السباعية الحافظية على قيد الحياة.. مابين إبداع قلق توتر وأوجاع مع وقف التنفيذ
د. نجاة صادق الجشعمي | الإسكندرية
الإبداع يجمع بين الكتاب بصورة عامة والروائيين بصورة خاصة، يجمع بين العوالم؛ الافتراضية والخيالية والأسئلةالمرتبطة بشأن الواقع الإنساني؛ لأنه يقدم رؤية جديدة للحياة بعيدا عن الأطر التي تحد من التفكير، فالكتابة بصورة عامة هي امتداد للخيال دون دخول شرنقة النمطية والتقليد ولكن هناك من مزقها وخرج من تلك الشرنقة إلىالتفكير والاختبار والتجريب والحداثة .. فالكاتب متى ماصار مبدعا فلا يتهاوى بل يمتطي صهوة الإبداع ويتسابق، لا لكنس الحروف والعبارات بل يطوف حول القواميس؛ ليعرض لنا متاحف وحلي الإبداع المتأصل والمتجذر بالتراث والواقع الإنساني بعيدا عن التقيدات السائدة والأطر الجاهزة التي طالما حددت فعالية التفكير لدى الكثير الكثير من الكتاب كانوا في يوم ما مبدعين..ومن ظنوا أن الكتابة وظيفة وليس هواية وهوية وجود فالرواية عند الكاتب” السيد حافظ” مثابت للمعطيات الإنسانية والحياتية ومخاض عسير يولد الإبداع والتميز؛ لذلك عندما نتناول أي نص سردي سواء كان (قصة، رواية، مسرحية)، نقرأ أول عشر صفحات نراهن ونحن واثقين أن هذه من نصوص الكاتب السيد حافظ دون أن تقرأ الاسم، قد يرى البعض مبالغة في هذا، لكن للأسف هذا ما هو عليه وهذا ما اتفق عليه جميع الباحثين والدارسين والقارئ المثقف عند قراءته النص في أول قراءة ثم الثانية ثم الثالثة فلا يستطيع أن يتجاوز كلمةأو سطر أو صفحة دون أن يقرأها وهو مندهش من جماليات ومكنونات البناء وأدوات الكاتب الإبداعية مابين التوتر والقلق ((الكاتبة الناقدة شيرين سلامة ))متسائلة وقائلة .. (يا أستاذ حافظ أي لجنة لم تمنحك جائزة، فهذا لأنك تهدم كل المعرفة القديمة لدى النقاد التقليديين…) هنا قد يقفز سؤال ما ..ما الذي يداهم القارئ أو الناقد والباحث والدارس أثناء قراءة نصوص الكاتب السيد حافظ ؟ من الممكن أن نقول ونحن نفترض أن العلاقة بين النص الروائيسنمر بسنوات سبع عجاف مثل سنوات يوسف بن يعقوب عليه السلام، وفي هذا العام الخامس لابد أن نفعل مثل يوسف نبادلهم بالحيوانات وإن وجد القمح، علينا أن نقومبتصنيع جوالات أقل طولا وعرضا وحجما….ونخفي الجوالات القديمة، نحن نفعل بالحلال مثلما فعل يوسف عليه السلام مع المصرين أيام الأزمة مقابل القمح…..هكذا هو الكاتب السيد حافظ يتزاحم تاريخه الإبداعي بالاتجاهات والمشاريع المتعددة وكل مشروع له خصائصه وانطباعه وعصره وآلية بنائه وتطوره فكريا وواقعيا وتصحيح أفكارأوبالأحرى بذر أفكار ثم العودة لهذه الافكار وتنميتها دون انفصالها عن البعض الآخر فهي مشاريع وليدة فكرة ثم أفكار متجذرة بالماضي تلوح في أفق الحاضر بقيم وفن وخلق المجتمع الإنساني توضح مرتسم رؤى ونظريات وآراء مختلفة تماما كما هو سائد الآن من متراكمات انسياقية وراء الترويج والتسابق نحو خيار، لكن هذا لاوجود له في نصوص الكاتب السيد حافظ فهو صاحب التحديات المشحونة بالحياة والانفعالات والإدراك والحس والعودة إلى الأيدولوجية العقلية والإنسانية متمثلة بالحب والعشق للوطن والعروبة، فالحاضر مغيب تماما، الكاتب السيد حافظ تقوده مسيرة الإبداع بالنظر إلى الماضي وما جرى والمستقبل وماذا سيجري فإنناأمام كاتب يبحث بالماضي بخطوات التعافي ويقيم في الحاضر؛ ليسمع ويستبصر وينسخ الأولويات على الورق، لعل في يوم ما تصحو الإنسانية وتتعافى مما هي عليه وتفرغ شحنات قراراتها الهوائية الحزينة إذاأرادت فعلا أن تحيى الحرية وتجتاز التعسف القهري تجاه النخبة المبدعة من الكتاب المهمشين بامتياز …فالكاتب السيد حافظ هنا في (كل منعليها خان) يرى فن الحياة ويرسمه لنا لافتا في رؤيته إمكانية فهم أبو الفنون(المسرح) باعتباره لغة الشعب وهو مرادف لطريقة عيش المجتمع والطبيعة والبيئةوإرادة الفرد تتمثل على مسرح الحياة، وهنا يثبت لنا الكاتب السيد حافظ الجماليات البنائية للرواية متمثلة (المحتوى، الهيكل ،الخبرة، الكفاءة والإمكانية اللغوية، والقيم والأخلاق، والتفوق الإنساني عن أقرانه)…الخ فمنذ الصفحات الأولى نجد العنوان إبداعأدبي فني شارك القارئ في الاختيار علاقة سهر بشهرزاد تمثل السرد الحكائي بذكاء ودهاء ثم حبه للوطن على الرغم مما يظن رغم عشقه له يؤكد خيانته له فهو لا يستطيع التنكر والنسيان والإقصاء فيستنكر العدول عن عشقه. تشاكسه عيناها الجميلتان، تشاغبه الكلمات، والمعاني ،تصير الحروف رمالا، ويصير الجهل موجات ،غواية ،وعشق الجمال عنوانه الورد ليس عطرا بل معنى يداعب الروح. بالجنةأسرار، والعشق أشعار والخيانة بعض من العشق، فهل أنت زانية يا سهر..؟أم عاشقة لرجل آخر..فالحافظ تجاوز التصورات والمعايير وفنيات الكتابة التقليدية يأخذنا إلى الفواصل ليعلن الثورة الصاخبة والتوحد والإبداع المستنير بنور المعرفة والإطلاع باستخدام أسلوب تلفزيوني( فاصل ونواصل) أو( فاصل ونعود) ثم الشخصيات الرواية والتاريخ وتتقد الذاكرة في خيبات السنين عبر الأزمان والحقب التأريخية كذلك أبدع الكاتب في تزاوج المسرح مع الرواية لتكون علاقة شرعية تشكل البنية العميقة للنص الروائي ( المسرواية) كانت دهشة فنية تحمل سياقات ودلالات فتية واهتزازات في البناء السردي للرواية التقليدية النمطية .
تتجاذب الأحداث في رواية (كل من عليها خان) وتتصاعد في نسق متناسق تصاعديا. فيكشف لنا السيد حافظ الفروقات وفهمها ومعاتيها علاقة نيروزي ووجد وكم الخيانات والسلوكيات، ها هو سليم صاحب القهوة كيف خدم الأمن ثم جذبوه داخل السيارة البوكس ودفعوا به داخلها أمام الزبائن..كانتأمه وزارة الداخلية وضباط الشرطة أبوه .. ..هنا تبدو هواجس القارئ والكاتب معا متمثلة بالشخصيات التي يتحاكى معها الكاتب أوتلك التجارب التي اكسبت الكاتب مهارة فن الكتابة وصناعة الحدث تراكم الخبرات الحياتية والمسرحية والتليفزيونية والصحافة والإعلام والتدريس فكل تلك المسميات مهن ومهارات تجلت في نصوص الكاتب الروائية..فالحافظ تبدو حياته الشخصية أكثر غرابة متناقض الشخصية ما بين الواقع والخيال ما بين كونه إنسان وشخصية على الورق في رواية كل من عليها خان تجد أجواء الرواية ومناخها قد يكون سوداوي وبين التواصل مع الأجدادوالأسلاف وأبناء جيله، فتتراخى حبكة الأحداث الخارجية على الرغبات والمخاوف إلى جانب ما ذكرناه سابقا يحكم الحافظ التحكم بالإنطباعاتوالتوهمات التي تغزو الكاتب مثل القلق تجاه العشيقة والوطن والوظيفة الأسرة فجميع تجارب الكاتب تآلفت معا نفسا وإداريا موضحا الخير والشر والضرر والمنفعة اللذين يقيدون السعادة بتلك المتناقضات والجوانب الفكرية فلا يمكن التخلي عن الإتزان والاستقلال العاطفي في هذه الرواية كل من عليها خان يعني لا يمكن الاختزال من العنوان الصادم كل من عليها خان فكيف يقتني المعرفة؟ هل بالتفلسف والاتزان العاطفي وهو ثورة متجمرة من العشق هنا من الضروري نعود إلى مصادر الكاتب المعلوماتية قد تكشف لنا جوانب جديدة عن خلفية الكاتب الفكرية ومنهجه ومدارس أفكاره ورؤيته الإبداعية واقتباس العتبات والعناويين والحوارات التي صاغها الكاتب في ( رواية كل من عليها خان )يقول-: حين اكتب أعشق وحين أعشقأبدع وحين أبدعأبوح أثورأتوترأقلقوأدخل في دور اكتئاب عندما ينتهي العمل كأنني فقدت أهلي أحبابي الذين كانوا معي طوال فترة الكتابة..فلا شيء يوازي متعتي إلا الكتابة وفنجان قهوة وعشق امرأة أهواها وتهواني….هذا لا ينطبق على الجميع، وأحيانا غير صالح للآخرين، فكل كاتب له إنتاجه وصلاحية الإنتاج تعتمد على مذاق وتذوق الكاتب للفنون الأخرى …كما للقهوة مذاق مختلف من شخص لآخر ..الكتابة أيضا لها ميثبات وطرق وأساليب لنسج العمل الروائي..إلاأن العمل الروائي في كل من عليها خان استجواب أحيانا ..(سألني صديق. ما الحل؟ قلت : نهاجر يا صديقي ..هذا بلد معصوب العينين ويحب الجهلاء ويكره العلماء والشهداء والثوار..هاجرياعزيزي. لاتحزن وطنك هو ذاكرتك التي تحملها روحك أينما حللت. هاجر يا صديقي واسرق الفرح من القمر. وبابا شارد وضحكة طفلة في البلاد البعيدة..لاتعد إلى هنا، فهنا الجنون واللصوص وقتل الأحلام السعيدة….) …فلاش باك نعود للسباعية الحافظيةوإلىأحدأجزائها كل من عليها خان التي راهنت عليها الأستاذة الدكتور فايزة سعد_رحمها الله_ بأن في يوم ما سوف يعترف المجتمع الأدبي الثقافي بأن السيد حافظ هو من نهض بالرواية، وهو رائد التجريب في المسرح والرواية، وسوف تدرس وها هي رواية كل من عليها خان تلقى انتشارا واسع النطاق في الوطن العربي عامة، والجزائر خاصة لما تحتوي من ثراء معلوماتي حداثي ما بعد الحداثة، فهي رواية لافتة دسمة للناقد الباحث والدارس البارع تغوص في أغوار الحياة الفكرية والفلسفية، فهذه الدراسات والبحوث تكشف للكاتب الخبايا..لكنلا يستطيعأي قارئ أو ناقد أو باحث أن يكشف ما يكمن في عوالم الكاتب ونواياه الداخلية..(فلا يعرف مواد الطبخة إلا الطباخ )كذلك الكاتب وحده من يحدد من يجيد ومن أصاب التحدث عن أدبه وسيرته الذاتية لكن هناك ما يجب علينا فعله وإتقانه هو تعلم فن الإنصات إلىما يقولهالأدباء؛ لنتعرف على جنون وشغف الكاتب الأديب لكتابته فعندما تلتقي في ندوات أو على مائدة التحاور الصدفي دون برمجة معدة مسبقا..انصت ستجد الدهشة والجدل الساخن وهذا مايحدث كلما التقيت بمجموعة من الإعلام المثقفين بجلسة تحاور مع الكاتب السيد حافظ فهو يكتب من أجل هويته ونفسه بل للتاريخ للمستقبل المنصف لا الحاضر الجاثم المتجاهل فهذا لا يعني الانفصال بين الحاضر والمستقبل، بل بكل الأحوال هو السيد حافظ كاتب النهوض والواقع والسؤال والانعكاس وإرهاصات التاريخ الخانقة للمراحل الماضية والإشارةإلى مصادر تصحيحها والإعلانبالأفق فتوحات الحداثة والتجريب للرواية بنظرة حافظيةإبداعية، وفي نهاية السطور الأخيرةمايزيدأهمية في هذه السطور بعض النجاحات والخيبات جراء تفادي الانفعالات والإنسياق وراء الوعود، انصراف أقطاب نقدية مهمه لها دور استراتيجي في عالم النقد وراء الترويج والأوهامالمشحونةبالغاية والوسيلة(المادية)بعيدة كل البعد عن العمل من أجل حب الثقافة والأدب والتنوير أما البعض استمر مواكبا بكل جهد ومثابرة وحب وبدون أي مقابل فقط من أجل التعافي والارتقاء والنهوض بعالم النقد مع ركب الدول التي سبقتنا بمئات السنين، فهنا نحن أمامبحوث هامة لمجموعة من النقاد والمبدعين أو المبدعين النقاد، ولكل واحد منهم رؤيته ونظريته وأفكاره ومنهجه وانطباعاته، وهم الأساتذة (د فايزة سعد ،ا.د.جميلة زقاي، د.وفاءكمالو ،د. هاجر مباركي، د.سعيدة خلف ،.أ.سحر فاخر الجابري .د. خلود جبار، د. نزار العبادي، د.نحلاء نصير، د.هويدا رجب. أ. زينب الاسدي أ. فاديا سلوم د. داليا بدوي، د.بسنت حسين، أ. اشرف دسوقي، أ. معتز العجمي ، .د.محمود عوضين، أ. أحمد ابراهيم ،.أ.رضوى جابر ، سحر النحاس،أ. فاطمة عبد الله أ. شيماء أحمد رميح ، ا. يوسف عبود وبعد ، د. إيمان عبد المنعم عبد القادر .د. رائدة العامري ، د. آمال شوقي، ا. أمل سالم ، ا. سالمة المغربي، ا. أمينة الزعبي ، ا. أحمد الشريف ، ا. أحمد حنفي ، ا. بقليل دلال ، ا. بن صوشة كنزة ا. مي الشربيني، ا. شاهيناز الفقي، د. عبير يحيى ، د. رشا غانم والقائمة تطول وتطول،وأعتذر لمن لم أذكر أسمائهم هنا، هؤلاء الفرسان والفارساتيمتطوا صهوة النقد الإبداعي المختلف والمتميز والجاد؛ ليكون الناقد موازيا لإبداع الكاتب في السرد الروائي … ونسيت الوطن مع علبة سجائري على طاولة الكافتيريا في المطار، الوطن عجوز غامض والإسكندرية مدينتي، الوطن ضخم وكبيرفي أعيننا نحن الصغار….وأخيرا يا حافظ، ترتعش حين تسمع القرآن في الإذاعةأو ترتيل القسيس في الكنيسة في الأفراح …وتخاف من صوت أبيك في البيت وصوت الكلاب في الليل تربينا على الخوف…. هكذا هو الصراع بين الإبداع والتوتر والقلق…يتجلى بالابتكار والتجريب والصرخات ليس من الخوفكما يقول “السيد حافظ”إنما صرخات النضوج الإبداعي فكل صرخة ستجد مسرحية، وبكل توتر ستجد فاصلا وبكل قلق ستجد بنك الرموز والألغاز وفي كل نفس ستجد مغزى، وسوف نبقى عزيزي القارئ والناقد أناوأنتم نواصل الغوص في أغوار النصوص الحافظية، فهي إبداع على قيد الحياة…….وأوجاع مع وقف التنفيذ.