في اليوم العالمي لضحايا العدوان من الأطفال
عبد الناصر فروانة | فلسطين
لم تتوقف قوات الاحتلال منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية عن عدوانها على الشعب الفلسطيني بكل فئاته، فكان هناك الكثير الكثير من الضحايا الفلسطينيين ومنهم الاطفال الابرياء، الذين لم تراع قوات الاحتلال صغر سنهم وبراءة طفولتهم وضعف بنيتهم الجسمانية وحقوقهم الاساسية في الحق والحياة والتنشئة السليمة، فقتلت واعتقلت منهم عشرات الآلاف، وان كان البعض قد تحدث عن من ارتقوا شهداء منهم، فإننا في هذا اليوم -بحكم اختصاصنا- سنتطرق بايجاز الى من زج منهم في سجون الاحتلال الاسرائيلي، فسلبت حريتهم وحرموا من ابسط حقوقهم، ويقدر عدد من اعتقلتهم دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967 بما يزيد عن (50.000) طفل فلسطيني، ذكوراً وإناثاً، دون مراعاة لصغر سنهم وبراءة طفولتهم وضعف بنيتهم الجسمانية، ودون ان توفر لهم الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية والإنسانية، وهؤلاء هم ضحيا للعدوان الاسرائيلي المستمر .
كما لم تحترم القواعد النموذجية الدنيا في معاملة الأطفال الفلسطينيين المحتجزين في مراكز الاعتقال والتوقيف، بهدف تشويه واقعهم وتدمير مستقبلهم والتأثير على توجهاتهم المستقبلية بصورة سلبية وخلق جيل مهزوز ومهزوم.
وواصلت دولة الاحتلال استهدافهم واعتقالاتها لهم دون توقف، كما لم تخلُ السجون الإسرائيلية يوماً من تمثيلهم، حيث جعلت من اعتقال الأطفال الفلسطينيين الملاذ الأول ولأطول فترة ممكنة، بخلاف ما تنص عليه الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وتحديداً اتفاقية حقوق الطفل. وقد سُجل اعتقال (1300) طفل/ة فلسطيني/ة خلال العام المنصرم2021، وهذا يشكل زيادة تصل إلى قرابة 140% عما سُجل خلال العام الذي سبقه2020، فيما اعتقلت سلطات الاحتلال قرابة (500) طفل منذ مطلع العام الجاري، والغالبية العظمى كانوا من القدس المحتلة، ومازالت تحتجز في سجونها ومعتقلاتها قرابة (172) طفلاً .
ويعمد الاحتلال إلى اعتقال الأطفال من منازلهم ليلًا، وأحياناً يتم اعتقالهم وهم يلعبون في الشوارع أو وهم في طريقهم إلى المدارس، ويزج بهم في السجون والمعتقلات، ويُحتجزهم في ظروف سيئة للغاية وضمن شروط حياتية قاسية، ويُعاملهم معاملة لا إنسانية وأحياناً يُعاملهم بقسوة وعنف، ويُحرمهم من أبسط حقوقهم الأساسية، كالحق في التعليم والعلاج والغذاء المناسب وزيارات الأهل دون عراقيل والمحاكمة العادلة وغيرها. كما ويعرضهم لصنوف مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي، فتُنتزع الاعترافات منهم بالقوة وتحت وطأة التعذيب والتهديد، ويعرضون على المحاكم العسكرية الإسرائيلية التي تفتقر لمعايير المحاكمة العادلة والتي عادة ما تلجأ إلى إصدار أحكام عالية وقاسية دون النظر لما تعرض له الأطفال من تعذيب وكيفية انتزاع الاعترافات منهم، أو ظروف التوقيع على الإفادات التي تكون غالباً باللغة العبرية التي لا يجيدها الأطفال، هذا بالإضافة إلى فرض الغرامات المالية، حيث نكاد نُجزم هنا بأن جميع الأحكام التي صدرت بحق الأطفال تكون مقرونة بفرض غرامات مالية باهظة مما يشكل عبئاً اقتصادياَ على الأهل الذين يضطرون لدفعها حرصاً على أبنائهم القُصر وتجنباً لاستمرار بقائهم في السجن. هذا بالإضافة إلى التوسع في اللجوء إلى فرض “الحبس المنزلي” والتي باتت تشكل ظاهرة آخذة بالاتساع وخاصة في القدس، الأمر الذي حوّل مئات البيوت الفلسطينية هناك إلى سجون، وجعّل من المقدسيين سجّانين على أبنائهم القُصّر، تنفيذاً لشروط الإفراج التي فرضتها عليهم المحاكم الإسرائيلية، الأمر الذي يؤدي إلى الكثير من المشكلات الاجتماعية والنفسية لدى الأطفال وذويهم.
ولم يتغير الحال، أو تتبدل ظروف الاحتجاز، منذ انتشار فايروس ” كورونا” في المنطقة في آذار/مارس من العام 2020. كما ولم يطرأ أي تحسن على طبيعة ومستوى المعاملة الإسرائيلية مع الأطفال الفلسطينيين. فالجائحة لم تشفع للأطفال الفلسطينيين من بطش الاحتلال، ولم تدفع إدارة السجون إلى التوقف عن ملاحقتهم واعتقالهم أو تغيير قواعد معاملتها لهم وظروف احتجازهم. كما لم تتخذ الإجراءات اللازمة لحمايتهم أو توفير سبل الوقاية من خطر الإصابة بالفايروس، في تحدي فاضح وصارخ لأبسط قواعد القانون الدولي.
لقد دفع الأطفال الفلسطينيين ثمناً باهظاً، جراء العدوان الاسرائيلي المستمر على مدار سني الاحتلال الإسرائيلي، ومن يقرأ شهادات الأطفال الذين مرّوا بتجربة الاعتقال يُصاب بالذهول والصدمة، ويكتشف أن غرف التحقيق والتعذيب ومراكز الاحتجاز، ليست سوى مسلخ للطفولة الفلسطينية وافتراس لكل ما هو جميل ورائع فيها، وأن كافة سجون الاحتلال ومعتقلاته، هي أماكن لاستهداف براءتهم وتدمير مستقبلهم، وأن حقوق الإنسان وحقوق الطفل الدولية ليس لها مكان على أجندة الاحتلال حينما يتعلق الأمر بمعاملة الأطفال الفلسطينيين، فيما تفاقمت معاناتهم أكثر مع انتشار فايروس “كورونا”، وتضاعفت مع تصاعد الانتهاكات بحقهم واستمرار الاستهتار الإسرائيلي بحياتهم وأوضاعهم الصحية.
إن كافة الوقائع والشهادات تؤكد على أن دولة الاحتلال الإسرائيلي بكل مكوناتها تشارك في استهداف الأطفال الفلسطينيين، في إطار عدوانها السافر على الشعب الفلسطيني ومكوناته المختلفة، ضمن سياسة إسرائيلية ثابتة وممنهجة تهدف إلى تشويه واقع الطفولة الفلسطينية وتدمير مستقبلها.
يذكر ان الجمعية العامة للامم المتحدة قد أعلنت – بموجب قرارها دإط – 8/7 المؤرخ 19 آب/أغسطس 1982 في دورتها الاستثنائية- الاحتفال بيوم 4 حزيران/يونيو من كل عام بوصفه اليوم العالمي لضحايا العدوان من الأطفال الأبرياء، والغرض من هذا اليوم هو الاعتراف بمعاناة الأطفال في جميع أنحاء العالم، وتأكيد التزام الأمم المتحدة على حماية حقوق الأطفال استنادا لاتفاقية حقوق الطفل.
من هنا ندعو الأمم المتحدة الى تحمل مسؤولياتها الإنسانية والقانونية وتوفير الحماية لأطفال فلسطين بشكل عام، وكذلك احتضان ضحايا العدوان الاسرائيلي من الاطفال، الذين تعرضوا للاعتقال والاحتجاز وسوء المعاملة البدنية والعقلية والنفسية جراء العدوان الاسرائيلي المتواصل وحملات الاعتقال المستمرة التي تستهدف وبشكل ممنهج واقع ومستقبل الطفولة الفلسطينية.
اكتب إلى جميل السلحوت