خذوا المناصب والمكاسب لكن خلّوا لنا الوطن
جميل السلحوت | أديب مقدسي
لقاء وزراء خارجيّة أمريكا، اسرائيل، مصر، المغرب، الإمارات والبحرين في النقب يوم 27 مارس 2022، يعيد إلى الأذهان التّاريخ الأسود لأنظمة عربيّة مهّدت وساهمت في إقامة دولة اسرائيل، وكان لها دور في قهر الشّعب الفلسطينيّ، وتسهيل الهجرات اليهوديّة إليها، تماما مثلما ساهمت في تهجير الشّعب الفلسطيني من دياره وأرضه في النّكبة الأولى وبعدها.
ويبدو أنّ زيارة الرّئيس المصريّ أنور السّادات لإسرائيل في العام 1977 وما تبعها من اتّفاقات كامب ديفيد، وإخراج مصر من دائرة الصّراع، لم تكن اجتهادا من السّادات ونظامه، وإنّما بتخطيط مدروس مع أنظمة عربيّة أخرى في الخفاء تنفيذا لتعليمات أمريكيّة، رغم المقاطعة العربيّة العلنيّة لنظام السّادات، ونقل مقرّ الجامعة العربيّة لتونس، وذلك بسبب أنّ الظّروف السّياسيّة لم تكن مهيّئة لإعلان ذلك، تماما مثلما لم تكن اتّفاقات التّطبيع وما يسمّى “سلام أبراهام” التي أبرمتها بعض الأنظمة العربيّة مثل الإمارات، البحرين والمغرب عفويّة وبنت حينها، فتطبيع العلاقات المجّاني مع اسرائيل في ظلّ استمرار احتلالها للأراضي العربية المحتلة منذ حرب حزيران 1967، بدأ سرّا قبل عشرات السّنين، وقد صرّح بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل السّابق أكثر من مرّة ” لدينا علاقات سرّيّة رائعة مع دول عربيّة، وقد مللنا من عدم الإعلان عنها”! وعندما طرح الملك السّعوديّ عبداالله بن عبد العزيز عام 2002 “مبادرة السّلام العربيّة” أثناء ولايته للعهد، صرّح نتنياهو أنّ في هذه المبادرة نقاطا إيجابيّة، وكان يقصد البند الذي ينصّ على إقامة الدّول العربيّة والإسلاميّة علاقات مع اسرائيل، مع تناسيه لما قبلها وهو انسحاب اسرائيل من الأراضي العربيّة التي احتلّت في العام 1967، وإقامة دولة فلسطينيّة عليها. وقد واصلت حكومة نتنياهو بشكل مكثّف مصادرة الأراضي العربيّة في الضّفّة الغربيّة وجوهرتها القدس، ومرتفعات الجولان السّوريّة، دون أن تكترث بتصريحات الشّجب والإستنكار العربيّة، لأنّه كما يبدو كان يتفاوض مع أنظمة عربيّة بتنسيق أمريكيّ، مصحوبا بتهديدات اسرائيليّة أمريكيّة، للوصول إلى “سلام أبراهام” المجّانيّ، أو اسقاط الأنظمة التي تعارضه، ومن هنا أعلنت كونداليزيا رايس من بيروت عام 2006 أثناء الحرب على لبنان للقضاء على حزب الله اللبناني، المشروع الأمريكيّ “الشّرق الأوسط الجديد”، لإعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفيّة”سنّي-شيعيّ” متناحرة، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعيّ، والذي تتعدّى أطماعه حدود فلسطين التّاريخيّة بكثير، وقد سبق ذلك عام 2003 احتلال العراق وتدميره وقتل وتشريد شعبه وهدم دولته بناء على أكاذيب أمريكيّة بأنّ العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، وسبقها إشعال نار الفتنة في الجزائر بين عامي 1992 و2002، والتّي سمّيت بالعشريّة السوداء والتي حصدت أرواح أكثر من مئتي ألف جزائري عدا مئات آلاف الجرحى، وما تبع ذلك من تقسيم السّودان، وما عرف “بالرّبيع العربيّ”، وإشعال الفتنة في ليبيا وإسقاط نظام القذّافي، ثمّ إشعال الفتنة في سوريّا، والعراق، ثمّ الحرب الظالمة منذ العام 2015على اليمن، وجميع هذه الحروب بالوكالة كانت بتخطيط أمريكي -اسرائيلي وبتمويل عربيّ. ورافق ذلك اعتراف الإدارة الأمريكيّة في عهد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السّفارة الأمريكيّة إليها، ثمّ اعترافها بالجولان السّوريّة المحتلة كجزء من اسرائيل، ورافق ذلك إغلاق مكتب منظّمة التّحرير في واشنطن، وقطع المساهمة الأمريكيّة في وكالة غوث اللاجئين، ومحاصرة السّلطة الفلسطينيّة، وانسحاب أمريكا من اليونسكو ومن منظّمة حقوق الإنسان وغيرها من المنظّمات الدّوليّة؛ لاتّخاذها قرارات بإدانة اسرائيل، إلى أن وصلت الأمور إلى اعلان ما يسمّى “صفقة القرن”، وهي عبارة عن إملاءات نتنياهو على ترامب، فجميع بنودها وردت في كتاب نتنياهو الصادر عام 1994 والذي ترجم الى العربيّة تحت عنوان “مكان تحت الشّمس”!
كلّ ذلك جاء في إطار تنفيذ المشروع الأمريكيّ”الشّرق الأوسط الجديد”، وتحت تهديد الأنظمة التي تحتمي بأمريكا بدلا من احتمائها بشعوبها، إذا خرجت من عباءة الطّاعة لأمريكا. ولم يقتصر الأمر على الأنظمة التي طبّعت علاقاتها مع اسرائيل علانيّة، بل تعدّتها إلى أنظمة أخرى لم تعلن تطبيعها على الملأ، ومن المضحك أنّ أنظمة عربيّة اعتبرت قرارات المطّبّعين المجّانيّة العلنيّة قرارات سياديّة! لكنّ المطبّعين علانية، وشركاءهم المطبّعين في الخفاء لم يكتفوا بالتّطبيع فقط، بل تعدّوه إلى التّنسيق الإستخباراتي والعسكريّ مع إسرائيل وأمريكا انتظارا لحرب قادمة مع ايران.
وجاء لقاء وزراء الخارجيّة في النّقب لبحث ما يعتبرونه الخطر الإيرانيّ، وإمكانيّة إيران لإنتاج أسلحة نوويّة، أي أنّ الأنظمة العربيّة المشاركة في اللقاء ترى الخطر المزعوم قادما من إيران، بينما اسرائيل دولة مجاورة وصديقة وشريكة، وأنّ سلاحها النّوويّ لا يشكّل أيّ خطر على البلدان العربيّة وشعوبها، ولا يرون في احتلال اسرائيل للأراضي العربيّة أيّ خطر على أمن المنطقة واستقرارها.
وإذا كان الهمّ الأوّل لكنوز أمريكا واسرائيل في المنطقة هو البقاء على كراسي الحكم التي نخرها سوس الخيانة، ونهب “المناصب والمكاسب” فهل يدركون أنّهم يفرّطون بأوطانهم وشعوبهم، مع الإعتذار للمطرب التّونسيّ لطفي بشناق، صاحب أغنية”خذوا المناصب والمكاسب لكن خلّوا لي الوطن”. وهل انتبهوا كيف تخلّت أمريكا عن عملائها في أفغانستان وفي أوكرانيا؟