اللغة والهوية

عبد الهادي شفيق

إن مسألة اللغة مسألة هامة شغلت العديد من المنابر الفكرية العالمية بشكل من الأشكال، كما شغلت بال العديد من المفكرين العرب والمغاربة هنا أشد بيد المفكرين الإسلاميين منهم الدكتور والمفكر المغربي (أبو زيد المقرئ الإدريسي الذي ناضل وما زال يناضل من أجل التشبت بالهوية العربية وجعل اللغة العربية أولى الاهتمامات والباب الرئيسي للتقدم.

لكن هناك من يسعى لتمزيق الأمة العربية من الداخل والخارج عبر الضرب في اللغة كمدخل أساسي، وما نلوكه من الفرنسية ليس سوى ثمالة الاستعمار الذي أبقى بظلاله في مستعمراته إلى يومنا هذا، ويجب إقتلاع في آخر معاقلها في ربوعنا.

هنا لا أريد الخوض في الحديث عن اللغة المهيمنة علميا واقتصاديا وما ينبغي علينا اتباعه، فنحن في المغرب شئنا أم أبينا قد تجدرت فينا ملكة التبعية في أي شيء للغرب ليس في اللغة فحسب بل في الثقافة عامة نتطلع دائما إلى الانفتاح على الغير ليُعد جديد عندنا ولو كان المنفتح عليه منبوذا في ديننا، نحن لا نبخس فقط من قيمة لغتنا؛ بل من قيمتنا أمام الآخر الغربي، نبجله ونجعله هو الأفضل دائما.
إن أول ما يتبادر إلى ذهن العربي عامة والمغربي بالخصوص المثقف منه والعامي عندما تذكر له اللغة العربية يكتفي بالابتسامة الموحية للتبخيس والانتقاص من قيمتها ،فحق له ذلك مادام لم يدرك ما حققه السلف العربي من اختراعات وإبداعات في دروب العلم كالطب و الحساب والفلك والرياضيات والأدب والفلسفة وسائر العلوم الأخرى خلال القرنين السادس والسابع الميلادي في العديد من الأقطار العربية كسوريا والعراق والمغرب وتونس بما في ذلك قرطبة بالأندلس التي استفاذ منها هذا الغرب ونيسبها إليه.
إن اللغة عامة تشكل مدخلا هاما للتقدم العلمي والتكنولوجي، وتحقيق التنمية على مختلف الأصعدة،رهين بالكيفية التي يستعملها أهلها، والقيمة التي أعطيت لها، فعندما جما يهيمن بلد ما من البلد اقتصاديا من بنيات تحتية ومؤسسات فلم يكن له ذلك إلا من خلال البنية الفوقية وهي الفكر الذي يستمد قوته من اللغة.
يقول نزار قباني: مدافعًا عن اللغة العربية والثقافة العربية ضد الذين يلمزونهما “إنّ اللغة العربية تضايقهم؛ لأنّهم لا يستطيعون قراءتها،والعبارة العربية تزعجهم؛ لأنّهم لا يستطيعون تركيبها
ويقول عبد الوهاب المسيري: ويقول د. عبد الوهاب المسيري: “إنّ العربية الفصحى وحدها هي القادرة على الإفصاح الكامل للواقع العربي؛ فهي لغة تمتد جذورها في الماضي، وتمتد فروعها في المستقبل.. ولعلّ هذا هو السّبب في أنّ قوى الرجعية في العالم العربيّ، وقوى الهيمنة خارجه – والتي يهمها الحفاظ علي وضع التجزئة – تبذل قصارى جهدها لدراسة العامية العربية المختلفة، وتعتمد المبالغ الطائلة لوضع معاجم وقواعد لها، وتشجّع على استخدامها. إننا نخشى ما نخشاه من أفول اللغة العربية منها بالذات بل من يستخدمها استخداما يساهم من اضمحلالها وانحطاطها عبر الإساءة لها بشكل من الأشكال.
ويقول مولود بن زادي: “العربية تجاري التطور الحضاري: (إنَّ من معجزات اللغة العربية أنّها حافظت على مقوماتها من حروف وأصوات وقواعد النحو والصرف وغير ذلك عبر العصور، ومع ذلك أثبتت أنّها لغةٌ مرنة منفتحة تستوعب التغيرات وتُجَاري التطور الحضاري، وإنّي بحكم اختصاصي في اللغة والترجمة أؤكد أنّه لا يوجد نص باللغة الإنجليزية في العلوم والتكنولوجيا والطب وغير ذلك غير قابل للترجمة إلى اللغة العربية؛ فالعجز ليس في اللغة، وإنّما في النّاطق بها الذي لا يجتهد لتعلّم المصطلحات الجديدة أو ترجمتها ذلك ما اهتمت به الولايات المتحدة الأمريكية وباقي الدول المتقدمة التي بسطت أجنحتها في العالم بفضل فكرها المتقدم و لغتها المتطورة.
لذا أقول: إن الاهتمام باللغة هو الضامن الأساسي لتحقيق التنمية في البلاد وإن كان ذلك بالعكس فلماذا الصين كقوة اقتصادية صاعدة والتى غزت السوق العالمية واحتلاها المراتب المتقدمة عالميا في عدة منتجات وإلى حد الآن تشكل رابع قوة قتصادية بنسبة 7٪من الإنتاج الصناعي العالمي وقس على ذلك دول متقدمة أخرى روسيا. ألمانيا.. . إلغ؟ لماذا إذا لا ستغنون عن لغاتهم ويتقمصون لغة المسيطر؟
على سبيل المثال: أمريكي تمكن من اختراع آلة معينة فطبيعي أنه سيسميها باسم من لغته التي يتحدث بها، ولا يبحث لها عن اسم من لغات لا يعرفها أصلا، بعد. ذلك يجبر الآخر الغريب عنه استعمال هذه الآلة باسمها التي سمها إياها.
أما اللغة الفرنسية فإن التاريخ يؤكد ومايزال انها لغة مستحدثة حديثة النشأة، بل وأكدت الدراسات اللسانية أنها لهجة تم إطعامها بمفردات دخيلة لا تمت للعلم بصلة، قوتها تظهر فقط في تسلطها على مستعمراتها والتي اتخذها المعمَّرون كالقديسة كلما تلفظت بكلمة فرنسية تصير مثقفا أو عارفا.
خلاصة القول: أن اللغة المحلية لكل بلد هي الضامن الأول لوصف الظواهر والقضايا الكبرى و رأسمال العلم والمعرفة داخله..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى