من يتحمّل مسؤولية العنف في المستشفيات؟

سهيل كيوان | فلسطين

نظم العاملون الطبِّيون اليوم، الجمعة، وقفة احتجاجية في مستشفى الإنجليزي في الناصرة، إثر تعرض أحد الأطباء للعنف. ويصل عدد الاعتداءات السنوية في البلاد إلى آلاف المرات، منها ما هو جسدي ومنها ما هو بالألفاظ الجارحة للطواقم الطبِّية. وكثيرًا ما يتحوّل العنف إلى صراع بين أصدقاء المريض وأهله وبين حرّاس الأقسام.

الاعتداء على الطواقم الطبية منتشر في كثير من دول العالم، ومنها دول عربية عديدة، جولة على محرّكات البحث في الشبكة العنكبوتية حول اعتداء على ممرض أو طبيب، ستظهر أنها مشكلة متفاقمة وخطيرة، في أكثر الدول العربية وكذلك في قطاع غزة والضفة الغربية. وأحد أهم أسباب العنف هو النقص في عدد الطواقم الطبية. فمستشفيات الناصرة تخدم مئات الآلاف من الناس في منطقة صغيرة ومكتظة، أي أن المريض سيجد صعوبة حتى في طريقه إلى المستشفى.هذا يعني أن إقامة مستشفى لخدمة المناطق العربية المكتظة أصبح أكثر إلحاحًا، لخدمة منطقة الناصرة ليخفّف الضغط في داخل المدينة.

لماذا لا يكون مستشفى لخدمة قرى البطّوف؟ لماذا لا يكون مستشفى لخدمة شفاعمرو وطمرة وقراهما؟ لماذا يوجد مستشفى يخدم قرى الشاغور مع كرميئيل؟

هذا سبب أساسي تتحمل الدولة وسياستها العنصرية مسؤوليته، فهي تزهق المليارات على التسلّح، ولم تهتم بإقامة مستشفى في مناطق عربية أو جامعة عربية منذ نشوئها. تحريض الناس ضد الطواقم الطبية، أو ضد مستشفى بعينه! وهي قصص كثيرة نسمعها، بأن فلانًا كاد أن يموت لولا زعيق وتهديد مرافقيه للطواقم بالتدخل الفوري، الأمر الذي يعطي شرعية للاعتداءات اللفظية على الأقل. التحريض المستمر على عدم خبرة بعض الكوادر الطبية، يؤدي إلى النظر إليهم بشك وعدائية وبتخوُّف على مصير المريض.

هناك حالة عامة في البلاد، بات شبه متفق عليها، بأن الواسطة والمعرفة تأتي بنتائج أفضل، وهذا يشمل المجال الطبّي، فوجود علاقة مع طبيب يعمل في القسم يسهل لك الأمور، وقد يقدم مريضًا على حساب آخر. قلة اليد العاملة تؤدي إلى زيادة عدد المرضى الذين يتعامل معهم كل طبيب أو ممرض في وقت قصير ومحدود. هذه مسؤولية إدارات المستشفيات ووزارة الصحة بزيادة أعداد الكوادر، وهذه قضية شائكة ولها جذورها المتعلقة بسياسة السُّلطة العامة.

تتحمل بعض الطواقم الطبية مسؤولية بث انطباع بأن الذي يصرخ يتلقى خدمة أسرع، وهذا حدث كثيرًا، ويعرفه الناس ولمعظمنا تجارب في هذا المجال. ويحاول البعض إظهار محبّتهم وولائهم لمريضهم وذويه، من خلال نفاق اجتماعي يترجم إلى اعتداءات لفظية على الطواقم. هناك مرضى ومرافقون يظنّون أنهم يستحقون معاملة أفضل وأسرع من غيرهم، من منطلقات أنانية ضيّقة، بعضها يصل حد المرض.

العنف المستشري في المجتمع عموما يعطي انطباعًا لدى فئات كثيرة، بأن العنف هو القول الفصل في كل المعاملات، وأن العنيفين يحصلون على خدمة أفضل.

في المُحصلة يخسر الجميع، وبالأساس المرضى الذين يدفعون ثمن العنف والفوضى من صحتهم، لأن الممرض أو الطبيب الذي يعمل تحت ضغط التهديد والشتائم أو التوبيخ، ليس هو نفسه الطبيب أو الممرض الذي يعمل بهدوء وعلى رواق وبشعور من الاحترام المتبادل مع المريض ومرافقيه.

الطبيب أو الممرض يتعب إذا عمل أكثر من الساعات المحدّدة له، وتحتاج مهنته إلى تركيز أكثر من غيرها لتعلقها بحياة البشر، ولهذا على الأطباء أن يكتفوا بالعمل لساعات محدودة، 10 ساعات كأقصى حد، وليس 16 ساعة متواصلة وحتى 24 ساعة في بعض الحالات، وتتحمّل وزارة الصحة وإدارات المستشفيات المسؤولية في هذا الموضوع.

ممكن لوجود حراسة وشرطة أن تخفّف من حدة الاعتداءات، ولكنها ليست ضمانة، فبعضهم يعتدي على الممرض ثم على الشرطي أو الحارس، أو العكس فقد يكون الحارس فظا ولا يحسن التعامل مع الناس.. وقف العنف وتحجيمه عملية طويلة ومعقّدة وتحتاج إلى تضافر جهود لوقفها، أولى هذه العوامل هو وعينا كمجتمع متحضِّر، بتحريم ونبذ هذه الاعتداءات ومن يقوم بها, وتصعيد النضال والمطالب لبناء مستشفيات جديدة في المناطق العربية، واستيعاب المزيد من الكوادر والأسِرّة في كل مستشفيات البلاد وخصوصًا في المناطق العربية المكتظة ومحيطها، وتأهيل وتسهيل قبول الخريجين واستيعابهم لرفع أعداد العاملين في المجال.

وأخيرًا، العنف في المستشفيات جزء من الأزمة العامة التي يعيشها مجتمعنا ومنها مشكلة العنف، فنحن لا نستطيع عزل المستشفيات عن محيطها العنيف، وتحتاج إلى حل جذري مثل مشاكلنا الأخرى، إلا أن هذه أخطر من غيرها لأنها تتعلق مباشرة بأرواح البشر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى