عصير خُبزكَ!

 توفيق أبو شومر

لم يُكشف النِّقابُ بعدُ عن لُغز موت مُبدعَيْن فلسطينيَيْنِ، ويبدو أنه لن يُكشف في المستقبل أيضا، مما يُشير إلى أن هناك جهةً خطيرة، هي الفاعلُ الرئيس في عمليات الاغتيال للمبدعين، ممن يُخشى من تأثيرهم على الجمهور، لأن أسلحتهم الفنيةَ، ليست لها مُضادات سوى التصفيات والقتل.
وللأسف فإن موت المبدعين تظل دائما ألغازا وأحاجي لا تُفكُّ شيفرتها أبدا، وبخاصة في العالم العربي!
المبدعُ الأولُ الفنان ناجي العلي، الذي مات وأبقى لنا من سلالته(حنظلة) الذي تعهد الفنانُ المبدع أن يكشف لنا عن وجهه، عندما نسترجعُ حقوقنا، وجعله يضع يديه خلف ظهره بعد عام 1973 حتى لا يوقِّعَ على أي اتفاق مع المحتلين!
أما المبدعُ الثاني فهو شاعرٌ فلسطينيٌ مُبدع، ولد في قرية مصمص بالقرب من أم الفحم ، وعاش في حيفا، ثم انتقل إلى دمشق ثم استقرَّ في أمريكا، وعمل مراسلا لوكالة وفا الفلسطينية، ولم تُفلح إجراءات الاحتلال في سحب جنسيته وهويته، عام 1967، عندما استبدل هويته الإسرائيلية بأشعارٍ وطنية رائعة، فهدَّدَتْ قصائدُهُ المحتلين الطغاة، فماتَ كما تقول الأبحاثُ والدراسات موتا غامضا في حريق بمنزله في نيويورك في 1/2/ 1977 .
الشاعر المبدع راشد حسين تزوَّج مدن فلسطين وتغنَّى بها مدينةً مدينة، فهو يقول عن عكا:
يا حُلوةَ البسماتِ يا عكا… رويدكِ يا طًهورَة
البحرُ قَبَّل راحتيك … وجاء يسألك المشورة
فهو الأميرُ أتاكِ يخطبُ… وُدَّ قلبك يا أميرة
رِفقا به وبقلبه… لا تجرحي أبدا شعورَه
ويقول عن يافا:
يافا بلا قمر… ذراعها شُلَّت… وظهرها انكسر
يا بلادي أنتِ أهديتِِ إلى الناس المحبة
وهديتِ الجاهلَ الكافر أن يعرفَ ربَّه
أنت نورٌ يا بلادي شقَّ للتائِهِ دربه
أنتِ بالأمس نبيٌّ منح للعالم قلبه
مَن قضى أن تسعدَ الأرضُ… وتَبقَيْ في جهنم؟!!
أنه شاعر متنبئ أيضا رسم بالحروف مَآل الثورات وخاتمة المناضلين غير الشرفاء، ممن اعتادوا أن يجعلوا من الثورات مطايا لنزواتهم وثرواتهم فقال:
ما الذي ظلَّ من الثوراتِ… مِن أجملِ أحلامي القديمة
غير آثار وليمة… ونجومٌ فوق أكتاف الذين… امتهنوا الهزيمة؟!!
ما الذي ظلَّ سوى… جيشِ مقالاتٍ حَبالى…بحسابات بنوكٍ… وتفاسيرَ لتبرير الجريمة؟!!
ولأجل ذلك فقد قرَّر في النهاية أن ينقطعَ لحبِّ الوطن، وأن يبقى ثائرا فقال:
ولهذا سوف أبقى العمرَ فلاحا وشاعر… أينما أمشي تروا ميلاد ثائر
إنه الشاعرُ المبدع الشهيدُ في حب الوطن، والذي أنشدَ قصيدةً لا مثيل لها في شعر التحدي، وجهها إلى المحتل، مؤكدا بأن المحتلين لا يعرفون الله، فالله عندهم غائبٌ، لا يخشونه ولا يحترمونه، كما أن لهم إلها خاصا بهم ، وهو بالتأكيد ليس الله، ربَّ العباد، فهم يصادرون ممتلكاتِنا وأرضَنا يقول في أروع قصائد التحدي، المختومة بأبدع استعارة في الشعر العربي، في وصف رغيف خبز المحتل المعجون بدمائنا:
هل شعبُكَ المختارُ أمْدَنُ سيدٍ…. أم شعبُكَ المختارُ أمدنُ معتدي؟
أنا لو عصرتُ رغيف خبزكَ في يدي….لرأيتَ منه دمي يسيلُ على يدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى