الشعر كمتغير حضاري

سوران محمد | شاعر ومترجم

لقد  تشعب و تعدد أوجه الحياة في عصرنا الرقمي و بدوره لم يعد تعريف الاشياء  كما كان في السابق، فهل تغير الأشياء في المضامين؟ أم تم تجديد مفاهيم الناس وفقا للتغيرات الحاصلة علی أشكال الحياة ومستجدات الحضارة البشرية و وفقا لدوامة التأثيرات الخارجية التي تفرض نفسها علی الافراد؟

 نعم ان الانسان بدوره ککائن اجتماعي يتلائم مع الأجواء الجديدة بسرعة متفاوتة، وخاصة عندما نتكلم علی المتغيرات الحياتية بدلا من الثوابت، فإن الثوابت لا تتغير بتغير الزمان والمكان وهذا ما أتفق عليه معظم طوابع الناس قديما و حديثا كثنائيات الصدق والكذب، الامانة والخيانة، الحب والبغض…الخ.

 فأما إذا تحدثنا عن الأدب و فروعه فلا زيادة و لا نقصان تهيمن نفسها علی الاطر العامة للأنواع الادبية، فهناك تعاريف مختلفة و متقاربة لكل نوع من الانواع الادبية کالشعر والقصة والنثر والرواية والمسرح و نحو ذلك، لكن مفاهيم الناس سيطرأ عليه تغيرات وفقا للحركة الحضارية الی الأمام غالبا و أحيان أخری الی الوراء  بسبب الكوارث والحروب والاوبئة الخ… فلو أخذنا في الحسبان وعلی سبيل المثال نوع محدد من الأدب كالشعر وقارناه بالازمنة الغابرة فهل نستطيع مقارنتها و تشبيهها بالواقع الشعري الحالي؟ ربما سيكون الجواب صعبا شيئا ما للغاية، لكن في النهاية سنصل الی النتيجة السالفة ذكرها بأن الخطوط العريضة ستبقی کما هي، لكن التفاصيل تختلف اختلافا تاما و متباعدة، خاصة اذا نظرنا إلی الأدب و تعاملنا معه کنتاج لسلوك وعقل بشري بلغة العصر وكل ما يتضمنه الواقع الحياتي السائد، صحيح ان الحضارة البشرية لا تنفي الآخر بل تبني علی ما مضی، حتی ولو ماتت و آندثرت حضارة ما کالدورة الحياتية للأنسان كما يسميه الفيلسوف اليوناني أرسطو، لکنه سينتهي ببداية حقبة أخری و دورة جديدة مستعينا بالتجارب السابقة والاختراعات التي اکتشفوها اسلافهم، فستضاف اليها لاحقا حصيلة قطوف ثمار  تقدم الزمكاني للبشرية في مرحلة أخری لمسيرة الحياة بما يتضمنها من الايجابيات والمستجدات العصرية، مثل الاختراعات الشتی کضرورة  حياتية في المجالات المختلفة كالعلوم الطبية والفيزيكية والاجهزة التكنلوجية الحديثة للاتصالات وجعلها العالم بمثابة قرية صغيرة  تربطها بالبعض عن طريق الشبكة العنكبوتية وسيٶدي هذا  التطور بدوره في تقارب الامم والشعوب من البعض  و يعتبر هذا من ثمار العولمة، ولو ان البعض يراها کنقطة سلبية نحو ذوبان البعض في البعض، أي بما معناه سيطرة الاقوی علی الضعيف في مقومات الحياة وقد استخدم هربرت سبنسر (١) هذه العبارة لأول مرة  بعد قراءة تشارلز داروين عن أصل الأنواع  في مبادئه للبيولوجيا (1864)، حيث قارن نظرياته الاقتصادية، بالنظريات البيولوجية لداروين، لكن السٶال الجوهري الذي يطرح نفسه في هذا السياق : أين نحن في هذه المعادلة الكونية و مقومات البقاء للأنسب؟ ما دورنا وأين تکمن تأثيره علينا؟ هل نستطيع انكار مبدأ الاخذ و العطاء علی نطاق الافراد والمجتمعات؟ و تری من سيتحكم بهذه التفاعلات، هل هو شخص ما أم الحركة الحضارية مجتمعة؟  

فلو رجعنا إلی الشعر مرة أخری لکونه لغة خاصة  لروح الإنسان  في کل العصور، ممتزجة بموجات الحياة الخارجية ومشاعر و قناعات الشاعر الداخلي و أخذنا علی سبيل المثال  شکله ومضمونه في منطقة ما في اقصی الشرق مع جهة معاکسة لها تماما في اقصی الغرب، وقمنا بمقارنة بينهما لمعرفة النقاط التشابه و التفاوت بينهما، ثم لو قارننا هذه الموجة العارمة ککل، بأشکال و مضامين الأشعار للعصور السابقة، فسنصل في النهاية الی التعرف و تحديد الثوابت والمتغيرات في هذا النوع من الادب علی سبيل المثال، فکل متغير يعتبر فرعا و کل ثابت يعتبر أصلا، لکن في النهاية  وكما يراها النظرية الانطباعية (٢) فإن النص لکونه ينبع من داخل النفس البشري معتمدا علی جزء من الواقع و الطبيعة الخارجة فأن المشاهد أو القاريء هو من يتحكم عليه بالقبول أو الرفض و‌هذا ما ذهب اليه دريدا (٣) والحرکة المابعد البنوية بالإشارة غلی دور القاريء المنتج کحلقة وصل بين النص والمٶلف، و يعطي القارئ دوره الفعال بوصفه استراتيجية حاسمة في توليد الدلالة، و كونه منتجاً للنص ثم  قدرته على استعادة ذاكرة النص اختلافاً  ليصل إلى تبيان التباعد بين النصوص الذي يخلقه مفهوم الفضاء النصيّ . إذا بقدر جودة الشعر تأتي دور القاريء المتفاعل مع النص حسب مستواه و فهمه للشعر، يكفيني أن أذكر في هذا الصدد ما قاله ناقد يوما ما حينما أشار الی امكانية کتابة صفحات من النقد الأدبي حول نص ضعيف ما، بأن يستعرض و يناقش فيه أسباب ضعفه علی سبيل المثال، لأن هنالك عناصر عدة يتداخل في البعض ويولد في النهاية نصا أدبيا.

……………….

الهوامش:

 البقاء للأصلح. (Survival of the fittest)‏(١)

Impressionism (٢)

اسم الحركة مستمد من عنوان لوحة کلود مونية الفرنسي انطباع شروق الشمس ١٨٧٢

(٣)   جاك دريدا (١٥ يوليو ١٩٣٠ ، ولد في مدينة البيار، الجزائر – ٩ أكتوبر ٢٠٠٤ باريس، فرنسا) فيلسوف فرنسي وناقد أدبي، يعد دريدا أول من استخدم مفهوم التفكيك بمعناه الجديد في الفلسفة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى