في جدلية الفكرة الشيطانية لفيلم أميرة

يونس العموري | فلسطين

 بداية استنادا لكل ما كتب ولبيانات الحركة الوطنية الاسيرة ولموقف أهالي الاسرى ذاتهم وتحديدا لزوجات الاسرى ، وانطلاقا من اراء الكثير من النقاد الحرفين العاملين في مجال الصناعة السينمائية ، وبيان اسرة فيلم اميرة ، ولبيانات الجهات الرسمية وغير الرسمية ذات العلاقة والشأن بقضية الاسرى ، لابد من توضيح بعض الحقائق التي باعتقادي قد تم اغفالها بتناول موضوع فيلم (أميرة) المزعج والمؤلم ، حتى وان كان هذا الفيلم مصنوعا بحرفية فنية عالية على حد تعبير الذين شاهدوا الفيلم ، هذا الازعاج قد جاء نتيجة لتناول واحدة من القضايا المقدسة لدى الكل الفلسطيني والمتمثلة بالأسرى بطريقة بعيدة عن الواقع في واحدة من اخطر واعقد القضايا والإبداعات في قلاع الأسر الامر الذي جعل من الحركة الوطنية الأسيرة إطارا من ابرز روافد العمل الوطني حيث استطاعت ان تحتل مكانتها غير القابلة للنقاش او التأويل في تشكيلات الحركة الوطنية الفلسطينية على مدار سنوات الصراع مما يعني ان الاسرى ذاتهم كان لهم الدور، والدور الكبير في منظومة العمل الوطني وتجربتهم قد اثرت العملية النضالية وكان لهم الدور الكبير في كافة مراحل العمل النضالي التحرري منذ البدايات حيث القادة والكوادر الوطنية الذين تقدموا صفوف العمل الكفاحي وكان لهم الفعل الأبرز في صناعة القرار الوطني الفلسطيني عموما ، وعلى هذا الأساس لابد من الإشارة الى ان تناول قضايا الاسرى ومعايشة الاسر فيه الكثير من التفاصيل التي لا يجوز اغفالها و تشويهها حيث ان هناك مجتمع كامل متكامل يحافظ على كينونته في سجون الاحتلال له معاييره ومقاييسه ومنظومة قوانين ومفاهيم كانت وما زالت الأساس التي تستند عليه الحركة الوطنية الأسيرة في صمودها امام وحشية وصلف السجان الهادفة الى إحالة السجون الى أماكن يتم فيها افراغ الأسير من محتواه الوطني النضالي وارتباطه بالعملية النضالية الدائرة رحاها وعلى مختلف الصعد والمستويات وهي بالأساس معركة الوعي والهوية الوطنية الحضارية حيث خاض الأسرى معاركهم لتثبيت الهوية الوطنية للأسير الفلسطيني والحفاظ على كينونته الإنسانية ، وكان ابداع الاسرى في كل محطات الأسر تنطلق من قاعدة الهوية الوطنية لهذا الأسير واثبات ذاته وعدم انهياره كانسان أولا واخرا ، من هنا جاءت التراكمات الإنتاجية للحركة الوطنية الاسيرة الثقافية والفكرية وتلك السياسية المتصلة بالعملية السياسية الفلسطينية سواء أكانت ما لها علاقة بالأمور الداخلية او تلك المتصلة بتفاعلات القضية الفلسطينية على المستويات الدولية والإقليمية وهم جزء اصيل من تشكيلات القيادة الفلسطينية الرسمية التي كانت على الدوام تأخذ برأي قادة الأسرى بكل الشؤون الفلسطينية ولا ننسى بهذا السياق على سبيل المثال وثيقة الوفاق الوطني التي خرجت من رحم قلاع الأسر وشكلت خارطة طريق إبداعية وطنية للخروج من حالة الانقسام الوطني الفلسطيني وشرذمة الواقع الراهن الفلسطيني . ولا نستطيع ان نتنكر او ننكر الإبداع الثقافي الفكري للأسرى والذي شكل علامة فارقة في مضامين العمل الثقافي الفكري الفلسطيني.

