لا جدوى يا يسوع، لا جدوى
د. خضر محجز | فلسطين
تلك جملة كازنتزاكس التي يعبر فيها عن لا جدوى صدّ طوفان الحمقى ـ والبشر كلهم حمقى ـ لأنهم يسألون أسئلة يعلمون أن ليس لها إجابات، ويصرون أنّ على الله أن يقدم لهم الإجابات المقنعة، ليستشيروا عقولهم إن كانت ستوافق على ما قال الله أم سترفضه؟
يسألني الناس:
إذا كانت الاقدار مكتوبة، فما صحة دعاء الناس: اللهم ارزفنا كذا وكذا، وهم يعلمون أن رزقهم مكتوب في لوح القدر؟ فما يفيد الدعاء؟
وأقول:
كل دعاء هو عمل. وكل عمل واقع بين تعريفين: فهو من فعل الإنسان الحر من جانب، وهو مكتوب عليه ومُقَدَّرٌ له من جانب آخر.
والسرُّ الذي يأبى الناس أن يصدقوه، هو أن العمل المكتوب أنت لا تعلمه، فإن قررت أنك يجب أن تسيء، لأن ذلك مكتوب عليك، فقد كذبت، لأنك لم تطلع على المكتوب.
وإن قررت أنك تخلق فعلك الحر، فقد كذبت، فأنت لا تعلم القوى والعوامل التي تقودك نحو عمل ما وأنت تظن نفسك حراً.
وعلى سبيل المثال: يقرر الفتى الفقير (بكامل حريته) أن يشتغل في الأشغال السوداء، ولو قرر أن يتعلم الفيزياء ويصبح عالم ذرة فلن يستطيع.
فهذا الذي يرى نفسه حراً اكتشف أنه مُسَيَّر نحو مصير محدودة فيه خياراته.
وفي المقابل قد يقرر غني أن يتعلم علوم الفضاء ويسافر إلى الكواكب البعيدة، ويرسله أبوه ليتعلم ذلك في هارفارد، أو يوسط معارفه ليتدرب في ناسا.
ولكن الولد حمار، لأنه ولد من أبوين أحدهما حمار غني، والأخرى أم بقرة لا تحسن غير الزينة والنظر في وجهها في المرآة، وكلما زينته ازداد قبحا فبصقت عليه.
فلما رسب الولد في اختبارات القبول في هارفارد، ولم تفلح الوساطات لتأمين وظيفة كناس له في باحات ناسا، عاد الولد الغني يائسا، واشتغل هاملا، وخسر ثروته في لعب الورق، وقتله عربنجي لأنه أفلس ولم يدفع.
إذن فلا توجد حرية حقيقة، ولا عبودية مطلقة. والإنسان يسعى إلى ما يريد بكل ما أوتي من قوة. وبهذا يكون قد عمل ما خُلق له.
والدعاء فعل بشري ينطبق عليه ما انطبق على كل عمل، وهو من فعل الإنسان بقدر غير معلوم، ومن كتابة الله في اللوح المحفوظ، بطريقة لا نعلمها.
ستتفاجأون إن نقلت لكم هذا المقطع من كلام نيتشه، ولكن ها هو فصدقوا أو لا تصدقوا:
يقول نيتشه:
إن الذي يتأمل في العلاقة بين حرية الإنسان والقدر المكتوب، فيجد صراعاً بينهما؛ إنما هو يعاني من طريقته الخاطئة في التأمل.
والحقيقة أن كل إنسان هو ـ نفسه ـ جزء من القدر. وحين يظن أنه يقاوم القدر بتحديه، أو يستسلم له فيستريح، فإنه لا يلاحظ أن كلا الأمرين من القدر.
وإن الانشغال بالتفكير في القدر، لن يستطيع أن يقنعه بأي شيء سوى أنه لا يفهم القدر.
والحقيقة أن حماقات الإنسان وحذره جزء من القدر. وأن هذا الخوف من التصديق بالقدر هو قدر أيضاً.
انتهى كلام نيتشه الملحد الذي يفهم القدر خيراً من المتدينين المتبجحين.
(نيتشه. إنسان مفرط في إنسانيته. ج2. ص140)