معايير القصيدة في ديوان “وانبغى لي” للشاعرة دعاء رخا
طارق عبد الفضيل | شاعر وناقد مصري
أولا – العنوان:
لم يرد الفعل انبغى في القرآن بصيغة الماضي– واستعماله في الماضي قليل- وإنما ورد بصيغة المضارع في ستة مواطن:
في الآية ٩٢ من سورة مريم “وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا”
الآية ١٨ من سورة الفرقان “قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا”
الآية ٢١١ من سورة الشعراء “وما ينبغي لهم وما يستطيعون”
الآية ٤٠ من سورة يس “لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون
الآية ٦٩ من سورة يس “وما علمنه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين”
الآية ٣٥ من سورة ص “قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب”
ويبدو واضحا أن دعاء رخا استدعت الآية ٦٩ من سورة يس “وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين”علة المستويين الأسلوبي والدلالي؛ في قوله تعالى “وما ينبغي له” .
فقد أبقت الواو وحذفت “النافية” لأنها أرادت أن تثبت لنفسها ما نفاه الله جل جلاله عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو تعلم الشعر وقوله .
واستخدمت الفعل الماضي بدلا من المضارع إمعانا في إثبات الشعر لنفسها وذلك ما نراه في قوله تعالى في الآية “ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين” من سورة فصلت
وعلى المستوى الدلالي استدعت الموقف الذي نزلت فيه الآية وهو اتهام كفار العرب للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه شاعر فنزلت الآية تنفي عنه ذلك. أما دعاء رخا فأرادت إثبات الشعر لنفسها مما يدل على أن قولها جاء ردا على موقف متشدد يمنعها من الشعر وينفيه عنها. أما هي فقد أصرت على أن تكون شاعرة. وسنجد في الديوان عشقها للشعر مع تحفظ وحياء يمنعها من التوغل فيه والبوح بكل ما يجيش في صدرها. كذلك سنجدها عاشقة تمنعها العفة عن الوصول إلى ما يصبو إليه قلبها، وتأتي القصيدة الأولى بعنوان (دعاء رخا) لتحمل اسم الشاعرة تفخر بشاعريتها تقول:
عارضت شعرا بدا للشعر تيجانا
وكنت فيه أنا درا ومرجانا
ولا يخفى ما في القصيدة من ذاتية طاغية أكدها استخدام اسم الشاعرة عنوانا للقصيدة ثم في البيت السادس وفي البيت العاشر/الأخير.
وهي تزعم أنها ملكة وادي عبقر؛ وادي الشياطين الذين يلهمون الشعراء شعرهم، كما تزعم تفوقها على الخنساء وبشار بن برد وأن لديها علما يفوق علم الأولين ألف مرة؛ وهذه حالة يمر بها معظم الشعراء في بداياتهم إن لم يكن كل الشعراء؛ ثم هي تؤكد على مكانة الشعر في القصيدة الثالثة” في حفرة مولاي الشعر” ص٨:
الشعر مولى الشاعرين تسيدا
وملاذ عاطفة تهيم بلا هدى
وفي قصيدة “شاعرة”ص٥٣
إن ينفد الوادي الذي في عبقر
كانت مليكة بئره، وعباقره
وفي قصيدة “رجل إهداء” يتضح ذلك التدافع الشرس بداخلها بين الشعر وغوايته والهداية:
طير البلاغة في الآماد يقصدني
ترديه شيطانة تحيا بمحبرتي
ترى قصيدي “كحرب قادها بشر”
أما حشاتي “حروب بين آلهة”
في كل واد من الأشعار همت، فلا
اهتديت، كلا ولا كسرت بوصلتي
وفي قصيدة “أمير.. أسير” ص٥٦ تؤكد أنها لن تهجر الشعر:
يظنون لهوي عن الشعر منأى
وهل زمهرير المنايا يجير؟!!!
والشعر موجود معها في كل حالاتها:
شعري تنبأ بالغرام وأنبأ
ونشأ على كل استجابة دربا (بلقيسية ص٥٩)
ثم تقول فيها:
فتلطفت أقدار بي بالتي
لولا القصائد ما استنارت قلبا
وفي قصيدة “يا معشر الشعرا” ص٦٣ ما يزال القلق والتردد حاضرا:
بالله فلتفتني يا مفتيا ورعا
هل كافر قلمي إن بات منتحرا؟
وفي الإهداء كتبت :
إلى الذي وقعت فيه ولن يدعني أقع منه
ربما تقصد الشعر، وربما الحبيب
ثم هي تقول: نسهر…ننادم الليالي بالشعر…
وفي قصيدة “أحبك” ص١١ تقول:
وتقسم إنها في ذاك وقف
وتقسم أن تصوم وأن تبرا
وتخاطب نفسها في قصيدة “أيا نفسي”:
ألا تخشين ربا قال: توبوا
وفروا واذكروا، سرا وجهرا؟
وفي قصيدة “بي طمع” تقول:
تمحو خطايا التي – تالله- من كسل
قد أحسنت ظنها ما أحسنت عملا
ثم تصرخ في قصيدة “ثم تصرخ كلا” ص٢٦:
أو كلما شق الشفاه بآهة
كنت الذي لام الشفاه وولى؟
يا سيدي، ضم التي من ويلها
تهذي أحبك ثم تصرخ كلا
وقصيدة “ترجل الدقات” ص٣٣
تبيتين الليالي في تعالي ص١٣
ما كان ذاك توهما…ولا خيال ولا منى ص٣٧
وإذا رنا (فوقا) لنا …لا فوق إلا تحتنا.
بنية القصيدة:
يتكون الديوان من ٧٥ عنوانا مقسمة في طول أبياتها كالآتي:
– ١٥ عنوانا = ٤ أبيات
– ٢٥ عنوانا = ٥ أبيات
– ٤ عناوين = ٦ أببات
– ٤ عناوين = ٧ أببات
– ٣عناوين = ٨ أبيات
– ٥ عناوين = ٩ أبيات
– ٣ عناوين = ١٠ أبيات
– ٣ عناوين = ١١ بيت
– ٢ عنوان = ١٢ بيت
– ١ عنوان = ١٣ بيت
– ٢ عنوان = ١٤ بيت
– ١ عنوان = ١٥ بيت
– ١ عنوان = ١٦ بيت
– ١ عنوان = ٢٠ بيت
– ١ عنوان = ٢١ بيت
– ١ عنوان = ٢٢ بيت
– ١ عنوان = ٢١ سطر
– ١ عنوان = ٢٦ سطر
– ١ عنوان = ٨٢ سطر
وهذا يعني أن :
٥٦ قصيدة / عنوان تحت ١٠ أبيات
٦٩ قصيدة / عنوان تحت ٢٠ بيت
٣ قصائد عمودية فوق ٢٠ بيت
٣ قصائد تفعيلة فوق ٢٠ سطر
مما يضع المسألة موضع التساؤل عن تسمية القصيدة، فقد أجمع كثيرون على تسمية القصيدة بسبعة أبيات كحد أدنى.
بنية موسيقية:
٢٥ قصيدة = بحر البسيط
٣٣ قصيدة / عنوان = بحر الكامل ومتفاعلن
١٤ قصيدة / عنوان = بحر الوافر ومتفاعلن
٣ قصائد= بحر المتقارب
مما يعني أنها استخدمت فقط أربعة بحور وتفعيلاتها من بين ١٦ بحرا عروضيا .
ومن القراءة العددية لعدد أببات القصائد / العناوين والبحور المستعملة يتضح أن الشاعرة لم تهتم بالشكل ولا التجريب الشكلي وأنها اكتفت بالتعبير عما يجيش في صدرها بعفوية. وربما اختارت شكلا يناسب عصر السرعة والتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي.