الاستبداد والكذب
سمير عادل
يقول المثل إن حبل الكذب قصير، إلا أن الأنظمة الاستبدادية لا تملك حتى ذلك الحبل، ولا يهمها سواءً ملكته او لا، فالمهم ان تكذب حتى النهاية، وليس ضروريا ان يصدقها الاخرون كما قال غوبلز وزير إعلام هتلر.
هذا بالضبط ما يفعله النظام الإسلامي في إيران، بان إسرائيل وامريكا وراء إشعال فتيل غضب جماهير إيران، لتتحول الى انتفاضة مرت عليها أكثر من خمسة أسابيع على إثر قتل (مهسا أميني) بسبب عدم ارتدائها حجاب، وما زالت نارها مستعرة بالرغم من كل أساليب القمع الوحشي، والتهديدات التي يطلقها المسؤولون في النظام، وآخرها كانت لقائد القوات البرية الذي طلب الاذن من المرشد لطرد جميع المحتجين خارج إيران.
ولكن يبقى السؤال الذي تحاول تلك الأنظمة الهروب منه، وهو، هل هناك احتجاجات عظيمة مثلما تحدث في إيران، وقبلها كانت مثلها في العراق التي سميت بانتفاضة أكتوبر، بأنها تندلع (بريموت كنترول) من قبل تلك الدول “المتصهينة” مثلما يدعي النظام الإسلامي في إيران وعملائه في العراق؟، هل إن جماهير إيران التي يسقط منها كل يوم العشرات برصاص القوات الأمنية، ويعتقل المئات ويحاكم الاف، كل ذلك قربانا من اجل إسرائيل وامريكا والسعودية؟ هل رخصت جماهير إيران ارواحها من اجل تحقيق مصالح تلك الدول، والجواب: الحمقى وحدهم او الذي يحلوا لهم تصديق تلك الترهات من مزاعم المسؤولين الإيرانيين في النظام الإسلامي الحاكم لأنها تتفق مع مصالحهم.
انها الجمرة المشتعلة تحت الرماد، رماد الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩، التي اختطفها الملالي وبدعم من الغرب في مقدمتهم أمريكا وبريطانيا وفرنسا، التي تحيك المؤامرات اليوم ضد الجمهورية الإسلامية مثلما يدعي طباليها وزماريها، تلك الجمرة التي لم تنطفئ، وكان قتل (مهسا أميني) هو الرياح التي اشعلت تلك الجمرة، لتتحول الى انتفاضة عارمة، تجتاح عشرات المدن الإيرانية الى حد قال مستشار المرشد علي الخامنئي قبل أيام (لقد تلقينا ضربة).
في جميع الانتفاضات والثورات والمنعطفات السياسية، تحاول التيارات السياسية ببعدها المحلي والإقليمي والدولي التدخل فيها، وحرف مسارها تجاه مصالحها، وفي حالات كثيرة تحاول الطبقات البرجوازية الحاكمة بكل السبل، بما فيها استخدام القوة العسكرية وتدبير الانقلابات للإجهاز عليها، إذا هبت رياحها بغير اتجاها، والامثلة التاريخية كثيرة وعديدة، مثلما حدث في ثورة أكتوبر عام ١٩١٧ عندما اجتمعت ٢١ دولة غربية وشرقية في اوروبا لوأد الثورة، او في الانقلابات العسكرية بالدعم المباشر من قبل وكالة المخابرات المركزية الامريكية في العراق في ١٩٦٣ عندما حاول العسكر في تغيير دفة العراق نحو الشرق، والحال نفسه في اندونيسيا في ١٩٦٥ وفي تشيلي ١٩٧٣ عندما انتخب الشعب حكام اتجهت بوصلتها في طرد نفوذ الشركات الغربية، وفي الثورة الإيرانية ١٩٧٩ للحيلولة دون انجراف الثورة نحو اليسار والاشتراكية والشيوعية، او في الثورات التي سميت بالمخملية او الملونة في بلدان اوروبا الشرقية إبان عقد التسعينات من القرن المنصرم، وفي الثورتين المصرية والتونسية، دعمت امريكا الاخوان المسلمين للوصول الى السلطة، كما ودعمت العصابات الإسلامية في سوريا وليبيا، وفي انتفاضة أكتوبر ٢٠١٩ في العراق التي قام الحرس الثوري الإيراني وعملائها من مليشيات عراقية بقتل اكثر من ٨٠٠ شخص لدحر الانتفاضة وسحق نزعتها المعادية للإسلام السياسي وسلطته الميليشياتية في العراق… وهكذا دواليك.
ان النظام الحاكم في إيران لا يبغي الاعتراف بأنه أصبح خارج الزمن، وانه غير قادر على الانسجام مع تطلعات واماني وطموح نساء إيران والشباب والعمال من أجل حياة أفضل تسودها الحرية بالدرجة الأولى والرفاه والمساواة، لا يدرك هذا النظام ان جميع أجنحته من متشددين واصلاحيين وانتهازيين غير قادرين على إنقاذ الجمهورية الإسلامية، مهما اجروا من تجارب لصواريخ فرط صوتية ولا من إطلاق مسيرات انتحارية ولا بالتلويح من الوصول الى العتبة النووية وتغيير برنامجها النووي من مدني الى عسكري.
لقد وجهت نساء إيران بالدرجة الأولى، ضربة الى كعب أخيل الجمهورية الإسلامية، لقد حرقن، ومزقن الحجاب، رمز جبروت وسطوة النظام الإسلامي، او الإسلام السياسي، الذي تحول الى رمز الحرية.
لقد كان الشعار المركزي للثورة الإيرانية في عام ١٩٧٩هو الموت للشاه، لا للشاه، يسقط الشاه، واليوم يتكرر نفس السيناريو ولكن بحناجر تتقدمها النساء الموت للديكتاتور، الموت لخامنئي.
ان تحرر المرأة في إيران، يعني الحرية، يعني الحياة، وهذه الشعارات ليست لها علاقة لا بإسرائيل ولا بأمريكا، بل ان امثلة كثيرة على ان هاتين الدولتين، وفي محطات تاريخية عديدة، ومنها ما ذكرناها، كانتا عدوتان للحرية، ومناصرتان للأنظمة الاستبدادية، وما نراه اليوم من الظلم القومي الواقع على الفلسطينيين الذي تمارسه إسرائيل من هدم المنازل ومصادرة الأراضي والقتل بدم بارد، واحد من النماذج الحية على ان سياسة هذين الدولتين ابعد من التشدق حتى بالحرية لنساء إيران وجماهيرها.
ومع هذا إن السلوان الوحيد للجمهورية الإسلامية وعزائها على حفر قبرها بيدها، هو بالكذب ثم الكذب ثم الكذب، وبغيره لا يمكن تبرير الة القمع الوحشية ضد انتفاضة النساء في إيران.
لقد آن الأوان لهذا النظام بدفع دين قديم عليه، ثمن اختطافه للثورة الإيرانية، لقد تأخر بعض الوقت ولكن في النهاية يجب دفعه مضافا إليه الفوائد المتأخرة.