قراءة في كتاب “همسات وتغاريد”، للكاتبة عدلة شدّاد خشيبون
رفيقة عثمان
صدر كتاب “همسات وتغاريد” للكاتبة عدلة شدّاد خشيبون، عن دار النشر والتّوزيع طباق، فلسطين. احتوى الكتاب على سبع وسبعين صفحة من القطع المتوسّط، من تصميم أيمن حروب، وقدّمت المقدّمة للكتاب الدّكتورة رباب القاسم سرحان. اهدت الكاتبة نصوصها لأمّها وداد واختها فاتنة، كما أطلقت عليهما بأل التّعريف (الوداد، والفاتنة) كما أهدتها لوالدها ولولديها بشير وإميل. إنّ استخدام أل التعريف بالإسمين (الوداد والفاتنة)، ربّما للتخصيص وتعريف بارز للشخصيتين، لما لهما تقدير كبير وأهميّة عظيمة في نفس الكاتبة.
من الممكن تصنيف هذا الكتاب ضمن نصوص نثريّة، فيها من البوح الذّاتي، وفقسّمت الكاتبة هذا الكتاب إلى ثلاثةٍ وثلاثين عنوانًا؛ إنّ قراءة هذه العناوين وما يحتويها متشابهة جدًّا في البوح والطّرح، عبّرت الكاتبة عن مشاعرها الدّفينة، ووظّفت وأطلقت العنان للّغة العربيّة الجزلة والقويّة، وطوّعتها للتّعبير الذّاتي والحزين؛ ودعوة النفس نحو النّهوض بها ودعوتها نحو القوّة، وعدم الاستسلام للضعف والحزن، هذه الرّسالة ظهرت جليًّا في كافّة المواضيع.
برأيي الشّخصي: إنّ تكرار البوح الذّاتي في كافّة المضامين، دون أن تتناول رسائل وأفكارًا متجدّدة، بعيدة عن التمركز حول الذّات، لا تُثري النّصوص الأدبيّة، نحو الإبداع والتّنوّع؛ ممّا تضيف الملل وعدم التّشويق للقراءة.
فصل الخريف كدلالة رمزيّة في النّصوص النثريّة:
استعانت الكاتبة بالظّواهر الطبيعيّة، لتبّث الكاتبة شكواها ومناجاتها، والحنين إلى الماضي “عندما أقف عاجزة عن الكتابة، أكتب بشغف أكثر، أكتب بحرّيّة صارخة، وأكتب بضمير الطّبيعة” بنص نثري عنوانه وصول صفحة 41.
كان لفصل الخريف النّصيب الأكبر؛ حيث تكرّر ذكره في معظم النّصوص، والعناوين؛ كما ورد صفحة 13 ” انا لا أكرهك يا خريف؛ لكن عاصفتك هوجاء وصفير قاطرتك خطير خطير.”. “شكرًا لم أيقظ عاطفتي وتركني أخطّ حنيني على ورقة من ورقات الخّريف.”. ورد أيضًا صفحة 17 بعنوان: خريف في مشاعر ” الخريف أشدّ الفصول ازدحامًا لصفرة الأوراق، وعشق خلوة المكان. فتناثري وتناثري، فتناثرك مبعث للأمل.”. عنوان آخر خريف في كلمات “دخل الخريف من بوّابة الصّمت وقد اعتراه خجل الغربة، إذ كيف لعصافيرها أن تغادر وقد سجّلت اسمها في ملف الحاضرين.” كذلك الخريف احتلّ عنوان صدى الأحلام صفحة 49 ” نسائم الخريف عصفت بأغصان الشّوق ، فكل ما تبقّى هباء للهباء.”. لم تكتفي الكاتبة بتلك العناوين فحسب، بل هناك عنوان آخر ريشة خريف صفحة 71 “هو الخريف يا أمي وأصفره الجميل يعاتبني وبين الاختناق والعتاب، يكون حفيف وفرحة الأشواق.”. عنوان شرود حرف صفحة 71 “كلّ الطّيور المهاجرة يا أمّي تُبشّر بحزنٍ قادم، رغم ربيع في الرّوح.”. وأخيرًا عنوان خريف في كلمات صفحة 21 “دخل الخريف من بوّابة الصّمت وقد اعتراه خجل الغربة، إذ كيف لعصافيره أن تغادر وقد سجّلت اسمها في ملف الحاضرين”.
من الاقتباسات السابقة المتعلّقة بفصل الخريف، نلاحظ الرّمزيّة والدّلالات والرمزيّة الإنسانيّة الّتي تناولتها الكاتبة، في نصوصها النّثريّة؛ لتبثّ أحزانها وحنينها، وخيبات أمل، من خلال هذا الفصل وتغيير ظواهره، لِما له ارتباط وثيق بالمشاعرالحزينة والحنين إلى الماضي، كما جسّدتها الكاتبة، باصفرار وسقوط أوراق الأشجار، وهجرة الطّيور، واختلاف درجات الحرارة، وكل التّناقضات والتّقلّبات الّتي يتحلّى بها هذا الفصل. كما ظهر الارتباط وثيقًا بين العواطف الحزينة وظواهر فصل الخريف في النّصوص النثريّة المُتداوَلة.
فصل الخريف أيضًا يوحي بولادة جديدة، وتمهيد لحياة جديدة ستنمو، فهو فصل الحياة والموت؛ فهذا ما جسّدته الكاتبة خشيبون، الامل والفرح القادم، كما ورد صفحة 52 بعنوان: بطاقتي ليست للبيع ” أنت امرأة كونها بكلّ عنفوانها، غوصي في محيط الأحلام وحلّقي في سماء العطاء.”؛ كذلك صفحة 28 بعنوان برقيّة أيّار ” ما أجمل أوّلكَ يا أيّار، وما أنقى سنابلكِ يا حقول.”. استخلص من تلك النّصوص، على الرّغم من وجود الحزن والشكوى بشكل ظاهر، إلّا أن الأمل نحو التجدّد لمستقبل أفضل فهو حاضر في نفس الكاتبة.
صيغت النّصوص النّثريّة، بصيغة ضمير الأنا، ممّا أضفت على صِدق الإحساس بالعاطفة الحزينة، والّتي تكاد تخلو من الُفرح، النصوص النثريّة تكاد تخلو من الحوار؛ بل اهتمّت بالحوار الذّاتي – (المونولوغ)- وهو الطّاغي على كافّة النّصوص.
نصوص همسات وتغاريد، كتاب بوح ذاتي؛ لمضامين متشابهة، فيه مركزيّة نحو الّات، وبعيدة عن الإبداع، العنوان همسات فهو فعلا يهمس بمشاعر حزينة، ويخلو من التغاريد.