شيرين أبو عاقلة وميزان الشعب الصادق
فازع دراوشة | فلسطين
تبلورت فكرة مقالي هذا بعد ساعات من استشهاد شيرين رحمها الله تعالى، وذلك بعد متابعتي لردود الأفعال العاجلة والعفوية والصادقة سواء أكانت شعبية- وهذا هو الأهم- أم رسمية، وهذا أمر له دلالة. تلك الردود التي أجمعت على الإشادة بشيرين.
وأجلت الكتابة أياما.
وفي أثناء ذلك كنت أفكر في الأسباب التي دفعت الناس باختلاف مستوياتهم العلمية والثقافية وغيرها، للإشادة منقطعة النظير بالمرحومة شيرين، ولن أكرر الحديث عن الجنازة الماراثونية اللائقة التي حظيت بها الأستاذة شيرين والمحطات التي توقفت بها لتختتم بعد ظهر الجمعة 13 أيار الجاري. وشاء الله، أن يظهر غباء العدو ولؤمه وطغيانه وتعديه على الأموات والأحياء بمشهد اعتداء جلاوزة العدو بالضرب لحملة نعش الراحلة المميزة.
لقد خدمت شيرين قضية شعبها حية وميتة خدمة لم يحققها كثير من أبناء شعبها، ومن يشك بذلك فليتابع الإعلام العالمي والعربي والفلسطيني، وأكدت قصة استشهاد شيرين وما تم بعد ذلك، وما سوف يتم أن وجدان الشعب صادق وإحساسه صادق أيضا. ووجدان الشعب هذا والتفافه لا يناله كثير من الذين يحسبهم الناس في صفوف “الوطنيين “.
ولعل أبرز الأسباب التي جعلت من الناس يمجدون هذه الإعلامية المناضلة من وجهة نظري:
1. إتقان العمل: فلقد أجمع كل من تحدث أو كتب عن الراحلة شيرين على إتقانها عملها والانتماء له سواء أكان هؤلاء من العرب أم غير العرب، ومن الفلسطينيين أم غير الفلسطينيين، ومن متابعي الجزيرة ومحترميها أم ممن يهاجمونها جهلا وتعصبا وببغاويا.
وبإتقانها عملها تكون الراحلة شيرين قد طبقت فعلا لا قولا حديث سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم-: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”. وهو مبدأ راسخ في العقيدة الإسلامية رغم عدم الالتزام به من طرف كثير من “المسلمين”. ويكون الشعب دائما خير من يميز متقنا عمله من غيره وعرف الشعب بفطرته أن شيرين- رحمها الله- من الصنف الأول.
شاهدتها عن قرب صباح يوم الاثنين: 15 تشرين الأول 2018 في ساحات مدرسة الساوية/ اللبن الثانوية، حيث كان الجيش الإسرائيلي قد فرض إغلاق المدرسة، وتم التصدي لقراره وعدم الإغلاق، وتواجدت الجزيرة لتغطية الحدث، وكانت شيرين (مايسترو) العمل تركض لهذه الجهة، وتقفز من هذا المكان إلى ذاك، وتعمل اللازم دون جلبة ودون لغة متكلفة ودون ابتذال، ودون سعي لمقابلة مع أحد، وكما نعلم فالجزيرة يسعى الناس إليها لتقابلهم، وليس العكس كما في القنوات البائسات.
ثانيا: ولعل واحدا من الأسباب التي جعلت الشعب الفلسطيني وغيره يمجد شيرين كونها لم تكن مكشوفة الهوية الدينية، والتي يسعى بعض الناس من المسيحيين والمسلمين إلى ديمومة التصريح بها، وقد يقوم باستغلالها أحيانا.
ولقد لاحظت أن كثيرا من الناس لم يكونوا يعلمون أن الشهيدة شيرين كانت من الإخوة المسيحيين. وإن دل هذا الأمر على شيء فإنه يدل على تحييد استعراض الهوية الدينية لأي عامل في المهمة العامة، و لاسيما تلك التي تتطلب التعامل مع فئات الناس كافة.
ثالثا: انتماء شيرين للشعب الفلسطيني، وليس لأيما فصيل من الفصائل التي تملأ المشهد الفلسطيني، وهو انتماء لا يقدره إلا من كان انتماؤه للشعب. فلم يظهر على الراحلة شيرين ما يشي بأنها مع هذا التنظيم أو ذاك، وهذا أمر لا يقدره حق قدره إلا صادقو الانتماء للشعب.
رابعا: قيام الراحلة شيرين بتغطية بقاع فلسطين كافة ما جعلها معروفة لأبناء الشعب كافة، ولاسيما التلقائيين منهم والصادقين والعاديين.
وربما يجد المرء أسبابا أخرى تدفع كلها باتجاه تمجيد الناس لهذه الإعلامية المحترفة والمحترمة، والتي كان يمجدها كل من تابع تقاريرها بالمؤسسة الإعلامية الأولى عربيا، وربما عالميا، والتي أعطت شيرين كل ما تريد فأبدعت، وأعطت مؤسستها كل ما تستطيع وبصدق واحتراف نادرين. ولقد انضم للتمجيد أناس كانوا لا يفوتون فرصة في مهاجمة غير محقة للمؤسسة التي عملت بها شيرين طيلة ربع قرن تقريبا.
رحم الله شيرين أبو عاقلة، والتي أثبتت قدرة الشعب على ميز المخلصين من أبنائه بوضوح رؤية تام. فميزان الشعب الواعي والصادق والمخلص وغير الموجه هو الميزان الذي قلّما يخطئ.