عندما تصير أرحام أمهاتنا أعداء لإسرائيل

المحامي جواد بولس

سنصحو، بعد أربعة أيام، على واقع جديد في إسرائيل؛ حيث سيتبيّن لنا، نحن المواطنين العرب، أن أكثرية المواطنين اليهود ماضية في انجرافها نحو حالة دينية عصبية عمياء ممزوجة بعقيدة يمينية فاشية لن تقبل وجود “العربي” بين ظهرانيها كما قبلته، مغلوبة على أمرها، مؤسسات الدولة وحكامها خلال العقود المنصرمة؛ فالعنصرية المقسطة وقمع المواطنين العرب المبرمجين وفق ما تجيزه قوانين “ديمقراطية” الدولة اليهودية، لن تعودا مساطر مناسبة للتعايش في إسرائيل المتحوّرة إلى كيان متوحش وخطير .

من المؤسف أن تنتهي الحملات الحزبية الانتخابية كما بدأت ؛ معارك طاحنة بين معسكرات “شقيقة” مجيّشة ومشحونة بذخائر مسمومة ستترك آثارها بيننا بعد انقضاء المعركة، وجنود يرددون الشعارات المستهلكة التي أهملت مواجهة القضايا الحارقة وتعاملت مع واقعنا البائس بخفة مستفزة وبتضليل يستسخف بعقول الناس. لقد بات من انتقد وقاطع حزب القائد الفرد النجم، يهلل ويهتف لحزب النجم القائد الفرد .

قد يكون المواطن العادي معذورًا اذا انساق وراء وعود برق الخطباء الخلّب، أو اذا غرر به سرابهم، فلولاه “لما واصلوا السير في البيد”. بسطاء الناس، أو من كنّا يومًا نطلق عليهم اسم الكادحين، طيّبون ويصدّقون النبوآت وأهازيج المطر، ويفرحون لأنين الربابة حين يسري في عروقهم المتعبة، ولا يتأففون عندما يصغون لبحة الناي وهي تناغي “قصب” جدودهم الذي غمره غبار الزمن.

هؤلا الكادحون، هكذا افترض، لم يسمعوا تصريح رئيس قسم جراحة القلب والصدر في مستشفى سوروكا، في مدينة بئر السبع، أمام جمهرة من الأكاديميين اليهود، وهو يعبر عن دهشته من عدم مواجهة حكومات اسرائيل لأحد أهمّ المخاطر الموجوده في داخلها، وهو المرأة العربية الولّادة؛ فمن جهة، هكذا صرّح “البروفيسور” في ندوة منزلية اقيمت بحضور الوزيرة أييلت شكيد في بلدة “عومر” بالنقب: “نحن نفهم أن التكاثر هو الذي سيهزمنا، أي الرحم العربي. ومن الجهة الأخرى نقوم بتشجيع ذلك من خلال دفعنا لهم عن أولادهم مخصصات التأمين الوطني”.

وطالب “جنابه” الوزيرة محاربة هذه الظاهرة الخطيرة من خلال فحص امكانية تدفيع العائلة العربية غرامة مالية عن ولادة الابن الخامس ومن يليه !

أعرف أن الكثيرين بيننا سوف يستخفون بهذا الحدث؛ فهو ليس الأول من نوعه، ولا الأخطر من حيث وقعه الآني؛ لكنني أختلف مع هؤلاء ولا أوافقهم. فنحن لا نستطيع سلخ هذا المشهد المقيت المستفز عن مجمل ما يحصل في شوارع الدولة وميادينها، ولا عن مسلسل الاعتداءات الهمجية شبه اليومية التي يقوم بها أوباش اليمين المنفلتون ؛ هذا فضلًا عن كون المتحدث في هذه المداخلة أكاديميًا موثرًا وطبيبًا يرأس وحدة جراحية مهمة تعالج عشرات المرضى العرب ويعمل معه فيها وفي المستشفى عدد كبير من الأطباء والموظفين/ات العرب.

لقد استنكرت رابطة الأطباء العرب في النقب تصريحات العنصري ساهار ، وطالبت بفصله من العمل؛ ولكن مدير المستشفى اكتفى باصدار بيان أوضح فيه ان: “تصريح أحد رؤساء الاقسام في المستشفى، الذي قيل في مناسبة خاصة، لا يمثل مستشفى سوروكا ولا عمّاله. لقد اوضحت الادارة ذلك لمدير القسم وهو اعتذر عن موقفه” . لم نقرأ، للأسف، في بيانهم أي اعتذار واضح عمّا قيل، ولا نفيًا لنظرية “الارحام العربية العدوة”.

    لم تر النخب العربية، من مواقعها الأكاديمية والتشغيلية الوثيرة، خطورة تصريح البروفيسور ساهار، ولم تتطرق الى كيفية معالجته من قبل ادارة المستشفى وسائر مؤسسات الدولة ذات العلاقة. لقد حافظت تلك الشرائح على صمتها الذي أدمنت عليه منذ سنوات طويلة، حيث ساهم صمتهم منذ سنين في تمادي الزخم الفاشي من جهة، وفي تعزيز مشاعر اليأس بين المواطنين وهروب الأفواج نحو الهوامش؛ فاما التدين والركون الى مشيئة الله، واما “التوحد” وتطليق السياسة ومتاعبها، من جهة اخرى.

توقعت أن يوظف قادة الأحزاب هذه الحادثة في استثارة همم الناس، وخاصة همم الاكاديمين العرب واليهود على حد سواء؛ ورغم اصدار بعضهم بيانات شجب واحتجاج، رأينا كيف التصق معظمهم بحملاتهم الدعائية المبرمجة والمعدة من قبل مستشاريهم الاعلاميين، وهؤلاء، كما نعلم، يعملون في التجارة لا في السياسة؛ فدعونا نتصور للحظات أن هذا البروفيسور سيصبح وزير الصحة القادم في حكومة يؤمن جميع وزرائها مثله وأخطر! عندها كيف ستأمن نساء العرب مباضع من يعتبر أرحامهن خطرًا على مستقبل اسرائيل وشعبها اليهودي؟ أو من سيحمي ملاكات عمل الاطباء والمحاضرين والمهندسين والمعلمين العرب وغيرهم من انتقامهم الأكيد وكيدهم المعلن؟

ومختصر السؤال نكرره، من سيحمينا من هؤلاء وكيف؟ أمواطنة، أرادوا، هم، ان يحرمونا منها، وجعلناها نحن عرجاء ستكفي؟ أو عدل قضائهم الذي سيقف على رأسه قضاة يمارسون الاستيطان فكرًا وسكنًا ؟ أو ربما هي فزعة أشقائنا العرب الذين سيفتحون أمام مفكرينا وأكاديميينا وطلابنا أبواب جامعاتهم ويضعون ميزانيات مراكز دراساتهم العليا تحت تصرف باحثينا وعلمائنا ؟

لقد سألت هذه الأسئلة لمن يدعون الى مقاطعة الانتخابات، ولا أعني الافراد منهم، ولم أقرأ ردًا صريحًا يتعدى بابي التمني والدعاء، أو عتبة الشعارات المقاتلة التقليدية التي تقال بدون أرصدة عملية.

فنحن نعيش وسط مجتمع عنصري ومتطرف دينيًا، تهرول قياداته الفاشية نحو سدة الحكم، ويتوجب علينا افشالهم والمشاركة في الانتخابات هي وسيلة مهمة في سبيل هذا الجهد، وهي أفضل طبعًا من الاستخفاف والمقامرات والمزايدات والمغامرات التي مهما مورست بنيات حسنه ستوصلنا حتما الى جهنم.

سأصوّت كما صوّتُّ دائمًا، لصالح قائمة “الجبهة الديمقراطية”، وحليفتها اليوم “الحركة العربية للتغيير”، وأدعو الناس للتصويت لهذه القائمه، بكونها عنوانًا مجربًا وأصيلًا للنضال الكفاحي الواقعي المشترك، العربي اليهودي، وللوقوف في وجه الاحتلال والعنصريين والفاشيين؛ ومن لا يرغب بها فليصوت لمن سيقف في وجه الفاشية والاحتلال، فمواجهتم، بجبهة نضالية موحّدة، هي مهمتنا الاولى بعد معركة الانتخابات. ويبقى التصويت،في جميع الأحوال، للاحزاب اليمينية الصهيونية محرّمًا طبعا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى