مقال

أزمة الغذاء العالمية والوطن العربي الأكثر تضررا..!

د. سحر الشافعي | القاهرة

في أعقاب اندلاع الحرب في أوكرانيا، تصاعدت السياسات المتصلة بالتجارة التي تفرضها البلدان. وقد تفاقمت أزمة الغذاء العالمية لعدة أسباب منها تزايد عدد القيود المفروضة على تجارة الغذاء التي تضعها البلدان بهدف زيادة الإمدادات المحلية وخفض الأسعار. وحتى 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، طبق 20 بلداً 24 قراراً لحظر على تصدير المواد الغذائية، وطبقت ثمانية بلدان 12 إجراءً للحد من الصادرات.

وقد تسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية في أزمة عالمية تدفع ملايين آخرين إلى الفقر المدقع، مما يفاقم من أزمة الجوع وسوء التغذية. ووفقا لتقرير البنك الدولي ، تسببت جائحة فيروس كورونا في انتكاسة كبيرة في جهود الحد من الفقر في العالم.

كذلك، ساهمت حالات المضاربة في أسواق السلع في ظهور أزمة الغذاء الحالية. فبعد انفجار ازمة الرهن العقاري منتصف العام 2007. اتجهت صناديق الاستثمار والتحوّط نحو أسواق السلع للتعويض عن جزء من الخسائر التي منيت بها في السوق العقارية، وترجم هذا الواقع بارتفاع أسعار المنتجات الغذائيّة. وتجدر الإشارة إلى أن أسعار النفط العالمية المرتفعة أدت أيضاً إلى زيادة تكاليف المدخلات الزراعية. وتشمل الأسباب الأخرى التي أدت إلى ارتفاع أسعار الغذاء تحسن الظروف المعيشية في الصين والهند وغيرهما من الدول النامية، بما تسبب بارتفاع الطلب على الماشية والمواد الأولية والتدهور السريع في قيمة الدولار وشح الموارد المائية نتيجةً للتغير المناخي وسوء الأحوال الجوية الذي يتسبب بتراجع الإنتاج الزراعي في العديد من المناطق.

وقد واجهت الدول العربية ضرورة التعامل مع هذه الوقائع السائدة على الصعيد العالمي إلا أنها تواجه أيضاً العديد من المشكلات الخاصة بها والتي من أهمها:
– انخفاض نسبة الأراضي الصالحة للزراعة مقارنة مع المساحة الكلية, حيث لا تمثل سوى 14.1% منها. كما يلاحظ تدني نسبة ما هو مزروع فعلا من هذه المساحة, إذ تصل مساحة الأراضي الزراعية حوالي 35% من مجموع الأراضي القابلة للزراعة، وهو ما يبرهن على أن نحو ثلثي الأراضي القابلة للزراعة ليس مستغلا.
– اعتماد أغلب الزراعات العربية على العوامل المناخية التي تتميز بالتذبذب والتقلب من عام إلى آخر.
– تراجع الإنتاج في قطاع الزراعة نتيجةً لحركات النزوح الواسعة إلى المدن وإهمال التنمية الزراعية والريفية
– وجود بيئة غير مؤاتية للزراعة نظراً لشح المياه وضيق الأراضي الصالحة للزراعة. وتفيد مصادر في البنك الدولي بأن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تضمّ أقل من 1 في المئة من المصادر العالمية للمياه النقية المتجددة علماً أنها تعد نسبة 5 في المئة من العدد الإجمالي للسكان في العالم…
– آلت برامج تحرير التجارة التي اتبعها العديد من الدول العربية إلى تردي حالة قطاعاتها الزراعية، إذ نجم عن إلغاء الحواجز الجمركية تحوّل الدول التي تصدرت سابقاً لائحة البلدان المصدرة للسلع الزراعية كـمـصـر والمغرب إلى دول مستوردة للسلع الغذائية لاسيما القمح المدعوم والمنتج من الولايات المتحدة بصورة رئيسية.

واستجابة للأزمة الحادة تباينت كيفية تعامل الدول العربية مع الواقع الجديد عمـدت غالبية الدول غير المصدّرة للنفط إلى زيادة أجور موظفي القطاع العام وحضت القطاع الخاص الحر على القيام بالمثل وحاولت بعض الحكومات أيضاً تمكين الفقراء من الافادة من دعهما بصورة مباشرة من خلال تحويلات نقدية مباشرة أو بطاقات تموين لإحلال سياسة دعم أسعار السلع الأساسية التي كانت تخدم مصالح المستهلكين كافة. بغض النظر عن وضعهم المالي. لكن بصورة عامة. وجدت الدول غير المنتجة للنفط صعوبة أكبر في التخفيف من آثار ارتفاع الأسعار وواجه العديد منها أعمال شغب احتجاجا على أزمة الغذاء.
ففي مصر على سبيل المثال. يعيش 32 مليون شخص من أصل ثمانين مليون بأقل من دولارين يوماً. وأدى ارتفاع أسعار الخبز خمس مرات إلى وقوع أعمال شغب أودت بحياة 11 مصريا في شهر نيسان (أبريل) 2008 إثر مواجهات مع الجيش. وتضمّنت التدابير التي اتخذتها الحكومة لمعالجة هذه المشكلة تخصيص 2.5 مليار دولار أميركي من الموازنة الجديدة لدعم أسعار الخبز وفرض حظر على صادرات الأرز، وتوكيل الجيش بتجهيز الخبز وتوزيعه على الفقراء. كذلك، تمت زيادة أجور موظفي القطاع العام بنسبة 30 في المئة.

ومن الجدير بالذكر أن أهم أسباب العجز الغذائي العربي تكمن في التوزيع غير المتوازن بين الأقطار العربية للموارد والطاقات اللازمة للتنمية الزراعية, من موارد طبيعية وبشرية ومالية حيث أنه يوجد معظم الموارد الزراعية العربية –سواء المياه أو الأراضي القابلة للزراعة– في بلدان تتميز بشح مواردها المالية، كما شاءت الأقدار من جهة أخرى أن تنعكس الصورة بحيث يتوافر في عدد قليل من البلدان العربية ثروة نفطية هائلة تقابلها ندرة وشح في الأراضي الصالحة للزراعة والمياه. لذلك يصبح من الضروري تعجيل التكامل بين هذه الأقطار من أجل الخروج من المأزق الغذائي الذي تعاني منه هذه الدول.

والجدير بالذكر أيضاً أنه لا يوجد على المدى القصير مخرج سريع للأزمة التي تسبب بها ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ولا تزال الدول غير المنتجة للنفط على وجه الخصوص تواجه خطراً حقيقياً يتمثل في احتمال ازدياد أعداد المشاركين في الاحتجاجات الشعبية تنديدا بالمخاطر التي تهدّد أرزاقهم.
فعلى المستوى القطري ويتوجب على كل دولة إعادة النظر في سياساتها الزراعية عن طريق تقديم محفّزات كالتخفيضات الضريبية والقروض المرنة، وإدخال آليات فعّالة من شأنها زيادة الإنتاج المحلي واستحداث الوظائف في المناطق الريفية.
وعلى المستوى الدولي يتعيّن على الدول المتقدمة التركيز على نقل تكنولوجيات زراعية جيدة إلى البلدان النامية بدلاً من الاعتماد على المساعدات النقدية.

ونستخلص من ذلك: أنه لم تكن الأزمة الغذائية في الوطن العربي مشكلة نموا سكانيًا متصارعًا ولا نقص أو شح في الموارد المتاحة، وإنما هي بالدرجة الأولى مسألة خلل في السياسات الزراعية وسوء استغلال لما هو متاح للوطن العربي من موارد . فبالرغم مما يعانيه الوطن العربي من مشكلة غذائية آخذة في الاتساع، فإنه يملك من المقومات والإمكانات ما يكفيه ليس فقط لسد حاجياته من الغذاء فحسب, بل لتحقيق فائض يصدره إلى العالم الخارجي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى