هل تكتب الصحافة الإلكترونية شهادة وفاةٍ للصحافة الورقية؟
عليّ جبّار عطيّة | كاتب عراقي
نشهد تغييرات ومفاجآت كبيرة ومتسارعة في مجال الصحافة والإعلام ، ومن ذلك توقف كبريات الصحف عن الصدور لأسباب مالية، أو انتقالها إلى صحف إلكترونية بدعوى مواكبة العالم الرقمي.
على سبيل المثال في ٢٠١٨/٣/٢٦م أعلنت صحيفة الاندبندنت البريطانية وقف إصدارها الورقي.
في ٢٠١٨/١٠/١١ ظهرت صحيفة (النهار) اللبنانية بيضاء، واكتفت بوضع صورة لمؤسس الجريدة جبران تويني على اليمين ومعرفاتها على وسائل التواصل الاجتماعي على يسار الصحيفة، وكذلك ظهر موقعها الإلكتروني وحساباتها على وسائل التواصل باللون الأبيض أيضاً .
فسر بعضهم هذه الخطوة أنَّها مؤشر على تراجع الصحافة الورقية، خاصة بعد الأزمة المالية التي عصفت بصحيفة النهار منذ سنة ٢٠١٦ وتقلصها من ٢٤ صفحة إلى ١٢ صفحة إلى ٨ صفحات، ورأى آخرون أنّها رد على ضغوط سياسية تعترضها.
أقول : ربما أرادت الصحيفة بهذا الظهور الأبيض أن تريح القارىء من سواد الحروف والحوادث !
بالمناسبة، كانت الصحف العراقية سنوات التسعينيات من القرن الماضي حيث الحصار الاقتصادي (الغاشم) تستخدم أحباراً محلية الصنع تُسوّدُ يديّ قارىء الصحيفة، وهو يطالعها، حتى إذا انتهى من قراءتها هرع إلى صنبور الماء ليزيل التلوث الجسدي، وإنْ لم يستطع إزالة التلوث الفكري !
اطلعت على بحثٍ نشر حديثاً شمل ٦٢ موقعاً إلكترونياً لصحف عربية تمت دراستها وتقييمها بين عامي ٢٠١٢و٢٠٢٠م. يخلص الباحث إلى استنتاج مفاده أنَّ الصحافة العربية قد تخسر الصحافة الورقية المطبوعة من دون أن تربح الصحافة الرقمية.
لنعد قليلاً إلى تاريخ الصحافة الإلكترونية.
حسب إحصائيات حديثة فإنَّ عدد مستخدمي الإنترنت في الدول العربية منخفض نسبياً حيث يصل إلى سبعة ونصف في المئة من إجمالي عدد السكان في الشرق الأوسط في حين يصل في بعض المناطق مثل أمريكا الشمالية إلى نحو سبعة وستين في المئة، وفي أوربا إلى نحو خمسة وثلاثين في المئة.
يذكر الباحث عباس مصطفى صادق في كتابه (صحافة الإنترنت) أنَّ عام ١٩٩٤ شهد بداية انتشار الصحف على الإنترنت ومن ضمنها صحيفة (ديلي تلغراف) البريطانية.
أما الصحف العربية الإلكترونية (التي هي ورقية بالأصل) فقد ظهرت النسخة الإلكترونية لصحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية للمرة الأولى عبر شبكة الإنترنت يوم ١٩٩٥/٩/٩م.
الصحيفة العربية الثانية التي توافرت على الإنترنت كانت صحيفة (النهار) اللبنانية التي أصدرت طبعةً إلكترونيةً يوميةً خاصةً بالشبكة ابتداء من ١٩٩٦/٢/١. ثم تلتها صحيفة (الحياة) اللندنية في ١٩٩٦/٦/١، وبعدها صحيفة (السفير) اللبنانية في نهاية العام .
هذه الصحف ظلت تصدر ورقيةً فضلاً عن كونها إلكترونية.
أما أول صحيفة عربية إلكترونية (لا يوجد لها رديف ورقي) فهي صحيفة (الجريدة) التي صدرت في كانون الثاني سنة ٢٠٠٠، ثمَّ صحيفة (إيلاف) التي صدرت يوم ٢٠٠١/٥/٢١.
ما هو مستقبل الصحافة الورقية مقابل الصحافة الإلكترونية؟
إنَّ المؤشرات دالة على انحسار الصحافة الورقية أمام مد أو تغول الصحافة الإلكترونية، خاصةً بعد أن أتاح الفضاء الأزرق على الشبكة العنكبوتية لجميع البشر أن تكون لكل شخصٍ صحيفته الخاصة بغض النظر عن جودتها.
لكنَّ هناك من الباحثين مَنْ أشار إلى التعايش الإيجابي بين وسائل الإعلام التقليدية والرقمية. ومنهم الباحث (روجر فيدلر) الذي يرى ـ كما يرى غيره من منظري الإعلام الحديث ـ بأنَّ الأفكار الجديدة تأخذ ما يقارب ثلاثة عقود كاملةً حتى تتسرب إلى ثقافة المجتمع والأفراد.
مواقع إلكترونية كثيرة ظهرت على الشبكة العنكبوتية، وهي تتكاثر بمتوالية هندسية فكيف نطلب من الصحافة الورقية أن تصمد أمام هذا المد، وهل نصل إلى الوقت الذي تصبح فيه الصحافة الورقية ـ التي هي أساس الصحافة الإلكترونية ـ شيئاً من الماضي نتعامل معه كأثر قديم، أو كما نتعامل مع بطاقات دعوات الأعراس، أم أنَّ الصحافة الورقية ستبقى كما بقيت الإذاعة، وتكيفت مع التطور التكنولوجي الهائل فصارت إذاعةً مرئيةً ، مع الإشارة إلى أنَّ أغلب الصحف الإلكترونية الحالية ما زالت تدار بعقلية ورقية !