علماء وفقهاء متهمون بالزندقة والإلحاد في الأندلس فى عصر الأمويين
إعداد: أثير سعد صبر العجيلى
مدرس مساعد – كلية التربية الأساسية – جامعة واسط
الزندقة في المصادر الإسلامية
لقد ورد لفظ الزندقة في الكثير من المصادر الإسلامية فقد عدها ابن قتيبة من أديان العرب في الجاهلية , حيث ذكر ان النصرانية كانت في ربيعة وغسان وبعض قضاعة , كما وذكر أيضا اليهودية التي كانت منتشرة في بني حمير وبني كنانة وبني حارث بن كعب وكندة , وذكر ايضا المجوسية المنتشرة في تميم وكنت قريش أخذت من الحيرة الزندقة . وفسر الألوسي في بلوغ الأرب مراد ابن قتيبة من الزندقة التي نسبها لقريش أنها اعتقاد الثنوية أو القائل بالظلمة والنور وليس مرادة من لا يؤمن بالأخرة وبالربوبية .
وروى البخاري عن عكرمة قال :أتى علي رضي الله عنه بزنادقة فاحرقهم , فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا لم احرقهم لنهي رسول الله (صلى الله علية وسلم ) : لا تعذبوا بعذاب الله . والذين احرقهم علي بن أبي طالب هم السبئية الذين قالوا ان عليا ربهم وخالقهم ,كما ذكره الحافظ ابن حجر في كتاب فتح الباري , وقال ايضا : ان الإسلام قام والزنديق يطلق على من يعتقد المانوية واظهر جماعة منهم الإسلام خشية القتل ومن ثم اطلق الاسم على كل من اسر الكفر واظهر الإسلام .
واعتبرت الزنادقة أول من افترق من المذاهب وانهم اتباع ماني الذين اطلق عليهم ابن النديم المنانية، ومن خلال ما سبق يمكن القول ان الزندقة عبارة عن مصطلح جامع اطلق أولا على اتباع الديانات المانوية الذين يعتقدون بوجود قوتين أزليتين في العالم وهما( النور والظلام ), وبدأ المصطلح يعم تدريجيا كل الملحدين وأصحاب البدع الخاصة بالاعتقاد والطامعين إلى الجاه والسلطان بادعائهم النبوة والمهدوية وكل من يحي حياة اللهو والمجون المستهزئ بالإسلام وأركانه من الشعراء والكتاب وغيرهم .
1- عباس بن فرناس ( 194–247 هـ/ 810- 861م)
كان ابن فرناس في أيام الأمير الأموي محمد بن عبد الرحمن ويعتبر من أعلام العصر الأموي(1) وهو فيلسوف وعلامة رياضيات من نوع فريد , ويرجح انه من البربر وقد شغف بدراسة الفلك والفلسفة والكيمياء الصناعية حتى برع فيها وصار من كبار علماء عصره . وهو أول من اكتشف صناعة الزجاج بالأندلس من الحجارة . وبرع ايضا في الموسيقى كما وضع اله فلكية لتحديد الوقت سموها الميقاته وله اختراعات كثيرة أخرى . وقد قام برسم القبة السماوية في بيته وقسمها إلى بروج ومنازل الشمس والأفلاك على مدار السنة كما حاول ان يوضح اختلاف الفصول حيث كان يجري جميع تجاربه على الملأ من المقربين اليه والمهتمين بالعلم فمنهم من استفاد ومنهم من اتهمه بالسحر والشعوذة وروى بعضهم انه حاول ان يخترع أداة للطيران فصنع لنفسه جناحين وحاول الطيران من ناحية الرصافة وحلق في الهواء ولكنه لم يلبث انه سقط على الأرض وكان ها سبقا لم يسبقه أي احد من رواد الطيران وادى كثرة انشغاله بالكيمياء إلى اتهام الناس اليه بالسحر واتهم بالزندقة ايضا لكنه القضاء لم يجد سبيلا إلى أدانته فافرج عنه .
2- يحيى بن الحكم الغزال ( 156– 250هـ/773-864م)
و هو يحيى بن الحكم البكري – أبو بكر – وقيل أيضا أبو زكريا الجياني نسبه إلى مدينة جيان واطلق علية لقب الغزال لوسامته وجمالة وأناقته(1) . وقد لقب بهذا اللقب منذ صباه , وقيل في غمرة رجولته , وقيل وهو في حدود السبعين من عمره وذلك استنادا لقصيدة انشدها إلى أمير الأندلس وفيها (( حسنه وجماله )) وان هذا اللقب قد اطبق علية توددا وتحببا صديقه ومولاه الأمير عبد الرحمن وبهذا اللقب اشتهر(2) .
3- بقي بن مخلد ( 238 – 273هـ/ 852-886م)
تعد حادثة ( محنة بقي بن مخلد ) من اهم الحوادث التي وقعت أبان عصر الأمارة وتحديدا الأمير محمد بن عبد الرحمن تلك التي تحدث عنها المؤرخون وإصحاب السير وذلك لأهميتها فقد ارتبطت بشخصية كان لها ثقلها في الأوساط الدينية والعلمية كما ان الحادثة عبرت عن سياسة واضحة انتهجها الفقهاء المالكيون في الأندلس للحفاظ على قدسية المذهب المالكي باعتباره من اهم الثوابت الدينية في المجتمع الأندلسية التي حافظ عليها الحكام ورجال الدين على حد سواء . حيث كان هنالك موقف جماعي لفقهاء قرطبة من بقي بن مخلد , اذ حاول هؤلاء الفقهاء من فرض هيمنه فكرية وثقافية يحدد أطارها المحافظون والمتعصبون منهم لمذهب مالك بن انس . عندما ادركوا ان تيارت فكرية ومشرقية قد تجتاح الأوساط العلمية وتحدث تغييرا في المنظومة الفكرية والثقافية في الأندلس . كان رد بعض الاحاديث وعدم القبول بصحتها بحسب منهج علم الحديث الذي ادخله بقي بن مخلد وأمثاله من الراحلين الى المشرق من الأمور التي أثارت مخاوف الفقهاء وبخاصة كتاب الموطأ التي جرى العمل بها ولهذا فقد اتهم بقي بن مخلد بتهمة صارمة ألا وهي البدعة والزندقة في الدين وكانت هذه التهمة كافية للحكم علية بالإعدام هو ومن يناصره ويقف بجانبه من أصحاب الحديث الذين انفتحوا على ثقافة وعلوم المشارقة واخذوا منهم وقد اشتهرت هذه الحادثة حتى وصلت أخبارها الى المشرق حيث عدها المشارقة من المواضيع المعيبة لفقهاء الأندلس .
4- ابن مسرة ( 269– 319هـ/ 883-931م)
هو محمد بن عبد الله بن مسرة بن نجيح القرطبي , يعتبر من أوائل فلاسفة الأندلس من ذوي النزعة الصوفية , أما فيما يخص معلومات عن تاريخ حياته فهي قليلة . حيث ذكرت بعض المصادر التي ترجمت له انه ولد في سنة 269 ه/ 883 م في قرطبة وكان والدة تاجرا يذهب إلى أراء المعتزلة . وكان صديقا لأحد معتزلة الأندلس وهو خليل الغفلة (1) وقيل أن أباه زار البصرة في المشرق حيث كانت أراء المعتزلة وغيرها منتشرة في الأندلس وذلك نتيجة اتصال بعض مفكري الأندلس بالمشرق وقد تعلم ابن مسرة علوم الدين على أبيه على طريقة المعتزلة وقد توفي والد ابن مسرة في سنة (286 هـ – 899 م ) وكان ابن مسرة عند وفاة أبية في السابعة من عمره وقد اخذ عنه في هذا السن الزهد والاعتزال هو وعدد من الأصدقاء في دويرة بجبل قرطبة وقيل انه كان يعلمهم المعتزلة حيث جاهر بعدها ببعض الآراء الدينية المغرقة في التأويل والقدر وأنفاذ الوعيد وغيرها فأتهم بالزندقة(2)[1] .
5- يحيى بن يحيى المعروف بابن السمينة توفي في عام 315 ه/927م
وهو يحيى بن يحيى المعروف بابن السمينة رحل الى المشرق ومال إلى كتب الحجة ومذهب المتكلمين وانصرف إلى الأندلس فأصابه مرض النقرس فظل ملازما لدارة . امتدحه صاعد الطليلطلي وذلك لسعة ثقافته وتنوع معلوماته فكان معتزليا صريحا توفي خليل الغفلة في عام 315 هـــــ بعد ان كون حولة مجموعة من الطلاب والأنصار . ولم يكن يخفي ابداً ارتباطه بمذهب الاستطاعة الذي تلقاه من أستاذة خليل بن عبد الملك بن كليب وهو من قرطبة ويعتبر حالة خاصة في عالم المعتزلة . فلم يتعرض خليل الغفلة في حياته بأذى ولكن بعد موتة ولا نعرف تاريخ اقتحام فقهاء قرطبة بيته حيث قاموا بإخراج كتبة واحرقوها بالنار. ونرى ان ابن سمينة لم يتعرض في حياته للأذى لكونه كان من كبار علماء المعتزلة وكلمته مسموعة لدى طلابه اي بمعنى انه كان ذو شخصية مؤثرة لدى الكثيرين من سكان المجتمع الأندلسي واتهامه بالإلحاد والزندقة سيؤدي إلى إثارة حفيظة اتباعه فأنتظر فقهاء الأندلس وفاته وقاموا بأحراق جميع الكتب التي تخص المعتزلة لكي يخففوا ولو بشيء بسيط من انتشار هذا المذهب في دولتهم .
6– عبد الملك بن منذر بن سعيد البلوطى( 328-368هـ /940-979م)
هو أحد أبناء القاضى الشهير منذر بن سعيد البلوطى ، وكان عبد الملك يتولى خطة الرد ، وقد حكم عليه بالإعدام وصلب ، وتم اتهامه بأنه من المعتزلة ، وقد ضم ثلاثة من أخوته وهم: سعيد وعبد الوهاب والحكم ، إلى مذهب ابن مسرة وقاموا جميعاً بنشر مبادئه فى قرطبة، وساعدهم فى ذلك نظام العبادة فى الخلوة التى أقامها ابن مسرة فى جبل قرطبة ،ولم يتمكن فقهاء المالكية المتعصبين فى الأندلس من إخراج أتباع ابن مسرة ،أوحتى منع مبادئه من الانتشار.
وفي الختام يمكنا القول بأنه قد كان الرمي بالزندقة والإلحاد في الأندلس وجها من وجوه الصراع الفكري الديني حاول فيه كل طرف أن ينتصر لرأيه وفكره بكل ما اتيحت له من وسائل .اما السلطة السياسية فقد كانت مضطرة إلى مسايرة اتجاه الفقهاء ليشاع أنها تدافع عن الدين ظاهراً ولتضمن سيطرتها وبقاءها في الحكم باطنا.
قائمة المصادر والمراجع:-
- الألوسى :بلوغ الأرب فى معرفة أحوال العرب ، تحقيق .محمد بهجة الأثرى، دط،دار الكتب العلمية، بيروت، ج2،دت
- ابن سعيد: المغرب فى حلى المغرب ، تحقيق.شوقى ضيف،ط4،دار المعارف،القاهرة، ج1،1953م.
- الضبي , الملتمس في تاريخ رجال اهل الأندلس , تحقيق : ابراهيم الابياري , دار الكتب المصري , القاهرة , الطبعة الأولى , 1989 م , الجزء الثاني , الصفحة 561 .
المراجع:-
- أنسام غضبان عبود , الصراع الفكري في الأندلس محنة بقي بن مخلد ( 276 هجريا – 889م ) , مجلة ادأب البصرة , العدد 82 , 2017م , ص 273 .
- محمد صادق البتداق, يحيى بن الحكم أمير شعراء الأندلس في القرن الثالث الهجرى, تقديم : إحسان عباس , دار الأفاق الجديدة ,الطبعة الأولى , بيروت – لبنان , 1979م.
- محمد عبد الله عنان , دولة الإسلام في الأندلس , مكتبة الأسرة , القاهرة , 2001 م , الجزء الأول .
- ليفي بروفنسال , الحضارة العربية في إسبانيا , ترجمة : الطاهر احمد مكي ,الناشر دار المعارف , القاهرة , الطبعة الثالثة , 1994م