المواطن بين مفهوم الطاعة والسلطة التشريعية

بقلم: عماد خالد رحمة | ألمانيا

      جوهر البنية السياسية وهيئتها في معالمها وفضاءاتها، هو في التوافق والتمازج بين الطاعة والحرية. والديمقراطية في أكثر تجلياتها وظهورها تأكيد على التوافق بين الطاعة والحرية كذلك، من هنا تتناغم وتتمازج ضمن تجليات الديمقراطية فكرة السيد والرعايا، وفي وجه آخر تتجلى فكرة المتسيّد المستبد والرعاع.

  وعليه فإذا كانت الديمقراطية كمفهوم وفعل مستندة إلى الوجود الفعلي للحرية، فإن هذا الوجود لا يتعيّن ولا يتحقق فقط بإنتاج القوانين والتشريعات الناظمة التي تخدم هذه الحرية. لأن الديمقراطية لا تبلغ امتلاءها الواقعي والمنطقي كما عند الفيلسوف الجنيفي (جان جاك روسو)، إلّا إذا كان للمواطنين إمكانية التعبير وتداولهم الرأي والرأي الآخر، ومواجهة الأسباب التي تهدد حريتهم وجوهرها.

   لقد اعتقد العديد من المفكرين والفلاسفة وفي مقدمتهم الفيلسوف جان جاك روسو أنه بهذا قد أكتمل مجهود الفكر السياسي الحديث بغية تأسيس الدولة على الحرية، لأن الأمر بالنسبة لهم، لا يتعلق بقدرة كل واحد على أن يعيش حراً ومتحرراً من كل إكراه وإجبار فقط، بل يرتبط قبل كل شيء بإدراك أن القوانين الناظمة لحياة المواطن ومؤسسة الجماعة السياسية يجب أن تقوم على الرضا الشخصي لأعضائها. وما هم إلا نفس الأشخاص ولهم اعتبارهم وتقديرهم تحت قائمة علاقات مختلفة منسجمة كانت أم متناقضة ، إن كلمتي رعية وسيادة ، إنما هما كلمتان متلازمتان لهما المعنى نفسه في واقع ما محدّد.

    ويتجلى في لفظة المواطن، والتي جاءت من عصر الرعي والرعاة. وانسحبت فيما بعد على قطعان البشر. وأنتجت في زمن الاستبداد والطغيان ما بات يُعرف بـ(الرعاع) و(الدهماء).

    فالديمقراطية هي هذه الهيئة المحكومة بالقوانين الناظمة، حيث يُعرَّف المواطنون، في الوقت ذاته وبشكل غير متمايز وغير منسجم كرعايا ومشرعين، وبذلك سيكون في مقدورنا فهم العلة بل العلل على كثرتها وثقلها التي لأجلها تضمن القوانين والتشريعات الديمقراطية بكل تلاوينها ومفاعيلها،وتحديداً للمواطن بالدرجة الأولى، والخارج من سياق (الرعاع) و(الدهماء).

   والديمقراطية الليبرالية التي تحفظ حقوق الفرد هي النظام الوحيد الذي يحقق هذا التمازج وهذا التأليف والتركيب فيما بين الطاعة والحرية، والمواطن (الرعية) هو الجمع الفعلي والعملي فيما بين هذين المفهومين، وأن القوانين والتشريعات الناظمة بمعناها الواسع تحتوي من جانب أول علاقة بين الإلزام القسري والطاعة، وذلك لأنّ الدولة وحدها لها الحق في استخدام العنف بشكلٍ قانوني. كما تحتوي من جانب ثانٍ على الإحالة إلى مُشَرِّع قانوني، وذلك أنّ المواطن لا يمكن اختزاله في مجرد الطاعة وجعله خانعاً ذليلاً رعاعياً لأنَّ اللاشيء لا ينتج شيئاً على الإطلاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى