شاهد واقرأ.. عودة إلى (شيء من الخوف)
علي جبار عطية| رئيس تحرير جريدة أوروك
أكثر من نصف قرن مضى على إنتاج فلم (شيء من الخوف)، وما زال غضاً طرياً يتحدى الزمن ويعانق الخلود .
شوقي إليه جعلني أستعيد ذكراه ومشاهدته من جديد كأنَّي أراه للمرة الأولى.
نجاح الفلم جماهيرياً شهادة بأنَّ الجمهور العربي ليس كما يظن الكثيرون أنَّه جمهور يحب الأفلام التي تخاطب الجسد بل هو جمهور ذواق يتوق إلى الأعمال الفنية الراقية ويتفاعل معها.
عند البحث عن أصل قصة الفلم نجد أنَّه رواية عنوانها (شيء من الخوف) للكاتب ثروت أباظة (١٩٢٧م ـ ٢٠٠٢م) ظهرت سنة ١٩٦٠ لكنَّ انتشارها الحقيقي كان بعد نكسة حزيران سنة ١٩٦٧م.
هل العنوان مستعار من الآية الكريمة : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة/ 155 – 157)؟ ربما، وتجد في الرواية شخصية رجل الدين شخصية إيجابية، بل هي قائدة للرفض والثورة ضد الظلم.
ترى الباحثة (نجوى معتصم أحمد) أنَّ رواية (شيء من الخوف) تمتاز بالدقة في التصميم والبناء، وخاصة في طريقة السرد وبناء شخصيتها، وقد استطاع ثروت أباظة أن يغوص في أعماق النفس البشرية لشخصيات روايته، واستخراج مکنوناتها للقارئ، واعتمد على تقنية الأصوات المتعددة، وتقنية السرد التبادلي، وعلى توازي خطوط السرد وتوازي مساراته وتقاطع مداراته، واستطاع أن يقيم بناءً سردياً قوياً وجيداً لروايته.
لاقت الرواية عند نشرها إقبالاً متميزاً عند القراء، واختيرت في المركز الثاني والسبعين لأفضل مئة رواية عربية مما شجّع المؤسسة العامة للسينما المصرية على إنتاجها سنة ١٩٦٩م فقام الشاعر عبد الرحمن الأبنودي وصفوت عزت بمعالجتها سينمائياً فكتبا السيناريو والحوار ليقدم المخرج حسين كمال رؤية إخراجية جعلت الفلم تحفةً فنيةً وأيقونةً من أيقونات السينما العربية .
أما الممثلون الذين جسدوا هذه الملحمة فقد دخلوا في مباراة في الأداء، وعلى رأسهم محمود مرسي، ويحيى شاهين، ومحمد توفيق، وشادية.
حين اكتمل الفلم وأرادوا عرضه تحسست الرقابة من مضامينه وإشاراته السياسية الواضحة التي تتحدث عن لا شرعية السلطة، واستسلام المحكومين لمشاعر الخوف.
كاد الفلم أن يوضع في خانة الأفلام الممنوعة لولا تدخل الرئيس جمال عبد الناصر الذي شاهد الفلم وأجاز عرضه ونقل عنه قوله إنَّه ليس زعيم عصابة، ولو كان كذلك لما استحق أن يحكم !
انشغل الكثير من الكتاب بإسقاطات الفلم السياسية على العلاقة بين الحاكم (عتريس) و(فؤادة) التي تمثل مصر، وتغافلوا عن جمالياته، ومشاهده المفعمة بالقوة، وإيقاعه الأخاذ .
ومثلما حققت الرواية النجاح المدوي كذلك حقق الفلم نجاحاً فنياً وجماهيرياً أهله لأن يختاره نقاد السينما في المركز التاسع عشر من أفضل مئة فلم في تاريخ السينما المصرية .
صارت الجملة التي رددها الشيخ إبراهيم (جواز عتريس من فؤادة باطل) شعاراً ثورياً ورمزاً للرفض، وإيذاناً بالخلاص.
وحين أتوقف عند الفلم هنا فإنَّما لأتساءل : إذا كانت المرحلة التي كتبت فيها الرواية وأُنتج فيها الفلم كانت مرحلة ساد فيها نظام الحكم الشمولي، وإشاعة الخوف فهل نحنُ ما زلنا بحاجةٍ إلى المزيد من الخوف لننتج مثل هذه الأعمال ؟