المتوالية اللفظية عبر التشبيك اللفظي في قصائد الشاعرة الفلسطينية رحاب يوسف

د. جبار فرحان العكيلي
في كل قراءة لاي منجز كان. لابد أن تبرز لنا شيئيات التنوع والاقتباس والتكرار. فضلا عن الاستخدام التراكمي للتصوير الذهني. ضمن إطار التلاعب بمفردات اللغة.. وتجربة غضة كتجربة الشاعرة الفلسطينية  رحاب يوسف)، والتي تنبع من إرهاصات الزمن الاحتلالية وسخونة الحس الاتتمائي للأرض والتاريخ .لابد لها أن تتوزع بين دهاليز وأزقة المفاهيم الشعرية والجهادية من جهة. والتمسك بخيوط الجمال والذائقة الجمعية من جهة أخرى. لذلك الدخول والتفسح بين شجيرات قصائدها. لابد أن تدخل حيز التمتع بجملها الشعرية ذات الانتقالات المركزة والخيال المغلف بغرابة الطرح.. ومن خلال تتبعنا لتسلسل قصائدها. نكتشف المتوالية التعبيرية في معظم قصائدها التي استطعنا الحصول عليها بشكل متناهي ومتوازي مع سياق الطرح الشعري لاي موضوع تدخل أغوار مفرداته الحسية.
من الف عاصمة
من الف موجة
من الف صحراء
حاولت العبور فلم أجد سواي
تعبر الشاعرة رحاب في هذا الاتجاه عن تاريخ الاحتلال والتضحيات والتشرذم القومي عبر آلاف الاشياء.حيث تؤكد وحدانيتها وتركها وحيدة الصراع كلما حاولت عبور المستحقات الاستحواذية من قبل الغير. ثم تعود في القصيدة نفسها لتعمق اثر المتواليات المكانية شاهدة السفر اليومي لموانيء الذات دون سند أو بوصلة اتجاه..
أقيم كل جدار ساقط
فوق البحر .. والبر .. والجو
مسافرة داخل الروح
ثم تعدد الضياعات الكونية في بؤرة الاحلام والرغبات حتى أنها تتجلبب بجلباب التشاؤم الحتمي لآهات الشعر المحفوف بالمخاطر منكسرة مخذولة ..
كصورة منسية على الجدران
كغرناطة لما سقطت في مستنقع الدماء
كخيمة بعيدة هوت اعتمدتها
تحاول الشاعرة عبر هذه المتواليات الدلالية التاريخية المحسوسة(كصورة..كغرناطة.. كخيمة) أن تعبر عن انكسارها وضياع بوصلتها العربية. ثم أخذت مؤثرات التشبيه اللسانية المفعمة بالسرد من خلال هجرة الطيور .
أتذكرين
كنت تنقرين الزجاج
على وقع رياح تنهمر
على عيني الواقفين
جميل هذا التصور والخيال لكنها ذهبت بعيدا بتوصيفها للعينين وهما واقفتان . وهنا اؤشر . هل للعينين وقوف أم اغماضة .. فالشاعرة لو قالت اغماضة كان لها التميز الا اذا أنها تنأى بالمعنى ابعد من ذلك.
خذيني معك
إلى مكان أتعرى فيه من الألوان
تعالي فالحنين
إلى كان ياما كان
إلى الجرائد المطلوبة
إلى الشوارع المفردة.
إلى صوت المذياع على الرف
إلى اللمة في المساء
إلى الإياب .. إلى البيوت القديمة
إلى كل من رحلوا
إلى القلوب الطيبة
هذه ال (إلى) أشعرتنا الشاعرة بأهميتها وسر تواجدها المتوالية من خلال الأمكنة والأشياء التي تشكل جزءا مهما في حياتها المطعون بالاحتياج للذات ف(مكان.كان. الجرائد.الشوارع. صوت المذياع. اللمة. الإياب.القلوب. الراحلون) فهي صاحبة تعدد الحاجات الإنسانية عبر الانتماء للأرض والتاريخ .
وعلى الرغم من كل هذه الارهاصات التي تستمدها شاعرتنا من مفهوم التشبيك اللفظي لتجربتها . فإنها لا تستطيع مغادرة متوالياتها اللغوية .
أسمع نعيب الوحشة
وازيز البراري
واحمل ما شئت
من الفراغ.. من الأجراس.. من اللهفة.. من نثار البذار.. من إيقاع اساور الغروب؛ فالشاعرة دائما ما تعود بقصائدها وصورها الشعرية إلى ما قبل دلالات مفرداتها ذات الايقاع العالي بشيئيتها الحسية. فهي تكثر من الترميز الدلالي لما يدور في مكنون تمردها على الحياة لاعنة الجذور الوهمية بالنسبة لها تفريغها لشحنات الغضب الانتمائي لوقائع تاريخية. رضعت من ثدييها كل ذرات التمرد والمقاومة.
فهي تعكس المعنى إلى معنى مضطرد يتساوى مع كيميائية التكوين الفلسطيني المجبول على المقاومة والعنفوان. فهي لا تخاف الذئاب بمعنى الخوف الحقيقي بقدر ماهي تؤشر للعالم ذلك التكوين المخيف النابع من صمت الآخرين . ونزيف التاريخ على بلاط السنوات المرة.
لا أخاف الا من القصص التي
سردتها لي أمي
الذيب الذي لم يقطف ورودنا
الذيب الذي لم يدق الاعشاب
الذيب الذي لم يدخل كهوفنا
وهنا تظهر المتوالية الشيئية واضحة المعنى والصورة ما بين الخوف ومسبباته. هذه المتواليات التي خلقت من مفهوم التشبيك اللفظي للمعنى. ماهي الا علاقة متميزة وواضحة للشاعرة وأسلوب كتابتها الأخذ بالتمتع والرضا والتجريب متمسكة باطاراتها بقوة بحيث لا تخلوا قصيدة من قصائدها الا وتجملها هذه المتواليات والتي أصبحت دالة شعرية ومؤشر على انتماء تلك القصائد للشاعرة الفلسطينية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى