الهوية الثقافية بين الإقرار والإقصاء

عماد خالد رحمة | برلين

إنَّ الحق في الهوية الثقافية لشعوب العالم ،يعطي الأفراد والجماعات الحق في الدفاع عن ثقافاتهم الخاصة والتمتع بها، لأنّها الكيفية التي يُعَرِّف الناس بها أُمَّتهم، أو ذواتهم. ولأنَّ الأفراد والأمم والشعوب تُتَّخذ من اللغة والدين والثقافة أشكالاً لها، تستطيع من خلالها التعبير عن ذواتها وكينونتها، فهي تنأى بطبعها عن الصفاء والأحادية، وتنحو منحى تكاملياً تعددياً إذا أُحسن تدبيرها والتعامل معها، ومنحى صدامياً مواجهاً إذأ ُسيء فهمها وأُهملت وتهمّشت، تستطيع أن يكون لها دور كبير في التنمية والتوحيد، كما يمكن أن تتحوَّل عبر منهجٍ خاص بها إلى عامل تفكيك وتهشيم وتمزيق للنسيج الاجتماعي، الذي تؤسِّسه اللغة الموحّدة .وذلك لما للهوية الثقافية من دور كبير تتقاطع وتتماثل معه مصطلح سياسة الهوية .حيث إنّ الهويّة هي ذات الشخص وكينونته، وتتضمن في معناها عدداً من المعايير والقيم، وتشكّل ثقافة الإنسان وآفاقه وتطلعاته، ومدى معرفته الواسعة أو الضيقة في عددٍ من المجالات المختلفة والمتنوعة، إضافةً إلى وعيه بالقضايا الهامّة المحيطة به وإلمامه الواسع في الكثير من الشؤون التي تجري في المجتمع، إنّها تمثّل في حقيقة الأمر التراث الفكري له.
إنَّ الحقَّ في الهوية الثقافية والتمتع بالثقافات الأخرى المحلية والعالمية، أمرٌ هام، ذلك بأنَّ إقرار هذا الحق في كل مكونات الثقافة والمعرفة يعني حق كل ثقافة لكل أمة أو شعب أو جماعة أو فرد في الوجود والكيانية، والتطور الخاص بها كما لها الحق في النمو والتقدم في إطار ديناميتها وخصائصها الكيانية الداخلية والخارجية واستقلالها، دون إغفال العوامل المشتركة لها ذات البُعد الإنساني، وقيم التعايش الحقيقية المستندة على قاعدة البناء، والتفاعل المتوازن بين الأمم والشعوب والجماعات والأفراد.من أجل تحقيق الديمقراطية والمشاركة الفاعلة وترسيخ أسس ثقافية نمطية بهدف المشاركة، والمكاشفة، وإحقاق حقوق الإنسان التي تشكِّل قواعد صالحة للتطوير والتقدم وصياغتها في إطار المنظومة الثقافية الوطنية، مع العمل الجاد من أجل غرس قيم وتمجيد ما يعتبر ثقافة عالمية جديرة بالاعتبار.
ولعلَّ الإقرار بالفسيفساء الثقافي وبالتنوع الثقافي والمعرفي في المجتمع،والتعدّدية القومية (الإثنية) والدينية والطائفية والمذهبية ،هو نقيض الفكر اليقيني المُطلّق، وهذا الأخير هو فكرٌ إقصائيٌ إجلائي إحلالي لا يؤمن بالآخر، ويعمل على إلغاء التمايزات والتباينات داخل المجتمع بكياناته المتعدِّدة ومكوناته وأفراده واتجاهاته، وتدجين التعدّدية واختزال الخصوصيات وابتسارها، والأكثر من ذلك كلّه يعمل بكل طاقته على إلغاء تاريخ المكونات الثقافية والفكرية والمعرفية بحيث يلعب فيها بأيادٍ ظلامية عمياء، مثل كرة ثلج تسقط متدحرجةً على منحدر من أعلى قمة جبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى