طريق في دُجى الليل
محمد أسامة | الولايات المتحدة
مضيتُ وحدي في طريقٍ في دُجى الليل، أقاسي ما أقاسيه من الأنَّات والويل، مضيت بطريق لا أبصرُ نهايته، ولا أدرك في غيهبِ الظَّلام خاتمته، تحفُّهُ الأحزان من جانبيه، وتتجمهر الأسقام على ضِفَّتيه، يرافقني قلبي الحزين الذي صرمه الحَزَنْ، وصرعه جمرُ المِحَنْ، فنُزِعَت منه ثياب فرحته، وأفصحت دموع عيني عن حرِّ لوعته، واختلط الحزن بدمائه، ومضى بعروقه وأوردته.
أواجه همومًا لا أرى منها مخرجًا، ولا أخال في آخرها فرجًا، ولا أجد حلولًا لها، فقهرني الدَّهر بأشواك من اليأس، وسربلني لباسًا من الأسى، وحَجب الضَّبابُ عنِّي ضياءَ الشَّمس، فمضيتُ في طريقي وقد غلبني القهر، ولا أجد آخرَه غير الموت.
ولازلت أسال ربي أن يجود عليَّ برحمته، وأن يمنَّ عليَّ بفضله، وأن يرفع عن القلب همَّه وحُزنَه، وأن يجازيه على طول صبره، فقد بلغ منه ذلك البلاء مبلغًا عظيمًا، ودفعْتُ في سبيله شيئًا جليلًا، حتى صرتُ معه نحيلًا ضعيفًا، دامعًا أسيفًا، قد ابتلَّت حروفي بدموع عيني، واحترقت آمالي بلظى فؤادي.
فما العيش بدُنيا فيها فرح بي عدوِّي، وخذلني صديقي، وباعني أصحابي، فذقت فيها المُهْل، وفارقني فيها الأهل، وبقيت وحيدًا أكتوي بالألم، وأعاني من السَّقم، وبي قلبٌ من فرطِ شجوه انكسر، وأملُه في عينيه غاب واندثر. فانكسفت الشمس وانهزم القمر.
فما العيشُ؟ وقد عظمت مصائبي، واستغلظ عذابي، وساءت مسغبتي، وزاد أنيني، وقد أمست طرق الحياة تُفضي إلى الموت، وتقضي عليَّ بالخذلان والخزي، وقد أبلاني السُّهد وهزَّني السَّهر، ومزَّقني البؤس ليهزمني القدر، فسألت ربي أن يُدبِّرَ لي فإنِّي لا أحسن التَّدْبير.
قد أفنتي معالم الأحزان، وخذلتني بفراقها الأحلام، فلم يبقَ منِّي غير لسانٍ يدعو، وقلبٍ لا يغفو، ولازلت أرجو من إلهي أن يُجيب دعائي، كي لا يخيب رجائي، عسى ربي أن يجعل لي من كل همٍّ مخرجًا، من كلِّ ضيقٍ فرجًا، ويرزقني من حيث لا أحتسب، وأن يجعل خاتمة أمري خيرًا، ويبدلني من بعد عسرٍ يُسرًا.