لماذا الإدارة الاستراتيجية؟

عباس آل حميد | الشريك التنفيذي – مزارز في عمان

www.mazars.com

يخلص تقرير أُعِدَّ مؤخرًا في هارفارد بزنس ريفيوإلى أن 90٪ من الشركات تفشل في تحقيق أهدافها الإستراتيجية، وذلك لأن ما يقرب من 95% من موظفي الشركات لا يفهمون إستراتيجيتها، كما أن 85% من فرق القيادة التنفيذية يقضون أقل من ساعة واحدة شهريًّا في مناقشة الإستراتيجية، بينما لا يقضي 50% منهم أي وقت على الإطلاق في مناقشة الإستراتيجية!

نجد هذا الأمر واضحًا في حياتنا العملية اليومية؛ فرغم وضوح أهمية التفكير والتنفيذ الإستراتيجيين وإشارة الناس إلى مفرداتهما مرارًا في خطابهم اليومي، لكنهم في الغالب لا يعرفون حقًا ما يقصدونه؛ إذ إن كثيرًا من الناس يجدون صعوبة حقيقية في التفكير والتنفيذ الإستراتيجيين.

وتكمن أسباب هذه المشكلة في أمرين؛ أولهما: أن هناك كثيرًا من الغموض يكتنف فهم المفاهيم والتقنيات الإستراتيجية في بيئات الأعمال، وثانيهما مشكلة التمكن من تطبيق هذه المفاهيم والتقنيات بشكل تلقائي واحترافي في الحياة اليومية.

وتعد هذه المشكلة من أكبر المشكلات التي تواجه مؤسساتنا وتنعكس بشكل مباشر في النتائج التي تحققها، وتمتد إلينا جميعًا -نحن موظفي هذه المؤسسات وأصحاب المصلحة فيها- بشكل فردي.

أن تسعى وتعمل -سواء في حياتك الشخصية أو في إدارة مؤسستك أو مشروعك أيًّا كان- دون أن تتسلح بالقدرة الإستراتيجية فهذا هو التخبط بعينه، وحينئذ فليست جهودك وإنفاقك للأموال سوى مضيعة وتشتت وبعد عن النجاح.

وما يجعل المشكلة أشد حرجًا وأسوأ تأثيرًا أن تطوير الإستراتيجية عملية مستمرة؛ فالتغيير الإستراتيجي الذي يحصل في الوقت الحاضر يرسم صورة الوضع في المستقبل، ولذا يجب أن تكون الإدارة الإستراتيجية قادرة على توقع التغيير ومواجهته.

فنحن نعيش في عالم متغير باستمرار، فإذا نظرنا في التغييرات التي حدثت خلال الأعوام العشرين الماضية -وما تزال تحدث بشكل مستمر دون انقطاع- سنجدها كلها على قدر كبير من الأهمية وتؤثر بشكل كبير في المشهدين السياسي والاقتصادي، وإذا نظرنا إلى عالم التكنولوجيا والاتصالات فإن وتيرة التغيير فائقة ومذهلة بكل ما للكلمة من معنى، ونفس الأمر ينطبق على الأوضاع الاجتماعية والقانونية والثقافية وهكذا.

وقد أدت هذه التغيرات المستمرة والجذرية إلى تعطيل كثير من الافتراضات والممارسات القديمة وتغيير قواعد اللعبة لدى كل المؤسسات، ومن ثم أصبحت المراجعات الدورية والمستمرة للإستراتيجية ونموذج الأعمال مهمة حيوية للشركات والمؤسسات الصغيرة والكبيرة على حد سواء، ومن يتجاهل ذلك فسوف يجد نفسه قريبًا خارج اللعبة، بغض النظر عن مدى عظمة ما يتوافر لديه من إمكانات أولية للنجاح.

ونتيجة لذلك “وجدت دراسة حديثة أجرتها شركة McKinsey أن متوسط أعمار أكبر الشركات المدرجة في البورصات في الولايات المتحدة كان 61 عامًا في عام 1958، بينما هو اليوم أقل من 18 عامًا، وتعتقد ماكينزي أن 75٪ من الشركات ستختفي بحلول عام 2027”.

وفي بيئة متسارعة التغير كهذه تحتاج المؤسسات حتمًا إلى القدرة الاستراتيجية مستندةً إلى نموذج للتخطيط الإستراتيجي يتيح لها توقع المستقبل، ويُمَكِّنها من تحليل بيئة المؤسسة الداخلية والخارجية، لتحديد نقاط القوة ونقاط الضعف لديها، وإبراز الفرص والتهديدات التي تلوح أمامها لتحديد المسائل الإستراتيجية، وتطوير خطة إستراتيجية مرنة تُمكنها من مواجهة التحولات التي لا يمكن التنبؤ بها لتحقيق رؤيتها وأهدافها الإستراتيجية.

وختاماً أود التأكيد على أن القدرة الاستراتيجية لا تتعلق بإدارة المؤسسات فحسب، وإنما بإدارة الحياة كلها، ولذا لا ينبغي أن تقتصر الإدارة الإستراتيجية على كونها ممارسة نقوم بها في إدارة المؤسسات، وإنما يجب أن تكون نمط حياة وملكة نتسم بها ونتصرف بموجبها بشكل تلقائي وطبيعي في حياتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى