لماذا نقتل؟.. الأدلة الجنائية في الأشعة المقطعية لدماغ القتلة

د. أيمن يوسف | مصر
استشاري الامراض العصبية والصحة النفسية والتأهيل
استشاري متلازمة الفيبروميالجيا ومتلازمة ال “إم إي”

عكف طب وعلوم الأعصاب على دراسة الظواهر السلوكية والذهنية والوجدانية على أسس علم وظائف الأعضاء بعيدا عن المدرسة البنائية في علم الاجتماع بأبعادها القيمية والأخلاقية التقليدية التي ترجع الظواهر إلى أبعاد معنوية فقط بعيدا عن الجغرافيا والبيئة وعلوم البيولوجي، وحقيقة الأمر أن هذا التوجه العلمي كشف عن العديد من أبعاد لغز الحياة، ولغز الحضارة، ولغز السلوك والتوجهات، “ولغز الإنسان”.
وبتطور التقنيات وعلوم الأعصاب ودراسات المخ والأعصاب أصبح لجرائم القتل ولدماغ الإنسان ادلة جنائية قائمة عليه قد توحي بامكانية قيام فرد ما بالقتل أو من عدمه، وأثبتت صور الدماغ وأشعات الرنين المغناطيسي والأشعات المقطعية في العديد من الدراسات أن نشاط المخ والتركيب الوظيفي لدماغ القاتل مميز ومختلف، خاصة مع اختبار التصوير النووي المقطعي بإصدار الفوتون الواحد (spect imaging technique) وكذلك الإصدار البوزينتروني PET MRI الذي طوعه رائد الطب النفسي مونتي بوخسبوم للكشف عن الإضطرابات النفسية والوجدانية والعقلية التقليدية أو المستحدثة.
الفص الجبهي للقاتل يظهر الكثير من النشاط في جانبه الأيسر مقارنة بالأشخاص العاديين، وإن ظهر الجانب الأيمن في حالة تقليدية أو أقل نشاطا، إلا أن كلا الجانبين قد يتورطا معا في خلق حالة شحن عصبي لا يهدأ إلا بإراقة دم عدو أو منافس وأحيانا محب يخاف عليه شرور الحياة، وهو ما يفسر لجوء بعض الأمهات أو الآباء أو المسئولين في الحياة العاطفية إلى قتل أبنائهم او محبيهم، كذلك إصابات الدماغ الرضحية (traumatic brain injuries) قد تؤجل رغبة آنية في القتل قد نراها بعد سنوات على شكل جريمة تهز الرأي العام ويكثر منظريها من علماء الاجتماع والفسلفة والسياسة والدين، دون الرجوع لتاريخ القاتل الذي تعرض لاهتزازات عنيفة للدماغ وسوائله وخلاياه نتيجية تلك الإصابات غيرت من توجهاته وأفكاره وعززت من فرص إقدامه على القتل، ومن ثم تعد قشرة الفص الجبهي وانخفاض عوامل الاستقلاب لها وضعف أدائها الرافد الأكبر في دماغ القاتل، بل ويعد هذا العامل محور وبصمة دماغ القاتل إذا ما تضافرت عوامل الجريمة للتعبير عنها والقيام بها، حيث يعرض ضعف أداء قشرة الفص الجبهي الفرد أو القاتل إلى إضرار ومخاطر على اربعة مستويات:
1- المستوى الفسيولوجي العصبي، حيث يؤدي انخفاض أداء قشرة الفص الجبهي إلى فقدان السيطرة على البنى تحت القشرية الأقدم تطورا في أعماق الدماغ (كاللوزة مثالا وهي المسئولة عن ضبط مشاعر العدوانية والتجانس والحكمة) ما يثير مشاعر عدوانية ورغبة عارمة في إيذاء النفس (الانتحار) أو إيذاء الأخر (القتل).
2- على المستوى السلوكي العصبي يتم ربط أضرار قشرة الفص الجبهي بسلوك المخاطرة وعدم المسئولية والتمرد على القواعد، والانفجارات العاطفية والعدوانية والسلوك الجدلي.
3- على المستوى الاجتماعي يدفع هذا الانخفاض إلى عدم القدرة على استخدام المعلومات المقدمة من خلال الإشارات اللفظية، كما يدفع نحو فقدان المرونة الفكرية ومهارات حل المشكلات والمهارات الاجتماعية للمواجهة على أسس حلول مشتركة.
4- على المستوى الشخصي يرتبط الضرر الجبهي بسمات الاندفاع وفقدان ضبط النفس وعدم النضج واللباقة، وكذلك عدم القدرة على تعديل السلوك وتثبيطه في الشكل والوقت المناسب، وضعف الحكم على المجتمع والمواقف.
يمتلك دماغ القاتل هذا التكوين البيولوجي وإن تقاطع مع بعض الاضطرابات العصبية الأخرى، إلا ان هذا التكوين يظل حصريا فيه يشتد ويظهر في المواقف وبدوافع الخبرات والنشئة والبيئة والتجارب الحياتية، يظهر متى تهيأت الظروف، وشاءت الأمنيات، وترهل الحزم، ولمحاربة الجريمة والعنف والقتل، وكذلك لتعديل مواءمات الأدلة الجنائية على الجرائم يجب العودة إلى العلم والجذور البيولوجية للجريمة، لمنعها وتقليلها وإثباتها إن تمت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى