هذه الحسابات، وعندما يجدونها فى صالحهم يقدمون على التحدى (33).
وهناك خيارات يفرزها الواقع الجيوبوليتيكى؛ قهو حاسم فى تحديد موقع الدولة الصغرى فى الاستراتيجية العالمية، وبالتالى فى زيادة وزنها الدولى، وهناك ثلاثة أنماط فى هذا الصدد؛ هى:
– الدولة العازل: وهى دولة صغرى مستقلة تقع بين قوتين كبيرتين أوأكثر، وتعيش أمنيا على التوازن بين هذه القوى، ذلك أن هذا التوازن يمنحها دورا هاما ويوفر لها الحماية. لكن البعض يرى أن دورها- وبالتالى حمايتها يتوقفان على دورالقوى المجاورة، وليس على حصافتها؛ فهى أضعف أو أصغر من تلك القوى، ثم إنها تعيش على التوازن بينها، ومن ثم فاختلال التوازن سوف يفقدها استقلالها وهويتها كدولة عازل- وبالتالى حمايتها. ومن ثم فليست كل الدول الصغرى التى تقع جغرافيا بين قوتين كبريين تعتبر عازلات، وإنما لا بد أن تكون هاتان القوتان متناقضتين أيديولوجيا، وأن تتموضع الدولة الصغرى بينهما أيدولوجيا- كما هى جغرافيا (34).
– الدولة الحليف: ويطلق هذا الوصف على الدولة الصغرى التى تحتفظ بعلاقة مع قوة عظمى وتؤدى لها أدوارا محددة ومرسومة فى إقليمها، وتتمتع من ثم بحمايتها. والعلاقة بينهما تسمى علاقة وكالة أو عمالة أو زبانة، وتعنى تبادل المنافع بينهما؛ فالدولة الوكيل تجنى المنافع الاقتصادية والعسكرية من الدولة الأقوى، والدولة الأقوى توظف التأثير السياسى للدولة الوكيل، أوهما معا تخلقان مصالح استراتيجية فى المنطقة وترسخان وسائل تبادلها بينهما، مثال ذلك كوبا مع الاتحاد السوفياتى فى غضون الحرب الباردة، واسرائيل مع الولايات المتحدة الأمريكية (35).
– الدولة الموازن أو المعادل: ولعل وجود الدولة الموازن ودورها يتوقفان على حالة التوازن الاستراتيجيى بين القوى الكبرى، وهى الحالة التى تتساوى فيها القوى أو تتقارب بشكل حرج، بحيث أن أى تغير طفيف فى جانب يمكن أن يؤثر على هذا التوازن الدقيق جدا. ومن هنا يصبح دور الدولة الصغرى حاسما فى الحفاظ على التوازن، ومن هنا أيضا تكتسب حمايتها. وقد ينطبق هذا الدور أيضا على الوضع الإقليمى الذى تتوافر فيه نفس الشروط ، ذلك أنه- وبصفة عامة- عندما يكون التوازن دقيقا والموقف الاستراتيجى حرجا، قد تستطيع الدولة الصغرى أن تلعب دورا حاسما لصالح طرف ما (36).
ثم هناك خيارات تعتمد فيها الدول الصغرى على استثمار النظام الدولى، أو على مبادلة الأمن مع القوى الكبرى. وفى هذا الصدد يمكن الحديث عن الحياد، والتحالف (37):
- الحياد: Neutrality
هو أحد الخيارات التى تتبناها الدول الصغرى لتجنب الحروب والصراعات، وعادة تلجأ الدول الصغرى للحياد أملا فى حماية أمنها من منطلق إثبات أنها لا تمثل خطرا على غيرها من الدول، فإذا بدت مستكينة أو فى حالها، اقتنع الآخرون بأنها لا تسعى إلى التأثير فى الأمور، ومن ثم تتجاوزها العاصفة كما يقال.
نشأت فكرة الحياد فى ظل ظروف الصراع بين القوى الكبرى، ومحاولات كل منها استقطاب أكبر عدد من الدول الصغرى، ومن ثم كان تعبيرا عن تبنى الدولة المحايدة لتوجه يحفظها بمنأى عن الأحلاف العسكرية القائمة أو المتصارعة. والحياد فى تطبيقه الصارم لا يبدوإلا فى حالات الحرب- أى عندما توضع الدولة المحايدة تحت الاختبار القعلى، وحيث يكون حيادها فى هذه الحالة تعبيرا عن موقف قانونى لها إزاء الأطراف المتنازعة. وحقوق الحياد وواجباته فى وقت الحرب موجودة فى القانون الدولى العام، فالدولة المحايدة عليها أن تمتنع تماما عن المشاركة فى جهود الحرب بين الطرفين المتخاصمين، وطالما التزمت الدولة بما ورد فى قواعد القانون الدولى بخصوص الحياد وقت الحرب فإن القانون الدولى يضفى عليها الحماية. ولا يوجد فى القانون الدولى ما ينظم سلوك الدولة المحايدة- أو يقيده- فى أوقات السلم؛ ولذلك ليس هناك ما يمنع أن تتبنى فى أوقات السلم مواقف سياسية واقتصادية واجتماعية تتفاعل فيها مع بقية أطراف المجتمع الدولى. لكن طبيعة الحياد لا تسمح بذلك، لأن انخراط الدولة المحايدة فى علاقات مع الدول الأخرى فى وقت السلم ينزع عنها المصداقية من ناحية، وقد يورطها فى ترتيبات تتعارض مع مبدأ حيادها فيعرقل تنفيذه وقت الحرب من ناحية أخرى.
كذلك يقضى الحياد بعدم تبنى سياسة هجومية أو عدائية من جانب الدولة المحايدة، وبالتالى فإن بناء قواتها المسلحة لا بد أن ينطوى على ما يؤكد التزامها بمبدأ الحياد؛ بمعنى أنها يجب أن ترتب نظامها العسكرى بشكل يوحى بمصداقيتها (38).
والحياد مشروط- لكل الدول- بقبول القوى الكبرى له واعترافها به، خصوصا تلك القريبة جغرافيا من تلك التى تنوى الحياد. وهو شرط أساسى لمنح الدول الصغرى هذه الصفة، صفة الحياد. فعلى سبيل المثال اتبعت بلجيكا فى فترة ما بين الحربين سياسات حيادية، ذهبت أدراج الرياح، حيث لم تباركها ألمانيا النازية فى هذا الوقت. ذلك أن ترتيبات الحياد تتأسس عادة على مصالح متبادلة بين الدول، وإذا لم تستقم هذه المصالح مع رؤية القوى الكبرى لن يكون للحياد معنى . وبعبارة أخرى يتوقف نجاح الحياد على اقتناع القوى الكبرى بأن حياد الدولة الصغرى مفيد لمصالحها. ولا بد كذلك أن تقتنع قيادات الدول الصغرى التى تباشر الحياد بأن مصالحها الأساسية التى تتوخاها تتحقق دون اللجوء لاستخدام القوة، أوعلى الأقل بأن عائد الحياد أكبر من عائد استخدام القوة، وأن تكلفته أقل من تكلفة استخدامها (39).
فى عصر العولمة تغيرت طبيعة التهديدات، كما تغيرت مصادرها، وتعددت بذلك مجالات حماية الأمن. ومن ثم لم يعد الحياد ملائما، لأكثر من سبب؛ فمن منظور قانونى يعتبر الحياد بمثابة اتفاق دولى ملزم، فى العولمة هناك فاعلون على الصعيد الدولى من غير الدول لايمكن أن تبرم معهم اتفاقيات وليس لديهم مقومات الالتزام. ومن منظورالعلاقات الدولية لم تعد النزاعات الدولية مقصورة على الدول وإنما هناك أطراف أخرى تمارس العنف والإرهاب. كذلك ارتبط الحياد بفترة ما بين الحربين وبالحرب الباردة بمعنى سيادة الاستقطاب فى النظام الدولى، وكان يفرض على الدول تحديد مواقفها- أى أنه كان طريقة لتعبير الدولة عن موقفها من الاستقطاب الدولى الحاصل، واليوم لم تعد هناك استقطابات. وعمليا- فيماعدا سيويسرا- لم تنجح استراتيجية الحياد، فقد فشلت بالنسبة لبلجيكا والنرويج ولوكسمبرج والدانمرك وهولندا وايرلندا. وكثير من الدول التى تبنت الحياد اضطرت إلى تغيير توصيفها من الحياد إلى عدم الانحياز العسكرى أوالحياد الإيجابى، لكى تتمكن من الانضمام للاتحاد الأوربى ، مثال ذلك النمسا والسويد وفنلندا فى 1995. وبعبارة أخرى فإن هذه الدول اضطرت أن تباشر علاقات تعاون مع أعضاء المجتمع الدولى بما يتعارض مع الحياد لذا تم تقليصه إلى مجرد الحياد العسكرى (40).
- التحالف: Alliance
التحالف هو نوع من الاصطفاف الدولى لمواجهة الأخطار، وهوالاتجاه نحو تجميع قدرات دولتين أوأكثر تحسبا لما تشكله قوة أخرى أو تهديد معين من خطر عليها. والتحالف يحشد قدرات المتحالفين ليس من أجل تشكيل تجمعات، ولكن من أجل الحفاظ على مستوى معين من القوة فى الحرب وفى الدبلوماسية، أو تعظيم هذا المستوى، أو إيجاده إذا لم يكن موجودا (41).
وتأتى التحالفات بمثابة رد فعل على القوى التى تمارس التهديد، لكن هناك من يرى أنها تتوقف على إدراك التهديد، فالدول تتحالف لكى تحقق التوازن مع التهديدات وليس فقط مع القوى الأخرى. ويتأثر إدراك التهديد بعوامل التقارب الجغرافى، والقدرات الهجومية لمصدر التهديد، وتقدير نوايا هذا المصدر (42).
ويرى البعض أن دواعى التحالف تتمثل فى حماية الأمن الوطنى والدولى، والحفاظ على الاستقرارالسياسى، وتعظيم المكانة الدولية، ولذلك فهو أوقع للدول الصغرى، وهو أكثر إيقاعا بالنسبة للدول الصغرى التى تواجه تهديدا من جيرانها. ووفقا للخبرة التاريخية فإن هذه الدول تبحث عن قوى من خارج الإقليم للتحالف معها، وأنها تفضل التحالف الثنائى، لأن تعدد أطراف التحالف يعنى مزيد من المساومات، ومن ثم التنازلات، كما يعنى تداعى المواقف التى تضع الدولة فى محل اختبار، والتى تضطرها إلى بذل الجهد لتبرهن على جدواها فى التحالف بالنسبة للدول الأخرى. وعموما فإن وضع الدول الصغرى فى التحالف المتعدد يتوقف على طبيعة التحالف نفسه، وعلى مدى تجانس الدول المتحالفة، وفى كل الأحوال فإن نفوذ الدولة الصغرى فى التحالف متعدد الأطراف أقل منه فى التحالف الثنائى (43).
والتحالف هو صيغة أو ترتيب للقوة، فيه تتوخى الدولة تعظيم الحماية لأمنها أو تحقيق مصالحها العليا، عن طريق الارتباط مع دولة أوأكثر تشترك معها فى المصالح. من أمثلة ذلك تحالف تجمع البلقان مع الناتو، وهو نموذج للتحالف الرسمى متعدد الأطراف الذى يجمع بين دول صغرى وقوى كبرى، وتحالف اسرائيل مع فرنسا فى 1956 وهو نموذج للتحالف الثنائى غير الرسمى بين دولة صغرى وقوة كبرى. والتحالف بالنسبة للدول الصغرى مع قوى كبرى يمثل ضرورة أو حتمية وليس خيارا، والتحالفات فى العصر الحالى تأتى نتيجة التهديدات، وليست استجابة لتحولات فى توازن القوى كما كانت فى السابق.
هناك صيغتان للتحالف، تحدث عنهما ستيفن والت (1987) وهما: صيغة تحقيق التوازنBalancing ، وتعنى أن تتحالف الدولة الصغرى مع غيرها من الدول ضد الأخطار القائمة والمتوقعة. وصيغة السير مع الركب أوالسير فى الزفة أوانتهاج غريزة القطيع Bandwagon ، وتعنى أن تنضم الدولة الصغرى إلى مصادر الخطر. بعبارة أخرى الصيغة الأولى تشير إلى التحالف ضد الأخطار، والثانية تشير إلى التحالف مع مصادرالأخطار. فى الصيغة الأولى لايقوم التحالف ضد أطراف بعينها وإنما فى مواجهة أخطار وتهديدات، أما الثانية فالتحالف فيها مع أطراف محددة تمثل مصدرا للتهديد، ولا ينهض هذا التحالف مع ظواهرأو قضايا أو موضوعات كالصيغة الأولى (44).
ويرى راندال شويلر (1994) أن الصيغتين ليستا متناقضتين، ومن ثم فلا تمثل أيا منهما بديلا للأخرى. فصيغة التحالف من أجل تحقيق التوازن تتوخى تجنب الخسائر، بينما تبحث صيغة السير فى الركب عن انتهاز الفرص لتحقيق مكاسب. الأولى تستهدف حماية الأمن دون مساس بأمن الآخرين، والثانية تستهدف أمن الاخرين عن طريق المساهمة فى التهديد. الأولى تسعى إلى منع حدوث اختلال فى التوازن، واستعادته عندما يختل، والثانية تعيش على اختلال التوازن، وتجذبه إلى الاختلال إذا عاد لنصابه. والمعنى الذى يمكن استخلاصه من هذا التحليل هو أن صيغة التحالف عن طريق السير فى الركاب لا تلائم الدول الصغرى (45).
لكن تحليل شويلر يظل- فى رأى البعض- غامضا بالنسبة للدول الصغرى التى تمتطى الصيغة الثانية للتحالف وتسير فى الركب من أجل تجنب الخطر أو تجاوز الأزمة، مثال ذلك انضمام المجر ورومانيا وبلغاريا إلى الخطر النازى (الألمانى). ولذلك فالتمييز بين صيغتى التحالف من خلال نتائجهما ليس صحيحا، فهما وجهان لعملة واحدة، وهما مختلفان بطبيعة الحال من حيث السياسات المتبعة فى كليهما، وحيث أنهما كليهما من أشكال التحالف، فإن الاختلاف بينهما يتوقف على طبيعة السياق الدولى القائم؛ ومن ثم يمكن التمييز بين أنماط التحالف بطريقة أخرى. هذه الطريقة هى التمييز بين أنماط التحالف من منظور أطراف التحالف؛ فهناك تحالف ثنائى، وآخر تعددى ، وثالث بين الدول الصغرى:
التحالف الثنائى: ويقوم بين دولة صغرى وقوة عظمى، ويستند إلى المصالح المشتركة لطرفيه، فالدول الصغرى تبحث عن الحماية من التهديدات الإقليمية والدولية، والقوة العظمى تسعى لضمان الاستقرارالإقليمى بما يضمن حماية مصالحها الحيوية فى مناطق مختلفة من العالم. ورغم المصالح المشتركة بينهما، فثمة مشاكل فى هذا النمط من التحالف، فالدول الصغرى تصر على حقها فى مشاورتها بغض النظر عن حجم مساهمتها فى قوة التحالف. وفى المقابل فإن القوة العظمى تحاول أن تحتفظ بتحالفها فى أضيق الحدود، حتى لا يقيدها إزاء مصالحها والتزاماتها العديدة فى مناطق أخرى. أيضا تخشى الدول الصغرى من التورط فى صراعات القوة العظمى، ومن احتمالات تخلى القوة العظمى عنها، ومن تضييق الخناق على مرونة سياستها الخارجية. والقوة العظمى قد لا تحرص كثيرا على التحالف مع الدول الصغرى لأنها تريد أن تتجول بحرية فى سوق التحالفات وتشترى ما تريد، فكيف للدولة الصغرى أن تغرى القوة العظمى للتحالف معها؟ والإجابة هى أن تعزز التزامها بهذا التحالف، أى أن تفى الدول الصغرى بالتزاماتها تجاه القوة الأعظم، وأن تستضيف قواتها أو قواعدها العسكرية على أراضيها (46).
التحالف متعدد الأطراف: ويمثل النمط المؤسسى للتحالف بالنسبة للدول الصغرى. ويوفر هذا النمط مزايا للدول الصغرى، منها: تعظيم قدراتها الدفاعية، ومنحها وزنا أكبر فى صنع القرار داخل التحالف، وتوسيع فرصتها فى الاعتماد على أكثرمن قوة واحدة، وتهيئة دورها فى الوساطة بين أطراف التحالف، ثم زيادة مكانتها الدولية وتأثيرها فى المجتمع الدولى، هذا فضلا عن بعث الحيوية فى نظام الردع.
رغم ذلك فإن لهذا النمط صعوباته، فقد لا توجد مصلحة مشتركة بين عدد كبير من الدول، وحتى لو كانت هذه المصلحة موجودة فهى عرضة للتعير. وفى حالة مقايضة المصالح بين الدول، وهو حل منطقى لتباين المصالح، فإن العائد على الأطراف لن يبدد المشاكل التى تنجم عن توزيع الأعباء والمسئوليات. كذلك من صعوبات هذا النمط تعذر المرونة فى عملية صنع القرار، وهشاشة التحالف فى أوقات الأزمات قياسا إلى التحالف الثنائى. وفى العمليات العسكرية المشتركة يصعب التعاون والتنسيق فيما يتعلق بقيادة التحالف ونظم التسليح والعقيدة العسكرية. وعموما فهو تحالف اسمى أو شكلى فى الغالب مقارنة بالتحالف الثنائى، وفى حال إيكال إدارة التحالف لدولة واحدة هى الأقوى، يتحول الموقف إلى ما يسمى “توازن الاختلالات فى التوازنات الإقليمية أو الدولية، والتى تتمم بعضها البعض” ويكون ذلك فى صالح الدول الصغرى (47).
التحالف الإقليمى: وهو نمط معروف حيث يجمع بين دول تنتمى إلى إقليم معين، تشكل معا قوات دفاع مشتركة، مثال ذلك معاهدة الدفاع العربى المشتركة والتى ظلت دون تفعيل منذ توقيعها حتى اليوم. ومن الأمثلة فى الأقاليم الفرعية فكرة الدفاع المشترك لدول مجلس التعاون الخليجى، والتى تمخضت عن بناء قوات درع الجزيرة، وهى ذات فعالية فى مهام أمنية محددة (48).
التحالف بين الدول الصغرى: وهو خيار مطروح، لكنه يعتمد على قدرات الدول الصغرى فى مجابهة التهديدات. ويرى البعض أن التحالف بين الدول الصغرى ضعيف الجدوى لأنه غير قادر ولا مؤهل لصد التهديدات العسكرية الكبرى، وفى حالة تعرضه لمثل هذه الأخطار يلجأ التحالف نفسه إلى قوة كبرى لحمايته. أو سوف تبحث كل دولة عضو فى التحالف عن قوة عظمى لحمايتها بدلا من دعم التحالف. والحقيقة أن الدول الصغرى تخطىء عندما تتوهم أن تجميع قدراتها معا يمكن أن يعادل القوة العظمى، ومن ثم فإن هذا النمط من التحالف ليس مجديا فى حالة مواجهة أخطار أمنية. والواقع أن الدول الصغرى تتحالف من أجل أغراض محددة ومحدودة، مثل: استعراض التنسيق فى مناوئة الدولة المعتدية أو التوسعية للحفاظ على ماء الوجه، وكبح التحالفات الأخرى للدول الصغرى من ممارسة سياسات ضدها، ثم تعضيد التبادل الاقتصادى والثقافى بينها (49).
- الردع:
تلجأ الدول الصغرى إلى الردع لحماية أمنها، حيث لا تملك القدرات الدفاعية التى تمكنها من حماية هذا الأمن على النحو المطلوب. والردع هو صرف اعتداء حالّ أو كامن، بمعنى إحباط المعتدى أو ثنيه عن نواياه، إما عن طريق إقناعه بفشل مخططه، وإما عن طريق إقناعه بقسوة الرد، بحيث يشعر أن الخسائر التى ستلحق به أكبر من المكاسب التى يمكن أن يحققها من جراء عدوانه. ويختلف “الردع” عن “الدفاع”، فالدفاع يعنى دحر الاعتداء، أما الردع فيعنى منع هذا الاعتداء. وبصيغة أخرى الدفاع هو صد العدوان الواقع، والردع هو تجنب وقوع العدوان. وبلغة نظرية المباريات التى ابتكرها توماس شيلنج (1960) فإن الردع هو الموقف الذى يكسب فيه الطرفان Win- Win Situation حيث يؤثر(يفضّل) المعتدى أن يخسر ما يمكن أن يكسبه (يتنازل عن المكسب المتوقع) من استخدام القوة من ناحية، ويتخلى أو يقلع تماما عن فكرة استخدام القوة لكى يتجنب الخسائر المستقبلية من ناحية أخرى (50) .
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وفى غضون الحرب الباردة شرعت كل الدول فى إجراء حسابات حول خسائر وتكاليف انخراطها فى حرب، وكانت النتيجة أن كل الدول بمافيها الدول الصغرى دشنت استراتيجيات لكبح المعتدى- أى للردع. وكان سند الدول الصغرى فى ردع الدول المستقرة أوالأقوى هو سيادة القناعة بأنه ليست هناك دولة ترضى لنفسها تدمير مؤسساتها أو خلخلة استقرارها أوإراقة دم مواطنيها. وفى هذا يقول فريدمان (2004) “إن الأساليب التى اتبعتها الدول الصغرى أسفرت عن وضع لم تجد فيه القوى الكبرى أية منفعة من عدوانها على أى خصم من بينها- أى من بين الدول الصغرى”.
ولما كان الردع بمثابة مناورة مدروسة أو تلاعب بسلوك الآخرين فى ظل تهديدات مشروطة؛ فإن التهديد العسكرى يعد حيويا بالنسبة للردع، فهو يثنى المعتدى: إما لأنه يجحد أو ينكر عليه تحقيق أية مكاسب من عدوانه Counter-Force Strategy ، وإما أن يعده أو ينذره بعقاب صارم وعواقب وخيمة Counter-Value Strategy ، وهو ما يعنى صرف المعتدى عن التفكير فى الاعتداء نهائيا. وهناك نوعان من الردع، هما الردع التقليدى والردع النووى ؛ والردع التقليدى يرتبط باستراتيجية العقاب- عقاب المعتدى، بينما يرتبط الردع النووى باستراتيجية الإنكار والتى تنكر على الخصم تحقيق أية مكاسب، وبالتالى تحمله على عدم التفكير فى الهجوم. لكن هناك من يرى أن فعالية الردع النووى تتوقف على قدرة من يباشره على شن حرب فى كل المستويات، بما فى ذلك قدراته فى الأسلحة التقليدية.
وطبقا لمنطق التمييز بين الردع النووى والردع التقليدى، فإن الردع النووى هو الذى يجبر الخصم على الامتناع أوالإحجام عن الاعتداء خوفا من تهديد الأسلحة النووية. والردع التقليدى هو الذى يجهض فرصة الخصم فى تحقيق أهدافه. وقد شهد الواقع تطبيقات قوية للردع التقليدى، لا سيما فى الصراعات الثنائية، ولعل العنصر الحاسم فيه يمثل دالة لتفاعل استراتيجيات الطرفين المتخاصمين. دول كثيرة صغيرة أو ضعيفة استخدمت الردع التقليدى، حيث يمكن لها أن تستخدمه إلى جانب حروب العصابات والأساليب البدائية فى القتال ومن ثم تستطيع ردع القوى الكبرى، وطالما أن القوى الكبرى لا تملك الرد بنفس الوسائل فسوف ينتهى بها الأمر إلى ملاقاة الهزيمة فى ردعها للدول الصغرى. من الأمثلة الهند الصينية (1946-1954) والجزائر (1954-1962) وفيتنام (1955-1975) وأفغانستان(1979-1989)، فى هذه الأمثلة استطاع الطرف الأضعف أن ينكر على الطرف الأقوى تحقيق أهدافه، واضطرالطرف الأقوى إلى التسليم بعد تكلفة عالية وثمن باهظ .
فى رأى البعض أن الردع بالإنكار ينطوى أيضا على عناصر عقابية، لأنه عندما يتوخى إجهاض فرصة الخصم فى إمكانية تحقيق أهدافه الاستراتيجية، إنما يحمله ذلك على ضرورة السيطرة على الموقف، والسيطرة على الموقف تنطوى على مسلك عقابى للخصم. ومن ثم فإن استراتيجيات الردع ينبغى فيها التداخل، فهى تتدرج على محور متصل من الإنكار إلى العقاب بدرجات متفاوتة، ويصبح السؤال هو أى منهما يعتبرأكثر ملاءمة ؟ يرى فريدمان (2004) أن الإنكار هو الأساس وهو الذى يجب الاعتماد عليه، وذلك لأكثر من سبب؛ ففى حالة الوقوع الفعلى للتهديد، فإن الردع بالإنكار يوفر استحقاقات السيطرة على الموقف، ومن ثم يحتفظ بإمكانية توقيع العقاب. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الردع بالعقاب يترك للطرف المخاطب بالردع الخيار ليقررإلى أى حد يستطيع تحمل الخسائر، ومعنى ذلك أنه قد يختار بديل تحمل الخسائر فيفشل الردع. أما الردع بالإنكار فلا يترك أية خيارات أمام الطرف المخاطب بالردع (51) .
خاتمة:
فى ضوء حقيقة أن الدول الصغرى تسعى لتعظيم حماية أمنها من خلال النظام الدولى ، يمكن الإشارة إلى بعض الملاحظات، على النحو التالى:
أولا: تؤكد الدراسات على أن السياسة الخارجية للدول الصغرى ينبغى أن تعكس عددا من الخصائص، من أهمها: توسيع المشاركة فى الشئون العالمية بصفة عامة، ومستويات عالية من النشاط فى المنظمات الدولية، ومستويات عالية من التأييد لمعايير الشرعية الدولية، وتجنب استخدام القوة فى إدارة علاقاتها مع الدول الأخرى، وتجنب السلوكيات والسياسات التى تنفر القوى الكبرى، والتوسع فى أنشطة السياسة الخارجية جغرافيا ووظيفيا، والاستفادة المتكررة من المواقف المعيارية والأخلاقية التى تنطوى عليها القضايا الدولية (52).
ثانيا: تتزايد أهمية الدبلوماسية فى عصر العولمة كأداة لتنفيذ السياسة الخارجية للدول الصغرى، بما يفرض أهمية تطوير العمل الدبلوماسى. فمن ناحية تغيرت البيئة الخارجية للأمن فأصبح هناك لاعبون جدد، وأصبحت هناك قضايا جديدة غير ذى طابع سياسى اقتحمت الأجندة الدبلوماسية، مثل قضايا أمن الطاقة، والأمن الغذائى، وأسعار المواد الأولية، والأزمات المالية العالمية. ومن ثم لم تعد مهمة الدبلوماسية مقصورة على تنفيذ السياسة الخارجية، وإنما أضيف إليها مهام تلبية استحقاقات حماية الأمن القومى، ومراعاة المطالب المتعلقة بالحياة اليومية للمواطنين. وباختصار لم تعد الدبلوماسية التقليدية ملائمة، ولا بد من تطويرالمنهج وأساليب الأداء، واجراء تعديلات فى هيكل المؤسسة الدبلوماسية (53).
ثالثا: التحالف بين الدول الصغرى والقوى الكبرى من أجل حماية الأمن يثير نظرية التبادل الأمنى، وتطرح افتراض أنه ليس هناك دولة لديها ما تقدمه دون مقابل، ومن ثم فإن الدول الصغرى ليس لديها ما تفعله أو ما تقدمه للقوى الكبرى، وأن الدول الصغرى تتردد فى طلب الحماية من القوى الكبرى، لاعتقادها بأن ما تسديه لها دون مقابل- أوأن سلعة الأمن المجانية- إنما ينطوى على تكلفة كبيرة. إزاء هذا الطرح تخلص الدراسات إلى: أن القوى الكبرى تجرى تقييما لقدرة الدولة الصغرى على المساهمة فى أجندتها الأمنية، والحد الذى تستطيع فيه الدولة الصغرى المساهمة فى أمن القوة الكبرى يعرف بالقيمة الاستراتيجية للدولة الصغرى فى عيون القوة الكبرى Perceived Strategic Value ومع بقاء الأشياء الأخرى على حالها كلما زادت هذه القيمة زادت فرصة الدولة الصغرى وأهميتها فى اجراء المبادلة الأمنية. ولا شك أن انكشاف الدول الصغرى أكبر وحاجتها إلى القوة أشد، لكن كلما كان المنظور الأمنى للدولة الصغرى يعكس الأجندة الأمنية للقوة الكبرى كان مستوى التبادل الأمنى مرتفعا (54).
رابعا: بطبيعة الحال فإن ماورد فى هذه الدراسة يصدق على الدول الصغرى فى مجلس التعاون الخليجى، لكن هذه الدول لديها سمات استراتيجية أخرى إيجابية:
- فهى تملك ثروات هائلة، ومن ثم فهى بقدر ما تغرى على تهديدها أو ابتزازها، بقدر ما تملك من خيارات دفاعية وأمنية واسعة لا تتاح لمثلها من الدول الصغرى.
- وهى تقع فى أكثر المناطق من حيث الأهمية الاستراتيجية للعالم، ومن ثم فإن قضية الأمن فيها ليست قضية دولة، ولا هى قضية إقليم، وإنما هى واحدة من القضايا الأكثر تدويلا فى العالم المعاصر… إن أمن الخليج يهم دول العالم كما يهم دول الخليج العربى نفسها.
- وهى دول تراكم لديها كم هائل من الخبرة فى إدارة التوترات والتعامل مع الصراعات الدولية، فعلى مدى أكثر من ثلاثين عاما شهدت هذه المنطقة أشكالا من الحروب والصراعات، فالأمر بالنسبة لها أكبر من مجرد الاستعداد لمواجهة التحديات، إذ ينبغى أن يصل إلى خلق ترتيبات من شأنها تعظيم المكاسب من البيئة الخارجية وتكبيل الأخطار.
- ثمة قاعدة تقول إنه عندما تنخرط الدولة فى تحالف تحاول أن تصطنع الحرب لكى تختبر قوة التحالف أو مدى صدق الحليف أو احتمال تخليه عن حليفه، ومن ثم فالدول التى اختبرت حلفائها تبدو أكثر اطمئنانا من جانبهم مقارنة بغيرها، وينطبق ذلك على هذه الدول.
- وثمة قاعدة أخرى مؤداها أنه عندما يفشل الردع التقليدى يولد مرة أخرى أقوى مما كان، تفسير ذلك أن فشل الردع معناه تفجر الموقف، ومن ثم وضع الردع موضع الاختبارأوالتطبيق، واضطرارالطرف الذى يباشر الردع إلى معاقبة المعتدى…. هذا العقاب كفيل بأن يعيد للردع مصداقيته الأولى، وهذا أيضا ينطبق على خبرة هذه الدول (55).
الهوامش:
- يقصد بمصطلح “القوى” فى ذلك الوقت “الدول”، انظر:
– Robert Rothstein, Alliances and Small Powers (New York: Columbia University Press, 1968) p.12.
– Iver B. Neumann and Sieglinde Gstohl, “Introduction: Lilliputians in Gulliver’s World”, Working Paper, No.1 (University of Iceland: Center for Small States Studies, May 2004) pp.3-5.
- لمزيد من التفاصيل، راجع:
– David Vital, The Inequality of States: A Study of Small Powers in International Relations (Oxford: Clarendon Press, 1967) p.8.
– Ulf Lindell and Stefan Persson, “The Paradox of Weak State Power: A Research and Literature Overview”, Cooperation and Conflict, Vol.21, No.2 (1986) pp.79-97.
– Nazrin Mehdiyeva, Power Game in the Caucasus (New York: Palgrave Macmillan, 2011) p.16.
- فى المجال الأكاديمى توجد مدرستان فى دراسة الدول الصغرى، المدرسة الأمريكية (الأنجلوسكسونية) والمدرسة الأوربية (الألمانية- الاسكندنافية) . وجدير بالذكر، ومن قبيل النزوع نحو الاهتمام بدراسة الدول الصغرى، خصصت ايسلندا مركزا لبحوث الدول الصغرى Center for Small States Studies, University of Iceland””، فى التفاصيل، انظر:
– David Vital, The Inequality of States: A Study of Small Powers in International Relations……… Op. Cit., p.8.
– Wilhelm Christmas-Moller, “Some Thoughts On the Scientific Applicability of the Small State Concept: A Research History and a Discussion”, in: Otmar Holl (ed.), Small States in Europe and Dependence (Vienna: Braumuller, 1983) pp.33-39.
– Ulf Lindell and Stefan Persson, “The Paradox of Weak State Power: A Research and Literature Overview”, ………. Op. Cit., pp.79-97.
– Iver B. Neumann and Sieglinde Gstohl, “Introduction: Lilliputians in Gulliver’s World”, Working Paper, No.1, …….. Op. Cit. , pp. 8-12.
– Donna Lee and Nicola J. Smith, “Small State Discourses in the International Political Economy”, Third World Quarterly, Vol.31, Issue 7 (2010) pp.1091-1095.
- من أمثلة هذه الدراسات:
– W. Easterly and A. Kraay, “Small States, Small Problems? Income , Growth and Volatility in Small States”, World Development, Vol.28, No.11 (November 2000) pp.2013-2027.
– N. Smith, M. Pace and D. Lee, “Size Matters: Small States and International Studies”, International Studies Perspectives, Vol.6, No.3 (2005) pp.307-394.
– S. S. A. Aiyar, “Small States: Not Handicapped and Under-Aided but Advantaged and Over- Aided”, CATO Journal, Vol.28, No.3 (2008) pp.449-478.
– Dag Anckar, “Small is Democratic, But Who is Small?”, Art and Social Sciences Journal, Vol.2 (2010) pp.1-10.
– Macklin Scheldrup, Lilliputian Choice: Explaining Small State Foreign Policy Variation…………. Op. Cit., p.1.
- راجع:
– Martin Wight, Power Politics , edited by: Bull H. & Holbraad C. (New York: Holmes & Meier, 1978) p.98.
– A. P. Martinich, The Two Gods of Leviathan: Thomas Hobbes on Religion and Politics (Cambridge: Cambridge University Press, 1992) p.19.
– Kristian Coates Ulrichsen, “Small States with a Big Role: Qatar and United Arab Emirates in the Wake of the Arab Spring”, H.H. Sheikh Nasser Al-Mohamed Al-Sabah Publication Series (Durham, UK: Al- Sabah, No.3, October 2012) pp.1-21.
– Macklin Scheldrup, Lilliputian Choice: Explaining Small State Foreign Policy Variation (Boulder: University of Colorado, International Affairs Departmental Honors Thesis, 2014) p.1.
- التفاصيل فى:
– Tom Crowards, “Defining the Category of Small States”, Journal of International Development, Vol.14, No.2 (March 2002) p.143.
- راجع فى ذلك:
– Milan Jazbec, “Small States and Diplomacy: An Indispensible, Though Much Diversified Relation”, Halduskultuur – Administrative Culture, Vol.11, No.1 (2010) p.69.
- لمزيد من التفاصيل، راجع:
– Philippe Hein, “The Study of Microstates”, in: Edward Dommen and Philippe Hein (eds.), States, Microstates and Islands (London: Croom Helm, 1985) pp.24-25.
– Mark Bray, “Education in Small States: Growth of Interest and Emergence of Theory”, Prospects, Vol. 21, No.4 (1991) pp.503-516.
- التفاصيل فى:
– Kenneth Waltz, Theory of International Politics, …………… Op. Cit., pp.40, 80.
– Michael Handel, Weak States in the International System (London: Frank
Cass, 1981) pp.5, 37.
- راجع:
– Edgardo M. Favaro (ed.), Small States, Smart Solutions: Improving Connectivity and Increasing Effectiveness of Public Services (Washington: The World Bank, 2008) p.3.
– Paul Sutton and Anthony Payne, “Lilliput Under Threat: the Security Problems of Small ……………, Op. Cit., pp.580-591.
- انظر:
– David Vital, The Inequality of States: A Study of Small Powers in International Relations, …….. Op. Cit, pp.7-9, 52-53.
- راجع فى ذلك:
– Omer De Raeymaeker et.al., Small Powers in Alignment (Leuven: Leuven University Press, 1974) pp.19-20.
- انظر فى ذلك:
– Allen G. Sens, “The Security of Small States in Post-Cold War Europe”, in: David G. Haglund (ed.) , From Euphoria to Hysteria: Western European Security after The Cold War (Boulder, CO.: West view Press, 1993) p.231.
– Paul Sutton and Anthony Payne, “Lilliput Under Threat: the Security problems of Small Island and Enclave Developing States”, Political Studies, Vol.41, No.4 (2010) p.582.
– N. Smith, M. Pace and D. Lee, “Size Matters: Small States and International Studies”, International Studies ……… Op. Cit. , pp.307-394.
- التفاصيل فى:
– Kenneth Waltz, Theory of International Politics, …………… Op. Cit., pp.40, 80.
– Michael Handel, Weak States in the International System (London: Frank Cass, 1981) pp.5, 37.
- راجع فى ذلك كلا من:
– R. O. Keohane, “Lilliputians Dilemmas: Small States in International Politics”, International Organization, Vol.23, No.2 (1969) pp.291-310.
– Robert Rothstein, Alliances and Small Powers……………….. , Op. Cit., pp.1-30.
– Jeanne A. K. Hey (ed.), Small States in World Politics: Explaining Foreign Policy Behavior (Boulder, CO: Lynne Reiner, 2003) p.3.
- انظر:
– Donna Lee and Nicola J. Smith, “Small State Discourses in the International Political Economy”, ………… Op. Cit., pp.1096-1098.
- فى هذا الصدد وضع البعض أربعة مؤشرات لمستوى القوة، وهى حجم الثروة، والقدرات التنظيمية التى تتوافر عليها الدولة، ومكانتها الدولية، وما تحوز من إرادة سياسية، راجع:
– Kenneth Waltz, Theory of International Politics, ………………….. Op. Cit., pp.40, 80.
– Iver B. Neumann and Sieglinde Gstohl, “Introduction: Lilliputians in Gulliver’s World”, Working Paper, ……………….. Op. Cit. , pp.4-7.
– Mathias Maass, “The Elusive Definition of Small State”, International Politics, Vol.46, No.1 (2009) p.81.
- انظر:
– Baldur Thorhallsson, “The Size of States in The European Union: Theoretical and Conceptual Perspectives”, European Integration, Vol.28, No.1 (2006) pp.16-27.
- راجع:
– G. Tumurchuluun, “Security of Small States in the Eve of 21st Century”, The Mongolian Journal of International Affairs, No.6 (1999) p.10.
– Iver B. Neumann and Sieglinde Gstohl, “Introduction: Lilliputians in Gulliver’s World”, Working Paper, …………. Op. Cit., pp.4-5.
– Annette Baker Fox,”The Small States in the International System 1919-1969″ , International Journal, Vol.24, No.4 (1969) pp.751-752.
– Robert Rothstein, Alliances and Small Powers, ……………….…………. Op. Cit., p.29.
– R. O. Keohane, “Lilliputians Dilemmas: Small States in International Politics”, ………………… Op. Cit., pp.309-310.
- راجع:
– Martin Wight, Power Politics ……………………………………… Op. Cit., p.61.
– Robert Rothstein (ed.), The Small States in the International Politics and Organization (1981) p.36.
– Miriam Fendius Elman, “The Foreign Policy of Small States: Challenging Neo-realism in its Owen Backyard”, British Journal of Political Science, Vol.25, No.2 (1995) p.171.
- من هذه الدراسات على سبيل المثال:
– W. Easterly and A. Kraay, “Small States, Small Problems? Income, Growth and Volatility in Small States”, …………… Op. Cit., pp.2013-2027.
- راجع:
– محمد عبد السلام، “مشكلات الدفاع عن الدول الصغيرة فى الخليج العربى”، السياسة الدولية، العدد 168 (أبريل 2007).
- انظر فى ذلك:
– Ivan Arreguin- Toft, How The Weak Win War: A Theory of Asymmetric Conflict (Cambridge: Cambridge University Press, 2001) pp.2, 18.
- راجع:
– Edgardo M. Favaro (ed.), Small States, Smart Solutions: Improving Connectivity and Increasing Effectiveness of Public Services, …. Op. Cit., pp.1-..
- راجع فى ذلك:
– Aurel Brauun, Small State Security in the Balkans (London: Macmillan Press, Ltd., 1983) pp.5-10.
– Ahmed K. Al-Hameli , Defense Alternatives for Small States (Maxwell Al.: Air University, United States Air Force, 1989) p.2.
- راجع:
– Talukdar Maniruzzaman, “The Security of Small States in the Third World”, Canberra Papers On Strategy and Defense, No.25 (Australian National University: Canberra Strategic and Defense Studies Center, 1982) pp.71-72.
- راجع:
– G. Tumurchuluun, “Security of Small States in the Eve of 21st Century”, The Mongolian Journal …….. , Op. Cit., pp.11-12.
- انظر الخصائص الاقتصادية للدول الصغرى، فى:
– Peter Baehr, “Small States: A Tool for Analysis”, World Politics, Vol.27, No.3 (1975) pp.456-466.
– Mathias Mass, “The Elusive Definition of Small State” ,………….., Op. Cit., pp.65-83.
– Paul Streeten, “The Special Problems of Small Countries”, World Development, Vol. 21, No.2 (February 1993) pp.197-202.
– Asbed Kotchikian, “The Dialectics of Smallness: State- Making in the South of Caucasus”, American International Policy Research Group, Working Paper, No. 6/13 (January 2006) p.15.
- راجع:
– Michael Handel, Weak States ………………………………………….. , Op. Cit., p.171.
- راجع:
– R. Barston, The Other Powers: Studies in Foreign Policies of Small States (New York: Barnes and Noble, 1973) p.19.
– Michael Hndel, ……………………………………………………………….. , Op. Cit., pp.45-46.
- فى أهمية الموقع الجيوبوليتيكى، انظر:
– Leslie W. Hepple, “The Revival of Geopolitics”, Political Geography Quarterly, Vol.5, No.4 (1986) pp.S21-S36.
– Michael Hndel, ……………………………………………………………….. , Op. Cit., p. 78.
- حول تنظيم القوات الاسرائيلية، راجع:
– Stuart A. Cohen, “Small States and their Armies: Restructuring the Militia Framework of the Israeli Defense Force”, The Journal of Strategic Studies, Vol.18 , No.4 (December 1995) p.4.
- راجع:
– R. Barston, The Other Powers ……………………………….. Op. Cit. , p.23.
– Michael Hndel, ………………………………………………….., Op. Cit. , p.39.
- راجع:
– Martin Wight, Power Politics ………………………………………… Op. Cit., p.160.
– John Chay and Thomas Ross, Buffer States in World Politics (Boulder: West view Press, 1986) pp.3-5, 16.
– Efraim Karsh, “Geographical Determinism: Finnish Neutrality Revisited”, Cooperation and Conflict, Vol.21, No.1 (1986) pp.43-57.
- راجع:
– Yaacov Bar-siman- Tov, “Alliance Strategy: US-Small Allies Relationship”, Journal of Strategic Studies, Vol.3, No.2 (1980) pp.57-67.
– ……………………., Israel, The Super Powers and the War in the Middle East (New York: Praeger, 1987) pp.121-122.
- راجع:
– Hans J. Morgenthau, Politics among Nations (New York: Alfred A Knopf , 1973) p.194.
- انظر:
– Anders Wivel, “Small States and Alliances”, ……………………………….. Op. Cit., pp.176-177.
- راجع التفاصيل فى:
– S. P. Subedi, “Neutrality in a Changing World: European Neutral States and European Community”, The International and Comparative Law Quarterly, Vol.42, No.2 (1993) pp.238-268.
– Gregory A. Raymond, “Neutrality Norms and the Balance of Power”, Cooperation and Conflict, Vol.32, No.2 (1997) pp.123-146.
- راجع:
– Allen Sens, ……………………………………………………….. Op. Cit., pp.236-237.
– Efraim Karsh , ……………………………………………………. , Op. Cit., p.87.
– S. P. Subedi, “Neutrality in Changing World: European Neutral States and European Community”, The International and Comparative Law Quarterly, Vol.42 , No.2 (1993) pp.238-268.
- راجع:
– V. D. Cha, “Globalization and the Study of International Security”, Journal of Peace Research, Vol.37, No.3 (2000) p.394.
– C. Agius, The Social Construction of Swedish Neutrality: Challengs to Swedish Identity and Sovereignty (New York: Manchester University Press, 2006) pp.15, 36.
– Jan Martin Rolenc, The Relevance of Neutrality in Contemporary International Relations, Working Paper, Vol.11 (Prague: University of Economics, Faculty of International Relations, 2008) pp.1-20.
- انظر:
– Julian Friedman, Christopher Balden and Stephen Rosen (eds.), Alliances in International Politics (Boston: Allyne & Bacon, 1970) p.10.
- انظر:
– Stephen M. Walt, The Origins of Alliances (Ithaca, NY.: Cornel University Press, 1987) p.5.
- انظر:
– George Liska, Nations in Alliance: The Limits of Interdependence (Baltimore, Md.: John Hopkins Press, 1962) p.30.
-R. Ole Holsti, P. H. Terrence and D. J. Sullivan, Unity and Disintegration in International Alliances: Comparative Studies (New York: John Wiley and Sons ,1973) pp.15-16.
– Robert McCalla, “NATO Persistence after the Cold War”, International Organization, Vol.50, No.3 (1996) p.455.
- ستيفن والت هو من صك نظرية “توازن التهديد Threat Balance Theory، انظر:
– Stephen Walt, The Origins of Alliance (Ithaca: Cornell University Press, 1987) pp.17-31, 147-188.
– Robert O. Keohane, “Alliance, Threats and the Uses of Neo-realism”, International Security, Vol.13, No.1 (1988) p.171.
- راندال شويلر هو من صك نظرية “توازن المصالح Interest Balance Theory” ، وللتذكرة فإن صاحب نظرية “توازن القوى” هو كينيث والتز. فيما قاله شويلر، انظر:
– Randall L. Schweller, Bandwagoning for Profit: Bringing Revisionist State Back In”, International Security, Vol.19, No.1 (1994) pp.74-93.
- راجع:
– George Liska, Alliance and the Third World (Baltimore: The Johns Hopkins University Press, 1968) pp.27-32.
– Michael Handel, ………………………………………………………, Op. Cit., pp.123-129.
- انظر:
– Allen Sens, …………………………… ………………………. Op. Cit., pp.235-236.
– George Liska, …………………………… …………………………….. Op. Cit., p.17.
- فى التحالف الإقليمى بصفة عامة، راجع:
– Anders Wivel, “Small States and Alliances”, International Affairs, Vol.79, No.1 (2003) pp.176-177.
- راجع:
– Michael Handel, ………………………………….. ……………….. Op. Cit., p.153.
– George Liska, ……………………… …………………………….. Op. Cit., pp.50-53.
- انظر:
– Thomas Schelling , The Strategy of Conflict (Cambridge MA.: Oxford University Press , 1960) p.131.
– Patrick M. Morgan , Deterrence Now (Cambridge: Cambridge University Press, 2003) p.1.
- راجع:
– Patrick M. Morgan , Deterrence Now, ………………………………………… Op. Cit., pp.24.
– Lawrence Freedman , Deterrence (Cambridge: Polity Press , 2004) pp.6, 27, 37-39.
-Ivan Arreuguin-Toft , Unconventional Deterrence: How the Weak Deter the Strong (Harvard: Harvard University Press , 2009) p.291.
- راجع:
– Maurice East,”Size and Foreign Policy Behavior: A Test of Two Models”, World Politics, Vol.25, No.4 (July 1973) 557.
- انظر:
– Milan Jazbec, “Small States and Diplomacy: An Indispensible, Though Much Diversified Relation”, ……….. Op. Cit,, pp.66-83.
- راجع:
– Robert Chamberlain, Security Exchange Theory: How Great Powers Trade Security with Small States (Columbia: Columbia University Press, 2014) pp.2-3.
- لمزيد من التفاصيل، انظر:
– David Priess , “Balance of Threat Theory and the Genesis of GCC”, Security Studies , Vol.5 , No.4 (Summer 1996) p.149.