الوعي الديني وكتب التفاسير
د. خضر محجز | فلسطين
كثيراً ما يبدو لي أن من أهم أسباب تشويه الدين كتب التفاسير هذه، للأسباب الآتية:
1ـ لأن من يقرأها، مهما بلغ علمه، فلن يكون سهلاً عليه أن يتذكر دوماً، مع كل حرف يقرأه، أنه إنما يقرأ كلام بشر، لا كلام الله. فكيف يمكن لرجل بسيط أن يفهم أنه ليس كافراً، ما دام كاهن يقول له: قال تعالى: ما سلككم في سقر؟ قالوا لم نك من المصلين. ثم لا يكمل الآيات، على طريقة (ولا تقربوا الصلاة)؟
2ـ لأن هذه الهالة التي أحاطت بكتب التفسير، هي كذلك من الكهنوت: فقد تعودنا على سماع رجال الكهنوت الديني، يقرأون علينا الآيات من القرآن، ثم يتبعونها بقولهم: قال ابن كثير أو ابن جرير أو ابن مش عارف مين… مما يوحي للبسطاء ــ وأغلب المستمعين بسطاء ــ أن هذا هو مراد الله، ومن خالف فقد كفر!. وبذا يكون الكاهن قد فرض على الناس كلامه، وجعله بمستوى كلام رب العالمين. فكم مرة سمعنا الخطيب يقول: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، ثم يتبعها بتفسير ــ ينقله من شخص كسيد قطب أو المودودي أو حتى من بعض الخوارج ــ يكفر كل المسلمين، الذين هم الآن حاضرون ويستمعون!.
3ـ لأن هذه الكتب مزدحمة بالإسرائيليات، بل وتشرع نقل الإسرائيليات ــ كما يفعل ابن كثير في مقدمة تفسيره ــ وتبثها بين الناس، فتملأ أدمغتهم بحكايات سخيفة عن أفعالٍ لأنبياء لم يفعلوها. ويكفينا في ذلك أن نسمع أن اسم زوجة العزيز هي زليخاء، وأنها أخلصت في عشق يوسف، فاعترفت بذنبها، فقتل الله زوجها، ثم أعاد خلقها صغيرة بكراً، لتتمتع بوصال يوسف. وهي قصة حب غرامية لا تليق بكتاب الله، ولا بنسبتها إلى نبي كريم ابن نبي كريم ابن نبي كريم (القرطبي في تفسير سورة يوسف).
4ـ لأن هذه الكتب مزدحمة بما تزعم أنه أسباب النزول، وهي أحاديث في غالبها منسوبة إلى الرسول. مع أنه لم يصح من أسباب النزول كثير، بل أغلبه موضوع وضعيف وسخيف، مع استثناءات نادرة. ولقد أفك من ظن كتاب السيوطي (أسباب النزول) كتاباً صحيحاً.
5ـ لأن هذه الكتب تتخفف في نقل أسانيد الكلام، حين يكون منسوباً لأحد الصحابة، وبالتالي نحن نقرأ أن ابن عباس قد قال في معنى آية كذا وكذا، مع أنه لم يقل. ويكفينا في هذا سخفاً ما نقلوه عن ابن عباس، في تفسيره لمعنى قوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) إذ قال: إن الله قد أنزل القرآن ــ في رمضان كله مرة واحدة ــ إلى بيت في السماء الدنيا يقال له (بيت العزة)، ثم أخذ بعد ذلك ينجمه على نبيه مفرقاً حسب الأحداث. (ابن كثير في تفسير سورة القدر).
6ـ أما في نقلها عن التابعين والسلف، فكثيراً ما تنقل كتب التفسير أقوالهم دون أسانيد منذ البداية، وبالتالي هي تنقل كلاماً لا دليل على صحته، يأتي البسطاء ليقرأوه فيظنوه معنى كلام رب العالمين. ويكفيك في ذلك أن ترى كيف يقولون ابن عباس ــ دون سند ــ في تفسير قوله تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها): “والصحيح أنه علمه أسماء الأشياء كلها: ذواتها وأفعالها ــ كما قال ابن عباس ــ حتى الفسوة والفُسَية” (ابن كثير في تفسير سورة البقرة).
7ـ لأن هذه الكتب كثيراً ما تتجاوز المنهج العلمي حين تشرح معاني اللغة، فكثيراً ما تنقل عن اللغويين شواهد مصنوعة لا أساس لها، فتفسر الكلام بطريقة خاطئة، لا لشيء إلا لرغبة المؤلفين في عدم الظهور بمظهر من لا يعلم كل شيء، حيث يوردون كلاما سخيفا مما يقولون إنه أشعار الجاهليين من مثل:
إن أباها وأبا أباها
قد بلغا في المجد غايتاها
وذلك في تأويلهم الإعرابي لقوله تعالى: (إن هذان لساحران) استجابة لقواعد سيبويه التي وضعت فيما بعد، فيجعلون القرآن ــ النازل بأفضل اللغات ــ يلجأ إلى لغة رديئة من لغات أوزاع العرب، هي لغة بني الحارث بن كعب، الذين يجعلونهم يرفعون المثنى ويجرونه ويفتحونه بالألف في كل الأحوال.
8ـ لأن هذه الكتب تزعم علم ما نهى الله عن البحث عنه، أو ما لم يأبه به الله، فتقدم روايات من المساخر، من مثل ما نقرأه من أن يهوديا سأل رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ عن أسماء الكواكب الأحد عشر، التي سجدت ليوسف في رؤياه، فأجابه النبي بأسمائها، بعد أن نزل عليه بها جبريل عليه السلام: (جربان، والطارق، والذيال، وذو الكنفات، وقابس، ووثاب، وعمودان، والفليق، والمصبح، والضَّروح، وذو الفرغ، والضياء، والنور) وما شاء الله من هبل هؤلاء الوضاعين على رسول الله.
ووالله عن هذا السؤال ليشبه أن تسأل أحدهم عن حجم البيضة التي باضها ديك العرش، الذي ذكرته جنوب الحميرية في رثاء الأمير شبيب! كما والله إنني لا أعرف كيف صارت الكواكب، في هذا النقل ثلاثة عشر، مع أنها في النص القرآني أحد عشر، إلا أن يكون الوضاع قد نسي ما قاله في البداية، فأدرج الشمس والقمر في الكواكب! (انظر تفسير الطبري لسورة يوسف).
9ـ لأن هذه الكتب كثيراً ما تنقل لنا رواية التوراة، فتسيء إلى الأنبياء الذين عصمهم الله. وهذا ناتج كذلك عن الرغبة في قول كل شيء. حتى لو كان سخيفاً. مثال ذلك ما ينقلونه من الرواية التوراتية، التي تنسب الكذب إلى الأنبياء، وتفاصيل الأكاذيب المزعومة التي كذبها خليل الله أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام. (انظر تفسير ابن كثير للآية 89 من سورة الصافات)
10ـ لأن هذه الكتب كثيراً ما تطعن في صحة نقل القرآن إلينا، حين تخوض في علوم لا يحسنها صاحب التفسير، من مثل نقل الطبري عن أمنا عائشة أنها قالت إن في القرآن خطأ نحوياً وقع من كاتب نص المصحف، في قوله تعالى: (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيماً) في الإشارة إلى كلمة (والمقيمين) التي كان يجب أن تكون (والمقيمون) حسب ما يرى ــ النحوي الفاشل ــ واضع هذا الكلام على لسان أم المؤمنين. (انظر تفسير الطبري لسورة النساء/162).
فلا حول ولا قوة إلا بالله