وبالعودة الى قضية فيلم (اميرة) فقد قفز هذا الفيلم عن ابداعات الاسرى بما يتصل بشؤون قضاياهم الحياتية وتناول قضية النطف المحررة بنوع من الاستخفاف بذريعة انه من محض الخيال كما جاء على لسان مخرج الفيلم الذي اعتبر ان قضية الفيلم حساسة، وكان من المفهوم تماماً لأسرة الفيلم حساسية قضية تهريب النطف وقدسية أطفال الحرية ولهذا كان القرار بالتصريح بأن قصة الفيلم خيالية ( وفقا لادعاءات المخرج )  ولا يمكن أن تحدث، فالفيلم ينتهي بجملة تظهر على الشاشة تقول (منذ 2012 ولد أكثر من 100 طفل بطريقة تهريب النطف. كل الأطفال تم التأكد من نسبهم. طرق التهريب تظل غامضة) لم تترك أسرة الفيلم الأمر للتأويل، بل أكدت بهذه الجملة أن الفيلم خيالي وأن طريقة التهريب الحقيقية غير معروفة، بل إن عمر البطلة في الفيلم 18 عاماً يتنافى منطقياً مع بداية اللجوء لتهريب النطف في 2012″.

اذن السؤال المشروع هنا ما الهدف من الفكرة الخيالية هذه …؟؟  التي اعترف صُناع الفيلم ان لها حساسية كبيرة، ام ان فكرة الفيلم تريد التشكيك بالهوية الفلسطينية وطرح الخيارات والاختيارات وهل من المقبول التشكيك بنجاح الاسرى في تحرير النطف وإنجاب أطفال الحرية دون دنس سيخدم قضية النقاش على الهوية الفلسطينية والاختيارات الذي يطرحها الفيلم بنهايته…؟؟

ان هذا الفيلم وبشكل غير مباشر وان كانت فكرته خيالية قد شكك ببطولة الأسرى وابداعهم غير المسبوق بإنجاب الأطفال، ويشكل أيضا عدم الاعتراف بهذا الابداع، الأمر الذي يخدم الاحتلال في هكذا جدلية، ويخدم اجهزته ويقلل من أهمية هذا الإنجاز، كما ان هذا الفيلم قد جاء خارج السياق في محاولة واضحة للإساءة للفلسطيني عموما وانه قد يختار هوية العدو بدل هويته، حيث انه وبمجرد طرح هذا الخيار والاختيار في ظل الواقع الفلسطيني الراهن انما يلقى بشكوك كبيرة حول الأهداف الحقيقية لفيلم.

مما لا شك فيه إن الفيلم يمس بشكل واضح بقضية هامة من قضايا شعبنا ويضرب روايتنا الوطنية والنضالية، ويسيء بطريقة لا لبس فيها إلى تاريخ ونضالات الحركة الأسيرة الفلسطينية وأن تناول قضية نطف الأسرى المهربة في فيلم بهذا الشكل وبهذا الأسلوب من الهبوط الفكري والسلوك الذميم، والتوظيف السيئ للفن والإعلام لا يخدم سوى الاحتلال ولا يسيء إلا لصاحب فكرته والمشاركين فيه والقائمين عليه ، وليس ادل على ذلك سوى تبرأ أصحاب الفيلم منه والقفز من سفينته ووقف عرضه وسحبه من التداول ، وهو ما يؤكد شيطانية الفكرة وصعوبة الدفاع عنها.

اما فيما يتصل بالآراء المدافعة عن عرض الفيلم بذريعة حرية الراي والتعبير لابد من القول  هنا ان ثمة الكثير من القضايا لا تحتمل بالأساس حرية الرأي والرأي الأخر، ولا يجوز اخضاعها للرأي الأخر بصرف النظر عن حرية الرأي والتعبير مع احترامي ودفاعي عن الرأي الأخر دائما ، لكن هذا الرأي لابد له ان يظل في الإطار الوطني الجامع ، بمعنى انه لا يمكن قبول النقاش او تقبل الرأي الأخر الذي يُخرج ذاته عن المفاهيم الوطنية ومنظومة الثوابت الوطنية الفلسطينية التاريخية كأن نتقبل فكرة نقاش ان هذه الأرض ليست فلسطينية الهوية والانتماء وعروبية الجذور، والخيانة هنا لن تصبح وجهة نظر وان جاءت على شكل الرأي والرأي الاخر، وهو ما نشهده في الكثير من الأحيان من خلال ما يسمى حرية القول والتعبير والتصريح حول مسلمات القضايا الوطنية المتصلة بالثوابت التاريخية ..

كما ان هناك من ذهب بتناول موضوع الفيلم والدفاع عنه من زاوية واقع زوجة الأسير واضطهادها  بهذا السياق وهو الامر غير المعقول أصلا،  حيث ان زوجة الأسير هنا هي الركن الأساسي في تجربة الانجاب بل ان قرارها هو حجر الزاوية لإتمام العملية ، ولا يمكن ان يتم فعل الانجاب بواسطة النطف المحررة الا من خلال موافقتها بكامل ارادتها وحريتها ، وبالنهاية فرحم الحياة للنطف المحررة هو رحمها وهي التي ستمنح الحياة من جديد، وتصوير زوجة الأسيرة وكأنها المرأة الخاضعة والمغلوب على امرها ، لا يقبله منطق في ظل ما نشهده ونراه على مدار سنوات الصراع مع الاحتلال حيث شكلت زوجة الأسير السند الفعلي لزوجها  الأسير ولحماية صموده وسطرت  صمودا منقطع النظير لا يمكن وصفه او معايشته ، بالتالي برجاء من يريد ان يسلط الضوء على معاناة  زوجة الأسير ان يبتعد عن تسخيفها واخراجها من سياقها الطبيعي كمرأة فلسطينية صابرة صامدة شريكة زوجها الأسير القابع في سجون الاحتلال والمحافظة على اسرتها وحمايتها ورعايتها من استهداف الاحتلال واسقاطاته.     

  ان التبرير الذي حاول المخرج الدفاع فيه عن فكرة الفيلم من خلال النطف المحررة باعتبار أن الحبكة الدرامية الخاصة بالفيلم بتغيير النطف (بين الأسير الفلسطيني والجندي الإسرائيلي) جاءت لتطرح سؤالاً وجودياً فلسفياً حول جوهر معتقد الإنسان وهل سيختار نفس اختياراته لو ولد كشخص آخر، ان هذه النقطة لا يمكن ان يعتد فيها بالدفاع عن مرامي الفيلم ، وكان من الممكن اختيار قضية أخرى للإجابة عن هذا السؤال الفلسفي الوجودي بعيدا عن ابداع الاسرى فيما يخص تحرير النطف وانجاب الأطفال التي تعتبر بكل المقاييس اعجازا كبيرا وعظيم وظلت هذه العملية سرية غامضة لا لشيء الا لكونها متغيرة الأساليب والوسائل ، لا ان يتم التشكيك بها وبجدوها الوجودية وبالتالي اثارها النفسية والاجتماعية على ذات الأسير  وعائلته وبالتالي مجتمعه. 

وما الجدوى من طرح هكذا تساؤلات في ظل الصراع العربي الإسرائيلي الوجودي …؟؟؟  وهل المقصود هنا أنسنه الاحتلال …؟؟ ام التشكيك بالرواية الفلسطينية العربية الوجودية أيضا …؟؟ وهل من الممكن ان نشهد خيارات واختيارات للإجابة عن التساؤلات الفلسفية الخيالية والتي ستحتمل كافة الإجابات الممكنة، وغير الممكنة، ام ان صناعة الأفلام العابرة للمهرجانات تتطلب هكذا اطروحات …؟؟  بهدف الوصول الى السجادة الحمرا للأوسكار او هكذا كان الاعتقاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى