أنماط الشعر الشعبي العُماني

د. سعيدة خاطر الفارسي | شاعرة وناقدة عُمانية

الشعر الشعبي هو كل شعر يعود إلى شعب ما يحمل سمات لغة ذلك الشعب الصوتية، وخصائصه اللغوية، ويحكي لسان حالهم وقضاياهم الحياتية، ويستدل منه على الأصل الجُغرافي لقائله من طبيعة اللهجة التي يتحدث بها الشاعر، وهو شعر يكتب باللغة المحكية المُغايرة للفصحى، وعادة ما يطلق على الشعر الشعبي بأنَّه الشعر العامي الذي يتحدث به العامة لكنني أرى أن الشعر الشعبي لم يعد عاميًا، فليس هو الشعر الذي يكتبه العامة، ويوجه للعامة فقط؛ بل لقد أصبح الشاعر الشعبي مثقفا متعلما وحاصلا على أرفع درجات التعليم ومن ثم فهو ناقد وأديب وقارئ للثقافة بشكل عام ومستفيد من تطورات الشعر الفصيح وقضاياه الفنية.

وبعد تحديد المقصود من الشعر الشعبي العماني، رأيت أنه يتنوع بين ثلاثة أنماط..

أولا: الشعر الشعبي الغنائي: وهو شعر مُرتبط بالفنون العمانية الغنائية، ونستطيع أن نطلق على هذا الشعر بالذات أنه شعر عامي، لأنه يخرج من العامة ويوجه للعامة، نظرا لارتباطه العميق بالمفردة النابعة من بيئته، ويبدو أنه يولد ملحناً لارتباطه بالغناء، وأمثلته في عمان كثيرة، مثل، فن اتشحشح، وأمبم، وبوعبادي، وأبو الزلف، والويلية، وفن الدان دان، المسبع، وفن الزفة والمناني، وفن الشرح، والميدان، وفن زفة العروس، فن المغايض، والمزيفينة، وفن الحمبورة، فن التعويبة للنساء، وفنون المنطقة الجنوبية الغنائية مثل: الطبل والربوبة والبرعة والهبوت وفنون البحر مثل الشبانية حتى فنون الجبل دبرارات، والنانا، والمشعير. وكل هذه الفنون تخرج أشعارها بلحن مغنى أو بإيقاع معين.

ثانيا: الشعر النبطي: يكتب الشعر النبطي بلهجة واحدة لا يستطيع أحد مخالفتها أو الخروج عن مسارها، ويتكون من شطرين متوازنين تمامًا، وينتهي الصدر بقافية واحدة وينتهي العجز بقافية موحدة أيضًا لكن مختلفة عن قافية الصدر، وتُعدّ لهجة أهل نجد الأصلية اللهجة المعروفة للشعر النبطي، وينتشر ذلك النمط من الشعر في منطقة نجد والبادية والخليج العربي وبعض أجزاء من بادية الشام مثل الأردن، وكذلك في سيناء.

ثالثا: الشعر الشعبي الحديث؛ لأن الشاعر الشعبي لم يعد عاميا متوجها بشعره للعامة فقط، دخل التحديث للشعر الشعبي وتغيرت أشكال كتاباته لدرجة أن بعض الشعراء الشعبيين العمانيين قد تخلوا عن الشعر العمودي القائم على الشطرين وكتبوا الشعر الشعبي على نظام التفعيلة، واجتاحت السردية كثيرا من كتاباتهم، وهذا الأمر ساروا به ذكورا وإناثا في عمان، بل وكتب بعض المحدثين المجددين للشعر الشعبي قصيدة النثر الشعبية، ولو كانت على استحياء، إلا أنه تجديد لا يُمكن أن نتخيله لو كان الشعر الشعبي يوجه للعامة فقط ويقتصر على الشفوية في التلقي؛ بل تطور الأمر لكتابته في ديوان شعري. مكتوب فقط وغير منطوق كما حدث في فترة ما، من ملازمة ديوان الشعر الشعبي بتسجيل صوتي للشاعر حتى يفهمه من لا يجيد اللهجة، ونستطيع أن نطلق على هذا النوع من الشعر، الشعر المتغير المتحول لأن قائله يحاول أن يرتقي به حتى وصل إلى ما يعرف باللغة البيضاء أي المفهومة من الجميع، والمقتربة جدا من الفصحى في المفردة، لكنه متخليا عن قواعد الفصحي النحوية فقط.

وهكذا وجدتُ في الشعر الشعبي العماني مناخات متعددة ساعدت على تنوع وإثراء المشهد الثقافي للشعر الشعبي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى