الأفكار الآلية السلبية: تعريفها، أنماطها، تأثيراتها، وعلاجها.  

د. محمد السعيد أبو حلاوة | أستاذ الصحة النفسية المشارك، كلية التربية، جامعة دمنهور. 

  • مقدمة: 

يٌكْثرُ أنصار العلاج المعرفي والعلاج المعرفي السلوكي بصورة تامة من التحدث عن تأثيرات أفكارنا واعتقاداتنا والمخططات المعرفية التي نقارب بها موقفنا من أنفسنا ومن العالم من حولنا ومن الآخرين ومن المستقبل على حالاتنا المزاجية وعلى سلوكياتنا وأفعالنا وردود أفعالنا تجاه مثيرات وأحداث الحياة ووقائعها. 

ويطلق على هذه الأفكار والتصورات والرؤى إجمالاً مصطلح “الأفكار الذاتية أو الآلية السلبية Negative automatic thoughts”، وتسمى أحيانًا في بعض الكتابات ربما غير الأكاديمية باسم “الأفكار السامة toxic thoughts” التي قد تكون لدينا عن أنفسنا وتحدد إلى موقفنا من أنفسنا بصورة عامة وتمارس تأثيرات سيئة بالغة الخطورة على تكويننا النفسية، وقد تبدأ هذه الأفكار بأفكار عادة قد يراها البعض أنها عامة وبسيطة مثل “أنا لست جيدًا بصورة كافية”، أو “أنا لا أستحق السعادة/النجاح/الحب، …الخ”. 

وتأسيسًا على ذلك يتضمن المقال الحالي العناصر التالية: 

أولاً

ما  المقصود بالأفكار الذاتية الآلية السلبية؟. 

ثانيًا

ما أهمية دراسة الأفكار الذاتية الآلية السلبية؟

ثالثًا

ما أنماط الأفكار الذاتية الآلية السلبية؟ 

رابعًا

أوراق عمل تدريبية عن الأفكار الذاتية الآلية السلبية. 

خامسًا

خمسة أمثلة للأفكار الذاتية الآلية السلبية.

سادسًا

ست فنيات علاجية من فنيات العلاج المعرفي ـ السلوكي. 

وفيما يلي تناول موجز لهذه العناصر

======================

أولاً- ما  المقصود بالأفكار الذاتية الآلية السلبية؟: 

تأتيك الأفكار الذاتية الآلية السلبية من الاعتقاد بأنه ينبغي عليك أن تصل إلى الكمال والإتقان في كل شيء تقوم بفعله من أجل أن تكون سعيدًا؛ ومن ثم تصور أن السعادة دالة في تحليلها النهائي للحاجة إلى الكمالية والتمامية والإتقان ربما في المظهر والتفكير والانفعال والفعل، وهذا أمر مستحيل وعندما يقال مستحيل يُعْنى بذلك عدم إمكانية عيش حياة هانئة في ظل مثل هذا الاعتقاد، ويبدو أن التمسك به وهمًا يفضي بالشخص إلى الدوران رغمًا عنه في آتون فلك أنماط قهر الذات أو اهزام الذات والقضاء عليها نفسيًا بالضربة القاضية self-defeating patterns. 

والواقع الطبيعي والمنطقي أن التمامية والإتقان المطلق لكل شيء أو الكمالية التامة وضعًا نفسيًا عُصابيًا ومختل وظيفيًا ويستحيل تحقيقه في الحياة؛ كون الحياة تجربة إنسانية مفعمة بالمتاعب والصعوبات والمشكلات والعثرات والإخفاقات المضفرة بنيويًا في متنها والتي لا يمكن منعها أو تجنبها. 

وأورد ألبرت أليس Albert Ellis في عديد من كتابتها مقولة بالغة الأهمية في هذا الصدد لاستقصاء أحد محددات تكوين مثل هذه الأفكار الآلية السلبية إذ يقول “نحن نعلم الناس كيف يُتْعِسون أنفسهم، نحن لا نستطيع تغيير الماضي بكل تأكيد ولا وقائع وأحداث الحياة الطبيعية؛ ومن ثم كل ما في إمكاننا تغيير الطريقة التي نفكر ونشعر ونتصرف بها اليوم هنا والآن”. 

والأفكار الذاتية الآلية الأتوماتيكية السلبية البائسة والمزعجة وغير التكيفية أو المختلة وظيفيًا وكلها توصيفات مقبولة وواردة في أدبيات المجال  “تجسيد للتفكير الذاتي الآلي ذوي الطابع الإجباري أو  الإلزامي أو القهري لعمليات عقلية أو ذهنية دون قدرة منا على ضبطها وتنظيمها استجابة للأحداث والوقائع البيئية، وتتعلق هذه الأفكار الآلية السلبية باعتقاداتنا ومخططاتنا المعرفية الأكثر ثباتًا واستقرارًا في تكويننا الذهني مع تسليم الشخص بصحتها ورشدها خلافًا لما هي عليه بالفعل”.  

وتتصف الأفكار الآلية الذاتية السلبية بأنها أفكارًا غير عقلانية وربما تتضمن مقاربة الشخص لذاته ولحياته بصفة عامة تحت سطوة تعبيرات أو جملاً لغوية آمرة وذات تأثيرات سلبية لا يتوقف عن ترديدها وفقًا لآليات التحدث السلبي مع الذات مثل “لا أستطيع أداء هذا العمل”، “أنا شخص فاشل”، “لا فائدة ترتجي مني”، وواضح تمامًا الدلالات السلبية السيئة لمثل هذه التعبيرات اللغوية، والتي يمكن أن تفضي بطبيعة الحال إلى تشويه تصور الشخص لذاته وإيذائه نفسيًا وامتلاء تكوينه النفسي بمشاعر الخزي من الذات والشعور بالذنب وربما كراهية الذات. 

ورأى ألبرت إليس حتمية أن يتم التعامل مع هذه الأفكار باعتبارها مجرد “أفكار” وليس وقائع حقيقية وليست تعريفًا نفسيًا للشخص الذي توجد لديه، وقد لا تعبر عن الواقع، رغم  تسليمه بأنها تفضي إلى امتلاء تكوين الشخص بالانفعالات والمشاعر السيئة ومن ثم إتيانه بأفعال وردود أفعال غير تكيفية أو غير وظيفية. 

وتأتي الأفكار الذاتية الآلية السلبية من الاعتقادات المعرفية الكامنة في التكوين النفسي العميق للشخص، وقبل الانتقال إلى محتوى أو موضوع الاعتقادات من المفيد التحدث عن الأخطاء الذهنية أو العقلية intellectual errors التي تحدث على مستوى الأفكار الذاتية أو الآلية.  

فعند تقصي وتحليل الأفكار الآلية التي تزعج الشخص وتسبب ضيقه وتوتره وارتباكه يمكن أن يتم ملاحظة بعض الأخطاء أثناء عملية التفكير، وعادة يطلق على هذه الأخطاء من وجهة نظر أنصار العلاج المعرفي التشوهات المعرفية cognitive distortions

ثانيًا- ما أهمية دراسة الأفكار الذاتية الآلية السلبية؟: 

للأفكار الذاتية الآلية السلبية أهمية قصوى في تقريبنا من فهم المشكلات السلوكية والاضطرابات النفسية واعتلالات الصحة النفسية بصورها المختلفة، وتظهر نتائج عديد من الدراسات أن الأفراد الذين يوجد في تكوينهم المعرفي أفكارًا آلية سلبية غالبًا يمكن أن يعانون من: 

  • انخفاض جوهري في تقدير الذات. 

  • الاكتئاب. 

  • مشكلات وصعوبات جوهرية في إدارة الغضب. 

  • عدم  القدرة على تنظيم الذات. 

وعلى الرغم من أن غالبية الناس لا يدركون ولا يتذكرون ما يسيطر عليهم من أفكار آلية سلبية رغم تبدي تأثيراتها على انفعالاتهم وأفعالهم وردود أفعالهم، من المهم جدًا بالنسبة للمتخصصين في تقديم الرعاية الصحية النفسية استقصاء ورصد وتحديد هذه الأفكار والعمل بصورة مباشرة على علاجها وتخليص الأفراد منها وفقًا لفنيات التدخلات العلاجية المعتمدة مثل فنيات العلاج المعرفي وفنيات العلاج المعرفي السلوكي وفنيات العلاج العقلاني الانفعالي السلوكي، أو العلاج  المرتكز على المخططات المعرفية، وغيرها. 

ثالثًا- ما أنماط الأفكار الذاتية الآلية السلبية؟: 

  • التنقيب الانتقائي أو الاختياري Selective Detection

يقصد بالبحث أو التنقيب الانتقائي ميل الشخص إلى استقصاء وإظهار الأدلة التي تدعم اعتقاداته مع تجاهله للمعلومات التي تتناقض مع آرائه، على سبيل المثل أثناء الحوار حول قضية تغير المناخ سنجد أن الشخص الذي يعتقد بحدوث تغيرات سيئة في المناخ يجمع الأدلة التي تدعم مزاعمه بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري وفي نفس الوقت تجاهل أي بيانات معارضة.  

ومن أمثلة الأفكار الآلية السلبية المرتبطة بهذا النمط ما يلي: 

  • إذا أخفق شخص في مقابلة شخصية لوظيفة ما تراه يقول “لن يوظفني أحد على الإطلاق، أو لن ألتحق بأي وظيفة أبدًا”. 

  •  إذا وجد طلاب غير مهتمين بالدرس أثناء الشرح ربما يعتقد المعلم بمقولة “أنا معلم غير ناجح”. 

  •  إذا رفض شخص دعوتك لتناول العشاء معك يمكن أن تسيطر عليك فكرة “لا يريد أن يكون معي”. 

  • قراءة العقل Mind Reading:  

قراءة العقل أحد صيغ التشوهات المعرفية يكون به الشخص تصوراته وأحكامه الذاتية الخاصة على دوافع وأفكار ونوايا الآخرين بدون وقائع حقيقية فعلية بل وفقًا لتصوراته وتخيلاته الذاتية، ويجدر التنويه إلى أن الشخص الوحيد القادر على تعرف وإدراك أفكاره وتصوراته ورؤاه هو الشخص نفسه وليس شخصًا آخرًا ينظر إليه من الخارج.  

وتتبدي ملامح قراءة العقل في عديد من أشكال اضطرابات القلق مثل اضطراب الهلع أو اضطراب القلق الاجتماعي والذي لا تتطابق فيه المعلومات الفعلية أو الواقعية مع ما يتصوره أو ما يعتقده الشخص عن الآخرين، فقد يتصور شخص ما أن الآخرين يتأمرون عليه ويكيدون له ويسقط عليهم أحكامًا مبنية على تصوره أنه يدرك نوياهم وأفكارهم ومواقفهم تجاهه، الأمر الذي يجعله في حالة من الارتياب الدائم فيهم؛ ومن ثم العجز عن إقامة علاقات بين شخصية ودية معهم.  

ومن أمثلة الأفكار الآلية المعبرة عن هذا النمط ما يلي: 

  • أعتقد أني طرحت السؤال الخطأ “سيظن أني غبي”.

  •  أطلب الكثير “ستعتقد أني جشع وطماع”.  

  • التهويل أو المبالغة Exaggeration: 

التهويل والمبالغة تشوهًا معرفيًا يعني أنك تميل إلى المبالغة التامة في زيادة أو تقدير أهمية شيء ما في الماضي كحدث ما أو واقعة أو ذكرى، على سبيل المثال إذا نظر شخص ما إلى منزلك وقال إنه “يبدو ككوخ خشبي صغير به بعض النوافذ ذات المظهر المضحك”، قد تعتد أنه يحاول مضايقتك وإزعاجك والتنمر عليك، رغم كل ما كان يقصده أنه منزل صغير بالنسبة للمسكن الذي يقطن فيه هو.  

ويؤثر التهويل والمبالغة بصورة عامة على أفكارك وتفكيرك وموقفك من وقائع وأحداث الحياة والأشياء من حولك، وعادة يترتب على الاعتقاد في هذا النمط من الأفكار انخفاض جوهري في تقدير الشخص لذاته وفي ثقته في ذاته، وربما يعتقد أنه أقل في كل الأحوال من الآخرين. 

ومن أمثلة الأفكار الآلية السلبية المرتبطة بهذا النمط ما يلي: 

  • يا لسوء الحظ، يبدو أن الأمور تزداد سوءً يومًا بعد يوم لدرجة التي ستغرقني فيها. 

  •  إذا عبرت عن ما أفكر فيه فإن من أتحدث معه سوف يتألم أو يغضب. 

  •  إذ اعترفت بالخطأ الذي ارتكبته سيتم تدميري. 

  •  لا يمكن أن تكون الأمور أسوأ مما هي عليه الآن.  

  • الازدراء (التهوين والتقليل من الشأن) Disdain

أو التقليل من الشأن والتهوين من الأمور كأن يميل الشخص إلى تقليل قيمة أو قدر الأحداث الإيجابية التي مر بها أو تعرض لها. وقد يعتقد أن نجاحاته ليست بالقيمة ولا بالأهمية التي يتم  تصويرها بها وأنها أقل شأنًا مما يتصوره الآخرون. 

وعلى ذلك فإن الشعور بالازدراء تجاه شخصٍ ما أو تجاه شيءٍ ما يعني أنك تميل إلى التقليل من شأنه واعتباره غير مهم ولا يستحق الالتفات إليه، ويعنى بذلك انخفاض معامل التوقعات الإيجابية للآخرين، وقد ينصرف الأمر إلى الذات فترى الشخص يعتقد أن قدراته محدودة، وأن العالم الذي يعيش فيه لا قيمة له.

ومن أمثلة الأفكار الآلية السلبية المتعلقة بهذا النمط ما يلي: 

  •  لا يهم إذا حصلت على درجات مرتفعة في هذا الامتحان أم لا. 

  •  يمكن لأي شخص أن يفعل ما فعلته ربما بصورة أفضل مني. 

  •  سبب تمسكهم بي في العمل ليس لأنهم يحبون ما أفعله، ولكن لأنهم لم يجدو شخص آخر يقوم بأداء عملي. 

  •  أحبائي بجواري فقد لأنهم رثاءً وأسى وإشفاقًا على حالي.  

  1. التعميم الزائد Overgeneralization

التعميم الذات تشوهًا معرفيًا يحدث عندما يبالغ الشخص في استنتاجاته ويوسع من نطاق تعميمها على مشاعر وأفكار ووقائع وأحداث وخبرات قد لا تنطبق عليها. على سبيل المثال، إذا دخلت إليس في خلاف أو جدال ومحاجة مع زملائها في العمل اليوم قد تتصور أن زملائها دائمًا حالتهم المزاجية سيئة بشكل عام وبصفة مستمرة وأنهم لا يستحقون أن يكون أصدقاء عليها بسبب واقعة الخلاف أو المجادلة الوحيدة في العمل اليوم على الرغم من عدم وجود أي وقائع سابقة تفضي إلى هذا الاعتقاد.  

ومن أمثلة الأفكار الآلية الذاتية السلبية المتعلقة بهذا النمط: 

  • كل الناس أنانيون لا يحبون إلا أنفسهم. 

  •  لا يحترمني أحد. 

  •  لا يسير أي شيء على ما يرام. 

  •  لم يقل لي ولو لمرة واحدة أنه يحبني 

  • الشخصنة أو “الفردانية” Individualization:  

ويتم بموجب هذا التشوه المعرفي توجه الشخص على الدوام نحو المقارنات الشخصية أي مقارنة ذاته دائمًا بالآخرين، وشخصنة المواقف والأحداث وربطها على الدوام بالذات، ويتضمن هذا التشوه المعرفي مكونين: 

  • المبالغة في تقدير أفكار وأفعال الآخرين واعتبارها فريدة ومتميزة مقارنة بأفكار وأفعال الذات. 

  • إسقاط معانٍ هائلة على الأفعال رغم أن هذه الأفعال قد لا تحتمل هذه المعاني وعزو هذه المعاني إلى الذات. 

ومن أمثلة الأفكار الآلية السلبية المتعلقة بهذا النمط ما يلي: 

  • أنا الشخص الوحيد الذي يشعر بهذه الطريقة. 

  •  إن لم أفعل الأشياء وفقًا لما أريد، لن تعود الأمور إلى نصابها على الإطلاق. 

  • أسلوب التفكير القائم على مغالطة “الكل أو لا شيء” Thinking of All or Nothing Style

التفكير المرتكز على قاعدة الكل أو لا شيء تشوه معرفي يرى الشخص بموجبه وبصورة ساذجة أن الأشياء إما سلبية بصورة تامة أو إيجابية بصورة تامة. وأسلوب التفكير القائم على الكل أو لا شيء سلوك متطرف غالبًا يتخذ صيغ جمل تعبيرية تبدأ بكلمة “يتعين، يجب، من المحتم”، فضلاً عن المبالغة في نقد الذات، والتوقعات العالية جدًا على تُسْقط على الذات بدون اعتبار لما يمكن إنجازه أو لم تم إنجازه بالفعل. 

وقد يتحول هذا الأسلوب المختل وظيفيًا في التفكير إلى صيغة أفكار العظمة أو المبالغة في تقييم الأشياء وارتفاع الشعور بالإنجاز مع ربما الرعب من إنجاز الأشياء بصورة تامة. 

ومن أمثلة الأفكار الآلية المتعلقة بهذا النمط ما يلي: 

  • حصلت على درجة منخفضة في الحساب، أنا تلميذ غير ناجح على الإطلاق. 

  •  إن لما يقل لي أنه يحبي، فلن يقول لي ذلك مرة أخرى على الإطلاق. 

  •  أنا لا أمتلك الكثير من المال هذا الشهر، سوف أتعرض إلى الإفلاس. 

  • وهم السيطرة Illusion of Control

ويمثل وهم الضبط والسيطرة تشوهًا معرفيًا يتضمن المبالغة في تقدير الشخص لمسئوليته الشخصية بالاعتقاد بأنه هو السبب في الأحداث والوقاع وأن بإمكانه السيطرة على كل الوقائع والأحداث وتنظيمها وفقًا لمراده ورغبته. 

ويتصور من يوجد لديهم مثل هذا الاعتقاد أنهم يمتلكون القدرة والسيطرة التي تمكنهم من تحديد النواتج التي يريدونها في الحياة سواء في حياتهم الشخصية أو الحياة العامة.  

ومن أمثلة الأفكار الآلية الذاتية السلبية المتعلقة بهذا النمط ما يلي: 

  • أنا السبب في أن مريض لم يتعافى. 

  •  أنا المسئول عن ما حدث لأخي.  

  • الاستنتاج العشوائي “الاعتباطي” غير المسوغ Arbitrary Inference:  

وهو أحد أنماط التشوهات المعرفية حيث يعتقد الشخص خطأ بأن ما لا يتفق مع رؤاه وتصوراته المسبقة يجب أن يكون خطأ. وفي هذه الحالة يشك الشخص في كل شيء وبعد مدة من الوقت يصبح كأنه قادر على توقع كل شيء وفقًا لاستنتاجات لا يوجد مقدمات منطقية تسوغها. 

ومن أمثلة الأفكار الآلية المتعلقة بهذا النمط: 

  • لا يريد أن يكون معي بسبب أنه يراني سيدة بسيطة أو ساذجة. 

  •  إن لم أعبر عن مشاعري سأخسر الناس. 

  •  النساء لا تحب إلا الرجال المرحين الذين يتمتعون بقدر مرتفع من الوسامة. 

  • الوسم أو التسمية Labeling

الوسم أو إسقاط التسميات والأوصاف العامة تشوهًا معرفيًا نوعيًا محمل بتفكير مفعم بشحنات انفعالية يصنف بموجبه الناس إلى فئات ويسقط عليهم تسميات محددة بدون مسوغ، ويمثل القفز إلى استنتاجات بناء على معلومات محدودة عنهم. 

ومن أمثلة الأفكار الآلية السلبية المتعلقة بهذا النمط: 

  • إنه لا يعرف ما يقول، إذن هو رجل متوتر وغير مستقر. 

  •  لقد عرض على القليل من المال، إذن إنه شخص لئيم. 

  •  أحيانًا أعتقد أني لست مهتمًا به، إذن أنا شخص لئيم. 


  • القرارات الانفعالية Emotional Decisions

أفكار تنشأ من الاعتقاد من أن ما يشعر به الشخص تجاه حدث أو تجاه الناس هو شعور صحيح  وحقيقي. ومن  أمثلة الأفكار الآلية السلبية المجسدة لهذا النمط ما يلي: 

  • لقد عرفت من الوهلة أي نوع من الأشخاص هو. 

  •  أشعر كما لو أن الناس تخشاني وتخاف مني. 

من جانب آخر من أمثلة الأفكار الآلية المعبرة عن القلق ما يلي: 

  • ماذا  لو لاحظ الناس أني عصبي أو متوتر؟ آه أكيد سأخفق فيما أود عرضه أو قوله أو التعبير عنه أو فعله. 

  • ربما أتعرض لسخرية وتهكم الناس، وفي هذه الحالة أكيد لن أنحج في الامتحان. 

  • قد أضطر إلى ترك المدرسة: آه أنا لست متحدثًا جيدًا.  

رابعًا- أوراق عمل تدريبية عن الأفكار الذاتية الآلية السلبية: 

يستطيع المعالج النفسي باستخدام عديدًا من أوراق العمل التدريبية ملاحظة ورصد واستقصاء الأفكار الآلية السلبية التي تسيطر على الشخص، بل وتعليم الشخص نفسه ملاحظة ذاته وتدوين هذه الأفكار، الأمر الذي يجعل الشخص المضطرب على وعي بما يعتريه من أفكار آلية سلبية والمواقف التي تنشط فيها هذه الأفكار ومن ثم تدريبه على كيفية استبدالها بأفكار أخرى سوية.  

وغالبًا يُقارن الاجترار Rumination بالأفكار الأتوماتيكية أو الذاتية السلبية؛ لكونه يعرف بأنه “أفكار تكرارية تحتوي موضوعات تتعلق بالخسائر الشخصية أو الإخفاق”، فضلاً عن أن سوزان نولين-هيوكسيما Nolen-Hoeksema 2004 اعتبرت الاجترار كما يعرف وفق نظرية أساليب الاستجابة بأنه صيغة نوعية من صيغ الأفكار السلبية الأوتوماتيكية أو الآلية على الرغم من أن الأفكار السلبية الآلية ذات طابع مؤقت وترتبط بالتقديرات المعرفية للخسارة أو الإخفاق والاكتئاب. 

من جانب آخر أشارت سوزان نولين-هيوكسيما (2004) Nolen-Hoeksema  إلى أن الاجترار يتكون من سلسلة طويلة من التفكير التكراري الدائري السلبي المركز على الذات والذي قد يحدث استجابة لأفكار سلبية أولية. 

خامسًا- خمسة أمثلة للأفكار الذاتية الآلية السلبية: 

  • لا أستطيع بالفعل أداء هذا العمل. 

  • كل الرجال يجب أن تراني جميلة (كل النساء يجب أن أحظى بإعجابهن). 

  • يجب أن أكون ثريًا جدًا. 

  • يجب أن أتقن بصورة أي شيء أقوم بفعله، ويتعين أن أبدوا كاملاً.

  • يجب أن يتكلم الجميع عني وعن إنجازاتي. 

  • لا أستطيع الذهاب إلى هناك. 

  • لا يمكنك الثقة في أي إنسان. 

  • كل الناس وحوش. 

  • كل العناكب سامة وضارة.  

ويحاول المعالجون النفسانيين تغيير أنماط التفكير السلبي هذه باستخدام فنيات العلاج المعرفي السلوكي، والتي تجمع في بنيتها فنيات مثبتة فاعلياتها بالدليل مأخوذة من العلاج السلوكي والعلاج المعرفي.  

سادسًا- فنيات علاجية من فنيات العلاج المعرفي ـ السلوكي: 

يتأسس العلاج المعرفي السلوكي على قاعدة مركزية مفادها أن “الطريقة التي نفكر بها أو نفسر ونؤول بها الأحداث أو المواقف في الحياة تؤثر على مشاعرنا وانفعالاتنا ومن ثم على أفعالنا واستجاباتنا وردود أفعالنا. 

وتتوزع العمليات المعرفية المتعلقة بالتفكير المختل وظيفيًا الكامن وراء الانفعالات السيئة والأفعال وردود الأفعال غير التكيفية ثلاث مستويات أساسية تتمثل فيما يلي: 

  • الاعتقادات المحورية Core beliefs  والتي هي بمثابة اعتقادات وتصورات ورؤى عميقة عن الذات وعن الآخرين وعن العالم.  


  •  الافتراضات المختلفة وظيفيًا Dysfunctional assumptions وهي قواعد للحياة يتبناها الناس قائمة أساسيًا على فكرة “ينبغي، يتعين، من المحتم، من اللازم”. 

 

  •  الأفكار السلبية الآلية أو الأوتوماتيكية Negative Automatic Thoughtsهي أفكار لا إرادية تنشأ هكذا عنوة في عقل الشخص وتنشط بصورة آلية أثناء تواجده في مواقفهم معينة.  

وتتمثل أهداف العلاج المعرفي ـ السلوكي فيما يلي: 

  • تعليم العملاء مجابهة وتحدي الاعتقادات الخاطئة بالشواهد المناقضة أو المضادة لهذه الاعتقادات الخاطئة. 

  • مساعدة العملاء على السعي التخلص من الاعتقادات الخاطئة.

  • أن يصبح العميل واعيًا بالأفكار الأوتوماتيكية والتوجه لتغييرها. 

  • مساعدة العملاء على استقصاء وتعرف وتحديد مكامن قوتهم وتحديد ما يمكن تنميته منها. 

وتدور عمليات العلاج السلوكي وفنياته حول تفكيك بنية أنماط التفكير السلبي الشائعة التي تعرب عن الاعتقادات المحورية غير العقلانية والافتراضات المختلة وظيفيًا والأفكار الآلية السلبية والتي تتمثل أبرزها ببساطة شديدة فيما يلي: 

  • التفكير القائم على فكرة “الكل أو لا شيء: “يجب أن أفعل كل شيء بدقة تامة وإلا سأكون فاشلاً”.

  • التركيز على السلبيات وجوانب القصور: “لا أفعل أي شيء بصورة صحيحة، كل شيء أفعله محبط”.

  • الوسم السلبي للذات: “أنا شخص فاشل، لا يريد الناس أن يكونوا معي”. 

  • التفكير أو التصوير المأساوي: “إذا سار شيئًا ما على غير ما يرام، فإن ذلك يعد أسوأ سيناريو ممكن”.

ومع تركيز المقال الحالي على الأفكار الآلية السلبية والسيئة يبقى السؤال المطروح: كيف تحدث الأفكار السلبية الآلية وما ديناميات عملها أو تأثيراتها؟ : How Do Automatic Negative Thoughts Occur? ، من المسلم به أن خبراتنا السلبية واعتقاداتنا المختلفة برؤيتنا وتصوراتنا التي ننطلق منها في إدراك وتفسير الأحداث تؤثر على عمليات تفكيرنا بصورة مباشرة ويرتبط بها بصورة مباشرة عديد من الأفكار ذات الطابع الآلي والسلبية، والنقطة الأساسية في هذا الصدد أنه عندما نفكر بصورة سلبية، يجب علينا أن لا نسلم ذاتنا لهذا التفكير بل علينا أن نحاول تغيير الطرائق السلبية التي نفكر بها، الأمر الذي يمكننا بصورة تدريجية من التخلص من “حالة العجز المتعلم” التي تم برمجة أدمغتنا عليها، ومن ثم حتمية تحويل هذه البرمجة السلبية إلى برمجة إيجابية.

ويمكن بصورة مباشرة استخدام فنيات العلاج المعرفي ـ السلوكي لتفكيك بنية الأفكار الآلية السلبية وكفها والتخلص منها واستبدالها بأخرى إيجابية تحت سيطرة الشخص ويمكنه استخدامها بصورة إرادية تلقائية، خاصة وأن الأفكار الذاتية الآلية السلبية عادة يمكن أن يترتب عليها معاناتنا من الاكتئاب وزيادة مستويات القلق، ومن ثم من الضروري جدًا التخلص منها، وتتمثل أهم فنيات العلاج المعرفي ـ السلوكي التي يمكننا استخدامها في هذا الصدد فيما يلي: 

  • فنية تدوين المذكرات اليومية Keep a diary

فتعلم الشخص لتكنيك تدوين المذكرات اليومية تساعده في ملاحظة ورصد ووضع قائمة بانفعالاته ومشاعره والأحداث التي تثيرها والمواقف التي تحدثها فيها وما يصدر عنه من أفعال وردود أفعال عندما تعتريه هذه المشاعر والانفعالات، وبهذه الطريقة يمكن أن يكون مجرد تدوين المذكرات اليومية أداة تصريف وتعبير عن الانفعالات السلبية هذه مضافًا إليها فعل التدبر فيها، الأمر الذي يمكن مع تتاليه تمكنك من إخراج هذه الأفكار من رأسك حتى تتوقف عن تعطيل حياتك اليومية. 

  1. فنية تدريبات الوعي “ممارسة تدريبات الوعي” Awareness exercises

أفاد أنتوني ستيفنز Anthony Stevens  أن “ممارسة الشخص لتدريبات تقوية وعيه بذاته تمكنه من مراقبة ما يجري بداخله وما يدور حوله، علاوة على إدراك طبيعة ونوعية الأحداث والوقائع عند حدوثها، في إطار فهم معناها ودلالاتها، ولهذا الأمر دورًا جوهريًا في تمكنه من إدارة ذاته في مواقف التفاعل المختلفة”.  

  • فنية التحقق من دقة الأفكار ربما من خلال التشكيك فيها أولاً Questioning the accuracy of thoughts: 

من أهم فنيات العلاج المعرفي ـ السلوكي فنية الاستقصاء الاستفهامي القائم على التحقق مما إذا كان الأفكار التي تعتري الشخص دقيقة وصحيحة أم خاطئة وزائفة، ويستعان في تدريب الأشخاص على استخدام هذه الفنيات بعديد من التطبيقات والاختبارات والتدريبات التي أثبت أنصار العلاج المعرفي ـ السلوكي فاعليتها.   

  • تدريبات وممارسات الاسترخاء Relaxation exercises

من المهم أن يؤكد على أن “العلاج الهادف إلى تنمية الوعي بالذات” لا تتحقق أهدافه إلا مع وصول الشخص لحالة من الهدوء والتروي وهذه الحالة يتعذر الوصول إليها بدون اكتساب مهارات الاسترخاء كأساس لتعلم “تهدئة الذات”؛ ومن ثم التفكير بصورة منطقية هادئة وإيجابية.  

  • الواجبات أو التكليفات المنزلية Homeworks

وتتعلق بفنيات تكليفات الملاحظة أي ملاحظة الذات وما يجري حولها وهذا أمر مهم جدًا لزيادة وعي الشخص بالتفكير الخاطئ الذي يمكن أن يعتريه في وقت ما تجاوبًا مع واقعة أو حدثٍ معين، ويمكن أن تكون التكليفات المنزلية في صيغة مكتوبة عن طريق إعطاء الشخص أوراق ونماذج للتدوين فيها.

  • دراسة وقراءة كتب مساعدة الذات بغرض فهم الذات Self-study with books:   

فيما يعرف بكتب مساعدة الذات وهي وفقًا لنفيات العلاج المعرفي السلوكي وسيلة مباشرة، خاصة وأنه يوجد عديدًا من الكتب المعتبرة في هذا المجال والتي يمكن أن تساعد الشخص في الوعي بذاته وتعلم التفكير القائم على التروي وعدم الاندفاع.  

  • العلاج المعرفي السلوكي بمساعدة الكمبيوتر أو المدعم بالكمبيوتر أو المحوسب Computer assisted cognitive behavior therapy

ويستفاد وفقًا لهذا السياق بعديدٍ من التطبيقات الرقمية التي زادت بصورة واضحة في السنوات الأخيرة، وربما منها المباريات والألعاب الحاسوبية التي تصمم للأطفال وفقًا لأهداف تعليمية معينية، ويتوقع أن تتطور مثل هذه البرامج مع التطورات التقنية في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق. 

  • تفنيد ودحض الأفكار الآلية السلبية والمزعجة challenging automatic negative thoughts

يستهدف العلاج المعرفي السلوكي بصورة أساسية تحدي ودحض وتفنيد الأفكار الآلية السلبية وتعليم الشخص طرائق جديدة في النظر إلى العالم وفي التعامل مع وقائعه وأحداثه. وعادة يتم ذلك باستخدام مدخل التحليل التطبيقي للسلوك Applied behavioral Analysis والذي يطلق عليه اختصارًا مركب ABC، وعمليات التدوين والرصد والمتابعة للذات أثناء التفاعل في المواقف المختلفة  journaling process ، على سبيل المثال إذا كنت تعتقد أنه لا يوجد أي شخص يحبك بسبب أن الناس تتجاهلك في المواقف الاجتماعية، حاول كتاب كل المرات التي اقترب منك صديق وتحدث معك أثناء تفاعلات اجتماعية مماثلة، وبإتباعك لهذا الأسلوب باستمرار ستجد منظورك لذاتك سيتحول إلى التوجه التفاؤلي فيما يتعلق بنوايا الآخرين وموقفهم تجاهك. 

  • المصدر: 

Marilyn Walker (2021). Negative Automatic Thoughts (ANTs): Great Examples and 3 Useful Worksheets For You: https://www.cbtcognitivebehavioraltherapy.com/negative-automatic-thoughts/ 

  • للمزيد راجع: 

  • Beck, J. S. (2011). Cognitive behavior therapy: Basics and beyond (2nd ed.). New York, NY, US: Guilford Press.

  • Nolen-Hoeksema, S. (2004). The Response Style Theory. In: Papageorgiou C, Wells A, editors. Depressive Rumination: Nature, Theory and Treatment. West Sussex, England: Wiley.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى