قراءة نقدية في نص إيقاعات الرماد للشاعرة مرشدة جاويش

سي مختار حمري | المغرب

أولا – النص:

(1)
رأيت الحرابَ الُمدَماةَ تخرج من جسَديْنا
وُتمسكُها شهقتي الذائعة ..
رأيت فراشَ النعاسٍ يحاصرُني
بتراتيله الفاجعة….
تعثرتُ في نزفي المتوغل بين جراحي..
إلى أن ًتجّسدتَ:
زهرةَ صومِ..
تجاهد غَيْبَتها في الرمال
كما الشوك في ظمأ الصخر..
فانطبقتْ مُقلتانا
وإنّاعلى شُرفات السرابٍ إعترانا:
سؤالٌ على هيئة الورد ٍ
فالتحمتْ تحت جلد الصحارى رُؤانا.
(2)
زهرةَ المستحيلٍ الجميل….
وياطفلةَ الأزرق المستقيل..
هوالتَوْقُ للشوق
و الشوقُ للعٍتْق
فالنَبْتدئ هجرةَ الانكسار الجليلْ..
فها لهفتي ترسمُ الآن لحظتها:
طفلةً من غيابِ
و قافلةً من هديلْ
(3)
سرابٌ يحاصُرفيَ دمي..
فتؤوبُ خطايِ إلى برهة الاحتراق
أراكَ تغادرُني
هارباً في تخوم الفُراق
تشققُّ جلدي..
لتنهض ورداتكَ الراعفات على عنقي..
صرخةً..جمَحتْ في الرمال
و جرحاً على هيئة الاشتياق…
سرابٌ يجوسُ تقاطيع رؤياي..
يحبسُني فيكَ..
أدعوكَ..
يملكُني الصوتُ..
تأتي
فيغمرُني الموتُ..
ننضمَ
يُشعٍلُنا صاعقُ الاشتقاق.
(4)
صراخٌ يحاصرُ كلَّ العصافير..
يحبسُني في بكائي معك..
صراخٌ على هيئة الذبحٍ..
من أيقظ القتلَ في صُبْحٍنا..ومضى..؟
سيدي:كنتَ بي..
كيف تخلُعُني من مداكَ!
أُحس تواقيعَ نزفي على صدركَ المتهدج:
شمساً من الثلج..
تستافُ كلّ خطايَ..
إلى عتبات الرضى..
والصراخُ الأليفُ كما الظمأ الجاهليّ انقضى.
وحشةٌ..
وحشةٌ..ودمٌ..
وخطاكَ إلى جسدي كالنعاس الحثيثٍ..
او الماءِ في ظمأ الوهمِ
مثل ندى البحرْ..
ضعْتَ بي..فالتقيْنا..
وغادرْتَني..فانتهينا..
وها إننا في بَراح الفرار
نفتش عن جُرْحٍنا الأزلي..
لنكتُبَهُ..ونعود معاً…

ثانيا – القراءة

1 العتبة النصية : “ايقاعات الرماد”
ايقاع : تناغم / ايقاع موسيقي : تناغم الاصوات وتوافقها في العزف والغناء / ايقاع يقابله في الشعر الوزن / يرتبط لفظ ايقاع بمجالات متعددة : ايقاع القلب / ايقاع التنفس / الايقاع البيولوجي /الفصول /الليل النهار /الرقص /… في الفيزياء والرياضيات قد يعني التواتر frequence او الدورية periodicite ..
الإيقاعات اليومية : السلوكات التي تتكرر يوميا / حسب الساعة البيولوجية
الرماد : هو ما يتبقى بعد احتراق مادة عضوية بالكامل /مكون من مواد معدنية غير قابلة للاحتراق/ يستعمل لتخصيب التربة كسماد / في الكتاب المقدس عند المسيحيين : الرماد يرمز الى الموت ويعبر ايضا عن بداية التكفير للتائبين وذلك فيما يعرف “اربعاء الرماد ” (او الصوم الكبير)/ الرماد قد يرمز الى المنطقة الرمادية في التفكير / اسطورة العنقاء : طائر العنقاء يحرق نفسه لينبعث من جديد من رماده.. الرماد قد يعني احتراق الانسان بنار الحياة من حب ، عشق ، خيانة ،مرض ،فراق ، ظلم … لكنه قد يعني ايضا القدرة على مواصلة الحياة من جديد.
عنوان مستفز و مثير للعديد من التساؤلات.. ماهي الإيقاعات التي سنجد في النص؟ من اي نوع ستكون؟ هل ستعبر عن احتراق الانسان ، باي نار سيكون ذلك؟ هل سيكون بالإمكان مواصلة الحياة من جديد؟ كيف؟ سنحاول مقاربة النص متخدين هذه الاسئلة عكازا نتكىء عليه …

2 مدخل لسردية النص :
الشاعرة توظف شخصية أم استشهدت طفلتها التي في عمر الزهور غدرا وخداعا في حرب عبثية تقول الشاعرة ” من ايقظ القتل في صبحنا ..؟؟ وجدت الأم نفسها فريسة الوحدة والعزلة والشعور بالغربة والاغتراب في مجتمع تنكر لها فيه اقرب الناس ليتم تجاهل فاجعتها بل وسكب البنزين على النار المشتعلة بباطنها ، تحولت حياتها المدمرة الى رماد ، الى جحيم عاطفي -نفسي …. وكالعنقاء نفضت عنها الرماد لتنبعث مجددا وتعود الى الحياة باتباع مناهج تعويضية كفيلة بطرد الظلام واشاعة النور …في المقطع الاخير وبداية من ” سيدي : كنت بي” … نلمس توجيه بعض اللوم والعتاب الى ما يمكن ان نفترض انه كان الحبيب بشكل عميق ….
3–النص: ..
رايت الحراب المدماة تخرج من جسدينا
وتمسكها شهقتي الذائعة
رايت فراش النعاس يحاصرني
بتراتيله الفاجعة …
تعثرت في نزفي المتوغل بين جراحي ..
الى ان تجسدتَ :
زهرة صومِ..
تجاهد غيبتها في الرمال
كما الشوك في ظما الصخر ..
فانططبقت مقلتانا
وانّا على شرفات السراب اعترانا :
سؤال على هيئة الورد
فالتحمت تحت جلد الصحاري رؤانا .
يبدا النص برأيت قد تكون الرؤية بالعين أو بالمخيلة انطلاقا من معطيات واقعية ، ترى الشاعرة حرابا ملطخة بالدماء ، نستحضر انطلاقا من كلمة حربة :حرب ،حربائية … نفترض : ان هناك حربا قائمة نجم عنها غدر وخداع وسفك دم احد اقارب الراوي الذي جعله يشعر وكان ما اصابه اصاب جسده ايضا وافترض ان مثل هذا الشعور لا تحس به الا الامهات لصدق عواطفهن وقوتها اتّجاه ابنائهن وما يؤكد هذا الأفتراض هو الشهقة الذائعة (المنتشرة ،الممتدة ،المرعبة ، المفزعة) التي تم التعبير عنها اغلب الظن نحن امام ام ثكلى وهي تحاول احتواء الحراب المدماة لانقاد الشهيد /ة لكنها وهي امام المصاب الجلل ترى بالتزامن رؤية اخرى خطيرة ترى فراش النعاس الذي يرمز الى البيت او الوطن ، الاهل أو المجتمع او حضن كانت تحتمي بدفئه يتجسد لها في كائن مرعب يحاصرها باناشيد الفاجعة وتركت الباب مفتوحا امام المتلقي ليملا نقط الحذف الثلاثة .. ليُشغل الخيال ، ممخكن ان يكون الامر غدرا او عارا لا يمحى او خيانة او …. نلاحظ ان الشاعرة عبرت هنا عن صرختين قويتين نجمتا عن رؤيتين تفصل بينهما شهقة عميقة جدا لتجعل المتلقي يسمع الصراخ والعويل والبكاء والنواح وحشرجة الموت المكتوم الصوت ( رهنا بالذاكرة الصوتية ) وان يرى اياد محروقة تنثر الموت والغدر والخيانة هو صراخ قد يخطف العقول ،
يشبه صمت المجانين ، صمت الكآبة السوداء …..هذا جعل شخصية الام تفقد توازنها وتتعثر في نزيف الجراح المتعددة التي اصابت نفسيتها وجعلتها على حافة الانهيار ليسيطر شعورالاغتراب العاطفي والاجتماعي العميق الناجم عن الفقدان وعن عدم تفهم االبيئة الاجتماعية لما اصابها بل عمل على مضاعفة مفعول الصدمة ، فقدت معها اواصر الحب الانساني الذي يتشوٌق اليه كل انسان .. استعملت الشاعرة التصوير بكثافة في هذا المقطع لتقدم لنا اما صعقتها الاحداث فاصبحت صورتها قريبة جدا من المتلقي …و نتساءل ونحن بالطبع امام شاعرة كبيرة كيف ستعمل على تجاوز هذه الحالة لتستردّ الام الثكلى طاقتها الحيوية لمواصلة الحياة ؟؟؟كيف ستصوغ نهجا تعويضيا …؟؟
شخصية الام بقيت تقاوم نزيف جراحها الى ان تجسد الشهيد/ة في مخيلتها على شكل زهرة صوم ( او زهرة عيد الميلاد ) زهرة بالوان متعددة وزاهية تزهر في فصل الشتاء (في الثلج )
في درجة حرارة الى حدود (ناقص 15 درجة ) وتسمى ايضا زهرة الصوم الكبير عند المسيحيين ( نسبة الى اربعاء الرماد ) وهنا نجد صدى واضح للعنوان .. يتبدى لنا ان الشاعرة تقترح كتعويض البعد الديني الايماني والبعد الطبيعي فالام امام ثقل لا يطاق لجات الى احدى ملاذات الشعراء عالم الطبيعة البريئة الذي يشكل مصدرا للراحة النفسية فحين ينقطع مابين الإنسان /الإنسان وعندما يضيق المكان او الزمان بالشاعر يقيم فضاءه بداخله في مخيلته فالازهار تعبر عن النقاء والصفاء والطهر وهذا تقريبا ما ترمز اليه اربعاء الرماد في البعد الديني -الايماني مع رمزيةالرماد باعتباره بداية لطريق جديد ولحياة جديدة مستقيمة نقية صافية طاهرة …
لكن ترى الشاعرة ان هذا التجسيد تقف امامه عوائق فالزهرة تقاوم غيبتها في الرمل اي انها لن تستطيع ان تصمد في هذه الحالة وتشبهها بالشوك في ظمأ الصخر تراها تختنق وتذبل عطشا (( افترض نوعا من التناص مع الكتاب المقدس في الاصحاح الثامن )) وهذا التجسيد وما ترتب عنه من تفكير جعل المقلتين تنطبقان لتشعر الام في مخيلتها كان روح الشهيد/ة حلت بها لتشكل واياها روحا واحدة في تصور له بعد صوفي تتخيل انها (انهما ) على شرفات السراب ما يرمز الى الوهم او الخيال الغير الواقعي فيحضرهما معا سؤال في هيئة الورد هل هو ورد المناسبات الجميلة ؟؟ام ورد المدافن او المقابر ؟؟؟ او الترحم …؟؟ لم يتم التعبير عنه بقي لغزا لكن نفهم مما يلي ان الرؤى التحمت بين الروحين ودفنت تحث جلد الصحاري ما يشي بان رؤيا الام وافقت رؤية الشهيد/ة هل هو حكم بالموت على الام التي قررت ان تستمر كجثة حية بدون روح بدون حب بدون فرح لتعيش فقط لذكرى الشهيد /ة في حالة زهد وتصوف ايماني …؟؟؟ام ان الرؤيا المشتركة ثم دفنها والتخلص منها ليتم التكيف نفسيا واجتماعيا مع الحالة الراهنة وعودة الام الثكلى الى الحياة الطبيعية؟
3 المعجم الشعري :
ألفاظ المكان : الرمل – فراش النعاس ( مفجع )- الصخر – الصحاري : المكان متحجر يشي بالقحولة والجفاف والفاجعة وبالتالي فهو مكان يعبر عن نفسية تعيش حالة اضطراب تحث ضغط شديد للمكان ، الذي لا يمكن التكيف على العيش فيه ، هناك شعور بالاغتراب المكاني ( اغتراب عن الموطن البيئي الملائم)
الزمن: الزمن الخطي منعدم تماما ما يجعلنا نفترض ان الزمن يقف محنطا في هذا المقطع او الدفقة الشعرية الأولى.. الزمن الذي يسود هو الزمن النفسي زمن عرض ما تشعر به الشاعرة او ما تبدعه.. الزمن النحوي : تمسك / تجاهد / يحاصرني افعال تفيد الاستمرارية في الزمن وبالتالي استمرار التأزم وضغط الاحداث.. (رايت /تعثرت/ تجسدت /انطبقت / اعترانا / التحمت / تفيد عدم الاستمرارية الزمنية لكنها افعال صادرة عن الجسد مما يعبر عن الحركة والتفاعل مع الاحداث جسديا..

الرؤبة السردية : هناك شخصيتان : الساردة شخصية داخل النص (في رؤية مصاحبة )
و في رؤية من الخلف للشخصية الثانية (الشهيد / ة )لان الساردة تعرف مكنوناتها ورغباتها وكانها تقف خلفها او تتماهى وتنطبق معها فتنطق عنها وتتكلم عن احوالها …
زهرة المستحيل الجميل
وياطفلة الازرق المستقيل
هو التوق للشوق
والشوق للعتق
فالنبتدىء هجرة الانكسار الجليل
فها لهفتي ترسم الان لحظتها
طفلة من غياب
وقافلة من هديل
نقول زهرة المستحيل (او زهرة زرقاء) وهي تدل على الخيال والغموض وترمز الى الوفاء والأمل في تحقيق المستحيل ( ويقابلها مثلا اللوتس الأزرق او السوسن الأزرق أو …) وتربطها الشاعرة بالجميل ..
وياتي في هذا المقطع ذكر طفلة مرتين (طفلة الأزرق / طفلة من غياب ) .. الى جانب (زهرة الصوم في المقطع السابق/ وزهرة المستحيل في بداية هذدا المقطع ) مما يجعلنا وبرابط منطقي نفترض ان الأمر يتعلق بطفلة شهيدة كانت ضحية حرب وغدر وخداع وقد نستطيع تعويض كلمة زهرة ( بطفلة )في المقطعين وفي هذا المقطع تلجأ الشاعرة الى استعمال الازرق بشكل واضح وهو لون البحار اي المساحات المائية اللامتناهية وهو “الازرق السماوي ” ما يجعلنا نستحضر المطلق والرغبة في الإنعتاق من المكان الضيق ومن الاختناق الذاتي والتطلع الى فضاء مكاني روحي ( سماوي ) اوسع لتبدا رحلة الانكسار الجليل في نوع من الايمان والنكهة الصوفية ، وقد وردت كلمة غاية في الاهمية وهي الجليل : ما يعبر عن ماهو أخلاقي فكري يأخذ بمجامع القلوب وهي لفظة تطلق على كل من عاشر الرسول ( صلعم ) فيقال ” الصحابي الجليل” وكما جاء في قوله تعالى {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام } ( الرحمن :27) فالجليل اسم من اسماء الله الحسنى : وهو المتصف بالجلال والعظمة والكبرياء …وجاءت كلمة جليل منسوبة الى الانكسار لتعبر بشكل عميق عن حسرة وحزن وشوق وحرقة لترسم اللحظة طفلة من غياب طفلة فُقدت ، طواها الغياب ..
ليُختتم هذا المقطع بـ: ” وقافلة من هديل ” ويمكن ان نعتبر الامر يتعلق بصوت الحمام الجميل او سرب حمام يرمز الى السلام والهدوء وهو ما ترغب فيه نفسيا الأم المفجوعة … الزمن : “الان لحظتها” استعاد الزمن سيولته التي هي اللحظة التي تنبع من المستقبل الذي لا ينضب هاربة نحو الماضي الذي يمثل وعاء لا يمتلىء لتخزن في الذاكرة.. المكان : الأزرق المطلق (اللانهائي ) فضاء شاسع يُشعر بالحرية والرحابة وامكانية الحركة … ورد في المقطع جملتين فعليتين والبقية جمل اسمية.. الفعلين يفيدان بداية تشكل رؤية : “لنبتدى ” ( البداية ) وهو يفيد “المستقبل” بدخول لام الامر عليه “ترتسم ” (تشكل ) فعل مضارع يعني الحاضر الممتد الى المستقبل وهذا يعني رحلة جديذة بدأت تطل في الافق انطلاقا من اللحظة الحالية اتجاه القادم من الأيام

سراب يحاصر في دمي
فتؤوب خطاي الى برهة الاحتراق
اراك تغادرني
هاربا في تخوم الفراق
تشقق جلدي
لتنهض ورداتك الراعفات على عنقي
صرخة جمحت في الرمال
وجرحا على هيئة الاشتياق
سراب يجوس تقاطع رؤياي
يحبسني فيك
ادعوك
يملكني الصوت
تاتي
فيغمرني الموت
يشعلنا صاعق الاشتقاق

في هذا المقطع نعود الى ايقاع المقطع الأول حيث نلاحظ ان الزمن عاد الى التحنيط والمكان الى قحولته وجفافه وضيقه حد الاختناق فصار : سراب / رمال / دم . و وبرزت مجددا الثنائيات: الحضور / الغياب ، الفراق ( المغادرة ) / التقاطع ، الاحتراق /الجراح ، الاشتياق / الحصار مما يجعلنا نشعر بقسوة الواقع الخارجي الذي ينعكس على نفسية الذات الشاعرة التي لجات الى استعمال الفاظ صوتية : صرخة /تشقق / ادعو /الصوت يملكني / صاعق ، الفاظ لها وقع على النفس تمنح النص تجسيدا صوتيا ورنينا ايقاعيا يعكس عمق تجربة الشاعرة الانفعالي بتكثيف شعوري دلالي يثير الحزن ويحث على التأمل.. فكل شيء يستحيل الى رماد الى عدم الى زمن بطيء الى الحد الذي يحنط فيه ، و تصبح اللحظة عصرا ، يسود الزمن النفسي خارج الزمن الخطي ، ليفسح المجال للزمن النحوي الذي جاءت جل افعاله في المضارع : يحاصر /تؤوب / يجوس /يحبسني / ادعوك /تاتي /يغمرني / ننضم / يشعلنا ما يعني ان المعاناة والالم والوجع والاسترجاع عبر الذاكرة حاصل ومستمر في الزمن.. وينتهي هذا المقطع بشبح الموت الذي تم تجسيده في مساحة مائية تغمر الذات الشاعرة من جراء الشعور بالالم والفراق والظلم لتصبح الموت الطقس الاكثر حضورا // والحياة الطقس الاكثر غيابا

صراخ يحاصر كل العصافير ..
يحبسني في بكائي معك ..
صراخ على هيئة الذبح ..
من ايقظ القتل في صبحنا ومضى ..؟
بعد مغادرتنا للمقطع السابق الذي كان فيه الايقاع صاخبا يعبر عن التأزم والشعور بالوحدة والانعزال والاضطراب النفسي حد الاختناق وميل كفة طقوس الموت على طقوس الحياة نجد ان الشاعرة تسير بنا الى وجهة الاهتمام بما تسمع من صراخ صادر عن الآخرين في تفتح واضح على معاناة المجتمع الذي تنتمي اليه في تجاوز للشعور بالاغتراب الاجتماعي فلجات الى استعمال عبارة ((صراخ يحاصر كل العصافير)) كلمة العصافير ترمز الى المواطنين البسطاء الابرياء الذين يعيشون حالات صعبة وويلات الحرب الدائرة رحاها وتشفق لحالهم وتعبر عن تضامنها معهم فصراخهم كصراخها على هيئة الذبح الناس تذبح بطريقة غامضة عبثية وتتساءل الشاعرة “من ايقظ القتل في صبحنا ومضى ..؟” سؤال محير طبعا قد نفهم الاجابة عنه في البداية لكن مع مرور الوقت يصبح الحال على شكل فتنة باصطفافات عبثية وايديولوجيات مخربة … مصداقا لقوله تعالى { الفتنة اشد من القتل } ( البقرة : 191) او لقول الرسول ( صلعم ) “الفتنة نائمة لعن الله من ايقظها ” فالفتنة تكون اساس المذابح وحروب الإبادة وهناك ملعونون كلما ارادت الفتنة النوم ايقظوها تجار الحرب والموت …
سيدي : كنت بي ..
كيف تخلعني من مداك
احس تواقيع نزفي على صدرك المتهدج :
شمسا من الثلج ..
تستاف كل خطاي ..
الى عتبات الرضى ..
والصراخ الاليف كما الظما الجاهلي انقضى .
وحشةُُ..
وحشة ..ودم ..
وخطاك الى جسدي كالنعاس الحثيث ..
او الماء في ظما الوهم
مثل ندى البحر ..
ضعت بي .. فالتقينا ..
وغادرتني ..فانتهينا ..
وها انا انني في براح الفرار
نفتش عن جرحنا الازلي ..
لنكتبه ونعود معا ..
كلمة سيدي تستعمل عامة لمخاطبة الاشخاص الذين توجد بيننا وبينهم مسافة او حاجز قد يكون الاحترام او التباعد والشاعرة ربما تعني التباعد فهي تقول انه “كان بها” معناه كان محط اهتمامها وتفكيرها وربما حبها وتجرا على اخراجها من مداه من عالمه ما جعلها تحس بان ما كان لها من تواجد او تواقيع على صدره المتقطع الانفاس صار عندها يشبه برودة ثلج تحاصر كل السبل الموصلة الى عتبات الرضى فقد انتهى ما كان يتبادلانه من كلام حب ومن رغبات ظما جسدي غريزي طبيعي ليتحول الامر الى وحش وانقطاع وبُعد القلوب عن المودات التي قد توصل الى الإنعزال والخلوة رغم ان هذه الوحشة يتخللها الدم الذي قد يعبر عن القرابة او فجيعة دموية مشتركة .. وخطاه الى جسدها شُبّه بالنعاس الحثيث في حرص جاد على عدم التجاوب وغياب اي نوع من الجاذبية
الاحظ انه للمرة الثانية تذكر كلمة النعاس فقد جاءت في المقطع الاول “فراش النعاس “مرتبط بترتيل الفاجعة ، افترض ان هناك علاقة بين التعبيرين وان المخاطب في هذه الفقرة له علاقة ربما بالاثنين معا …
وتشبه خطاه في محاولة اقترابه منها بأنها كالماء في ظمأ الوهم لايسمن ولا يغني من عطش فالنفس والقلب والجسد والروح فقدوا كل رغبة في التواصل ..
وترجع بالذاكرة الى لحظة لقائهما التي شبّهتها بندى البحر الذي انتشر فضاع بها كما يضوع بجميع المارة مايعني ان اللقاء لم يكن لحظة فارقة .. وانه بمجرد ان غادرها نسيته على الفور وانتهت منه وازالته عنها ولادت الى واسع من فرار الى حيث لن يستطيع اللحاق بها فقد احرقت كل سفن التواصل…
لكنها تعترف في القفلة انهما رغم كل ماقيل لازالا معا يجمعهما البحث عن تجاوز جرحهما العميق المشترك الذي الم بهما ، ولعمقه الكبير صار وكانه ازلي لا يمكن تجاوزه زمنيا وبالتالي يبقى احتمال كتابته واحتوائه واردا ، لتتحق عودتهما معا .. كيف ستكون هذه العودة بعد كل ماقيل؟

4 الخاتمة:
وردت لفظة صرخة في النص 6 مرات منها 4 مرات مباشرة ومرتين جاءت في المقطع الاول في فعل رايت تبعتها “شهقة ذائعة” او رايت تبعتها “تراتيل الفاجعة…” الصرخة تعبر كما افترض عن ألم مادي أو معنوي شديد وعميق ولا يمكن التخلص من آثاره بسهولة قد يكون جرحا نازفا لفترة طويلة … جاءت الفاظ اخرى تؤكد ذلك : جرح / نزف / دم / ذبح .. 7 مرات وهي تعبر عن الالم والوجع والجرح النازف.. عندما انتهيت من قراءة النص انتابني شعور بمدى الالم الذي يحتويه ويعبر عنه فقد كانت شحنته العاطفية قوية ومؤثرة وواقعية جدا بتعبير واحساس صادق كتيار جارف عبر موجات متتالية بايقاعات مختلفة صارخة ضاجة واخرى هادئة مهدئة او متوسطة
نحن أمام ملحمة شعرية متعددة الدلال جعلتني أش وكأنني قرات رواية من 5 فصول …..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى