جمعية الثقافة والفنون ودورها الريادي في “مسيرة” التنوير والحداثة في الوطن
عيد عبد الله الناصر | سيهات _ السعودية
قد تكون الأقدار وقد تكون الصدف وقد تكون مسيرة التاريخ أن تلتقي وتتقاطع رؤية عشرين/ثلاثين للنهوض الجديد في المملكة العربية السعودية مع روح وحركة الأنشطة الفنية والثقافية التي كانت تشرف عليها وتقدمها جمعية الثقافة والفنون في المملكة العربية السعودية والتي يمكن وصفها بصدق وأمانة بأنها “ذاكرة الوطن الفنية والثقافية ورأس حربة الحداثة في المجتمع السعودي”..
وحديثنا اليوم سوف يركز على فرع الجمعية بالمنطقة الشرقية، الدمام. كثر الكلام بأن هناك تفكيراً جدياً في اغلاق فروع الجمعية والاتجاه الى تجريب خيارات أخرى يعتقد القائمون على الشأن الثقافي والفني في هذه المرحلة بأنها سوف تكون أكثر قدرة على مواكبة التغيير وتحقيق أهداف الرؤية الجديدة في المملكة.
قد نتفق أو نختلف في هذا الشأن الفني أو الثقافي أو ذاك، ولكن هناك حقائق لابد من الوقوف عندها وتأمل دلالاتها التاريخية قبل القفز فوقها وتجاوزها بدون مبرر حقيقي ومقنع.
من هذه الحقائق هي أن جمعية الثقافة والفنون، وأنا أتحدث هنا عن فرع الجمعية بالدمام تحديداً لأنه هو الفرع الذي أعرفه أكثر من غيره وكان له نصيب وافر ومؤثر في هذه المسيرة الرائعة. توجد في المنطقة الشرقية مؤسستين ثقافيتين هما: النادي الأدبي، وجمعية الثقافة والفنون.
النادي الأدبي طالما صنف في خانة الخط الكلاسيكي/المحافظ فيما يخص الأدب و ابتعاده التام عما يخص الفنون باستثناء الفترة التي تولى فيها مجموع من الشباب ممن ينتمون الى خط الحداثة بإدارة القاص والروائي جبير المليحان ومعه الدكتور مبارك الخالدي، والشاعر أحمد الملا وخليل الفزيع وحسين الجفال وغيرهم من المثقفين ممن يحملون هم الحداثة. أما جمعية الثقافة والفنون فطالما صنفت في خانة “الحداثة” في كل مراحلها، هذه الحداثة التي جرت عليها الكثير من التهم والمشاكل والإغتراب، وبقيت الجمعية تحمل صفة “الحداثة” بغض النظر عن مراحل المد والجزر التي مرت فيها وبغض النظر عمن تولى مسئولية إدارتها بدء بالمرحوم ناصر المبارك وصولا الى الأستاذ يوسف الحرب.
ويمكننا هنا أن نرصد بعض الفعاليات والأنشطة التي نفذتها جمعية الثقافة والفنون والتي شكلت دليلاً قاطعاً على رفدها الفعال والمتواصل لمسيرة التنوير والحداثة الفكرية والثقافية والفنية في الوطن.
1. يحسب لفرع الجمعية بالدمام بأنه لم يتخل يوماً عن النشاط الموسيقي، وكان هو النشاط الأكثر تعرضاً للهجوم والنقد والتشهير من قبل التيار المتشدد على مدى أربعين عاما، بل أن الجمعية قدمت أمسيات تجاوزت بها ما يمكن أن يوصف بالخط الأحمر (في حينه) حين قدمت أمسية عن بوب مارلي (حياته وفنه..)، قدم ورقتها القاص السعودي حمد العيسى. اضطرت الجمعية في مرحلة ما من وضع قسم الموسيقى في القبو بعد أن كثرت الشكاوى المتعمدة من قبل الجيران الى الجهات الرسمية، وصارت الجمعية في حالة ترحال وتنقل حتى وصلت الى مجاورة سوق الحراج، حيث لا جيران ولا أنيس هناك سوى من يتعنون إليها من الفنانين والمبدعين.
2. اهتم فرع الجمعية بالدمام بالمرأة كفنانة ومثقفة وإنسانة لها مكانتها ودورها الحقيقي في المجتمع، ويمكننا إدراك ذلك من خلال قرارين مهمين:
القرار الأول تعيين فنانة تشكيلة كمشرفة على قسم الفن التشكيلي في الجمعية وهي الفنانة شعاع الدوسري، وهي حسب علمنا كانت أول سيدة تتولى مسئولية قسم في فرع من فروع الجمعية التي بلغت ال 16 فرع.
القرار الثاني كان تجاوز استخدام الدائرة التلفزيونية وتوفير المكان لحضور كافة الضيوف من النساء والرجال في مكان واحد، أي مسرح الجمعية بالدمام. بعد التنسيق والحوار مع إمارة المنطقة التي وافقت مشكورة على وضع فاصل بين قسم النساء وقسم الرجال، مع تجهيز دورة مياه خاصة بالسيدات، ومدخل خاص بهن. وكان لهذه الخطوة وقع متميز ومؤثر على مشاركة المرأة وحضورها للفعاليات المسرحية والموسيقية وحفلات الفنون الشعبية في الجمعية بشكل مباشر وبعيداً عما يسمى بالدائرة التلفزيونية.
3. اهتمت الجمعية بالمسرح بشكل كبير وخصصت له مهرجانا سنوياً استمر لما يقارب 14 دورة، وكذلك مسابقة “الطفل المسرحي” التي استمرت لخمس دورات (؟). وكانت الجمعية تقيم دورات لإعداد الممثلين وتساعدهم في تقديم عروضهم حيث توفر لهم المسرح وتقدم لهم ما تملكه من خبرة متراكمة في هذا المجال. وكذلك تم عقد دورات تدريبية متخصصة للنساء والفتيات قامت بتقديمها الفنانة والمدربة البحرينية المعروفة كلثوم أمين.
4. كان للفنون الشعبية مكانة خاصة ومتميزة في برامج الجمعية، وكان للفنون الشعبية قسم خاص بها وميزانية كباقي الأقسام، وكانت الجمعية تشارك في المناسبات الاجتماعية من أعياد وغيرها وكذلك الاحتفالات الرسمية، سواء داخل المملكة أو خارجها.
5. كانت الجمعية سباقة في عقد دورات التدريب وإقامة المعارض المخصصة للفن التشكيلي والخط العربي والتصوير الفوتوغرافي، ولا زالت الى هذا اليوم تقوم بدورها..
6. قررت ادارة الجمعية تسمية صالة كبيرة تستخدم للمعارض التشكيلية والتصوير ..ألخ بإسم الفنان التشكيلي الراحل عبدالله الشيخ، تكريماً لدوره الريادي وكذلك تكريماً لكل الفنانين التشكيليين في المنطقة. ويمكن اعتبار هذه الخطوة بأنها خطوة رائدة خرجت عن النمط المعتاد على تسمية المرافق باسم رجل أعمال أو مسئول حكومي على أمل أن يعمل هذا الشخص على توفير دعم مالي لمساندة الأنشطة المتعلقة بذلك المرفق، وهي ممارسة يشم منها بسهولة حالة النفاق الثقافي والإجتماعي، خصوصاً إذا الشخص ليس له علاقة بالفن والثقافة، لو كان الشخص من المهتمين بالفن وتطوير الحركة الفنية فسيكون هذا هو عز الطلب، ولكن الأمور لم تكن بهذه الطريقة للأسف. ورغم حاجة الجمعية إلى أي دعم مالي إلا أن تكريم الفنانين من خلال تسمية بعض القاعات والأماكن بأسمائهم تعتبر ذات أهمية خاصة لما تحمله من دلالات نفسية و معنوية وتاريخية للحركة الفنية.
7. علقت الجمعية جرس العروض السينمائية لأول مرة في المملكة العربية السعودية بشكل رسمي بعد جمود ومنع كل نشاط على مدى أربعين سنة متتالية، حين عقدت الجمعية ندوة سينمائية، عرض فيها فيلماً سعودياً من إخراج محمد علي الباشا، وحضر تلك الندوة مجموعة من الفنانين شاركوا في الحوار حول موضوع الفيلم والأمور الفنية ذات العلاقة بالعمل السينمائي. وكانت تلك خطوة لها سبق الريادة التاريخية، إذا شئنا التعبير، وكذلك وضعت ادارة الجمعية يدها مع إدارة النادي الأدبي لإقامة أول مهرجان للأفلام السعودية.
نعم، التجربة الإدارية في الجمعية لم تكن في المستوى المطلوب، ولكن هذه مشكلة تتجاوز إدارة الفروع، فالعمل في الجمعية كان ولا زال شبه تطوعي، بدوام جزئي ومكافآت متواضعة جداً..ولفترات طويلة كانت ميزانية كل فرع بالكاد تكفي لتغطية مصاريفه، ولكن كان حب الفنانين ومساندة المثقفين والمبدعين هي التي مكنت الجمعية من متابعة عطائها حتى هذه اللحظة.
يمكنني القول بكل أمانة وثقة بأن جمعية الثقافة والفنون في المملكة هي ذاكرة الوطن الفنية والثقافية ورائدة الحداثة في المجتمع.
مدراء الجمعية حسب تسلسل تولي مسئولياتهم الإدارية:
ناصر المبارك (بذل الكثير لتأسيس الفرع)
عبدالوهاب أبو عايشه
صالح أبو حنيه
محمد الشريدي
مبارك الخالدي
عبدالعزيز السماعيل
راشد الورثان
عيد الناصر
احمد الملا
يوسف الحربي