أدب

أوراق الخريف.. رحيل (٥)

بقلم: شرين خليل
دخل عليها بثوب جديد…فهو يرتدي الآن ثوب الضحية، المُنكسر بغرور …
يبكي بكاء زائف حتى يلين قلبها الضعيف …
فرحيل لن تقاوم توسلات باهر…
جلست بجانبه تواسيه: معقول ياباهر إنت بتبكي؟؟
-لما ألاقي نفسي هاخسرك يبقى لازم أبكي يارحيل ..
-أنا أول مرة أشوفك كده…
-عشان إنتي مش شايفاني كويس ومش قادرة تفهميني..أنا أي حاجه بعملها بتبقى لمصلحتنا بس واضح إنك لسه صغيرة وخبرتك في الحياة بسيطة..لازم يارحيل تصدقيني في كل حاجه أقولها..
-يعني تتجوز عليا وعاوزني أعمل إيه ؟؟ ومش بس كده دا أنت اتجوزت أعز صديقاتي اللي منعتني أكلمها.. منتظر مني إيه؟؟
-رحيل افهميني..جوازي دا كان مجرد مرحلة أو زي ماتقولي مهمة معينة عشان أجيب الولد اللي كان نفسي فيه..
-ياسلام وافرض بقى كانت جات بنت…
-ياستي ربنا سترها معايا وجه بدل الولد ولدين يونس وياسين…ولدين زي القمر وهايبقوا ولادك على الجاهز..
-إنت جرحتني ياباهر جرح صعب جدا….
-وأنا رجعت لك عشان أداوي كل الجروح ومستعد أنفذ لك كل طلباتك ..بس بلاش تبعدي عني وتسبيني… الدنيا كلها في كفة وانتي في كفة لوحدك يارحيل…يعني لو خيروني هاختارك إنتي..
-وإيه اللي يضمن لي إنك مش هاتخدعني تاني…
-هاعملك كل اللي نفسك فيه..شوفي نفسك في ايه وأؤمري…
-اولاً: لازم أشتغل عشان يبقى ليا كيان ومكانة…
-موافق بس هاتشتغلي ايه ؟
-مُدرسة ..إنت ناسي إني خرجية كلية التربية ..اتفقت مع نجوان صاحبتي إننا نفتح سنتر للدروس بس في شوية كورسات محتاجه أخدها..
-سمعاً وطاعة يا أميرتي…إنتي تؤمري..
ثانياً: عاوزه عربية..
-عربية؟؟!!
-أيوا.. أنت ناسي إنك أخدت دهبي فلوسي اللي ورثتها وجددت عربيتك وماتنكرش لأن ماجدة قالت لي إن معاك فلوس كتير ..
-موضوع العربية صعب شوية في الوقت الحالي وبعدين ما عربية باباكي مركونة في الجراج..
-عربية بابا دي من ريحته وعزيزة علينا أي نعم عربية قديمة بس لها ذكريات معانا..
-خلاص اشتريها من اخواتك ولما الظروف تتحسن أبقى أجيب لك عربية جديدة..
-ثالثاً:
-نعم؟؟ لسه في ثالثاً..
-أيوا طبعاً…إنت نسيت الدهب بتاعي ..
-لا مانستش وكل حاجه هارجعهالك بس نبدأ صفحة جديدة..ونقطة ومن أول السطر…
اتفقنا….
-لسه …
-إيه تاني؟؟
-أهم حاجه لازم تعرف ياباهر إن دي فرصتك الأخيرة معايا لو حصل منك أي شئ فيه إهانة ليا أو جرحتني وأهملتني مش هعيش معاك وكل واحد ساعتها يروح لحاله …
-اتفقنا…
ومرت الأيام ورحيل تجتهد وتدرس حتى تستعد للعمل مع صديقتها نجوان …
وتفوقت رحيل وأثبتت وجودها وأصبح لها كيان وشخصية فريدة وصديقات ولكنها على خلاف أبدي مع باهر فهي تراه دوماً بخيل في كل شئ وخاصة المشاعر …
وفي يوم وأثناء عودتها من عملها تعرضت لحادث مروري…الحادث بسيط ولكن بالنسبة لرحيل حادث أليم، بسبب إهمال باهر لها فعندما استغاثت به لم يُسرع إليها…شعرت بغصة ومرارة، لم تكن تتخيل أنه بهذه القسوة يلومها على ماحدث ولم يقل لها كلمة طيبة، يُعنفها وكأنها أجرمت، ونسى أنها تعرضت لحادث ليس لها يد فيه …
تأثرت رحيل بهذا الموقف واعتبرته تقصير وإهانة من زوجها على الرغم من محاولات رأفت لتهدئة الوضع…
– يارحيل الموضوع بسيط جداً ومش مستاهل منك كل العصبية دي، باهر مايقصدش…
-ازاي يا رأفت أطلبه عشان يجي يلحقني ومايجيش وكل دا عشان في فرح بنت زميله يهملني بالشكل دا ومش بس كده دا بيزعق لي ويقولي إنتي اللي غلطانة…
-معلش يارحيل يمكن غصب عنه…
-لا يا رأفت هو انتهي بالنسبة لي …دا مسألش عليا ولا حتى على أولاده اللي كانو معايا في العربية …ولما كلمته يقولي مش فاضي وفي الآخر يقولي تستاهلي عشان مش بتسمعي كلامي …
أنا مش هعيش معاه ثانية واحدة تاني…
-بلاش تسرع يارحيل …هو إنتي ماصدقتي تمسكي له غلطه …
-أيوا أنا كنت مدياله فرصة وانتهت ..هو مش هايتغير وأنا خلاص أخدت القرار وهاطلب الطلاق ولو رفض هارفع عليه قضية وافضحه وهو بيخاف من الفضايح..
-أنا مندهش من كلامك دا … بالسهولة دي يارحيل ..
-لا يا رأفت دي بقى القشة اللي قسمت ضهر البعير ..أنا استحملته كتير لكن لحد كده خلاص انتهي….كل الوعود اللي وعدها مانفذهاش مفيش غير عربية بابا اللي اشترهالي منكو وطبعاً برخص التراب ولما عملت الحادثة اتخانق معايا ويقولي مفيش عربية تانيه ولا حتى هاصلحهالك…بدل مايقولك حياتك عندي أهم يقولي مفيش فلوس انتي دلوقتي بتشتغلي ومعاكي فلوس مع إني ماطلبتش منه فلوس، أنا كنت عاوزه أسمع منه كلمة حلوة، كلمة يواسيني بيها..يطبطب عليا مش أكتر ..أحس أنه خايف عليا حتى لو بالكدب…
– إنتي نسيتي إنه وافق إنك تشتغلي ..
-وافق بس عشان ماطلبش منه فلوس.. وأنا مش عاوزه فلوس أنا عاوزه إهتمام ..
-إنتي عارفه طبيعة باهر هو مش بيعرف يقول كلام حلو ..
-لا يا رأفت بيقول بس للناس الغريبة بس وأسأل عنه في مكان شغله ووسط أصحابه وإنت تعرف إنه بيعرف يرسم كويس على الناس ..
-عموماً هاسيبك ترتاحي يمكن تهدي وتفكري بعقلك شوية …
-أنا قررت يا رأفت وياريت تبلغ باهر اللي من يوم الحادثة ماسألش لأنه بعد الفرح سافر شرم الشيخ ومسألش حتى بالتليفون…
-اهدي بس وفكري بعقلك وأنا هامشي واسيبك لحد ماتهدي وارجعلك تاني ولو احتاجتي حاجه كلميني …
-شكراً يا رأفت بجد مش عارفه من غيرك كنت هاعمل إيه. إنت اللي أنقذتني وجيت لي تجري ..ربنا يخليك ليا ..
-إنتي أختي ومش أي أخت دا أنتي الصغيرة ولازم أشيلك فوق رأسي..
-تسلم يا رأفت ..
-يلا ارتاحي وبكره هاكلمك أطمن عليكي..
مع السلامة يا رأفت..
ذهب رأفت وتركها ..
وقفت في رحيل أمام المرآة تنظر إلى نفسها وتتحدث :
سوف أكون أنانية ولو لمرة في حياتي …
انا الآن لا احتاجه فحياتي بدونه أفضل …
فهذا هو الوقت المناسب لإنقاذ ماتبقى من روحي ونفسي …
وجاء وقت الرحيل وحان موعد الإعتذار ..
الإعتذار للنفس التي وثقت واعتقدت أنه يوجد من يستحق الإهتمام وأن الكلمة ميثاق لكنها لم تعرف أن هناك من لايُدرك معنى الميثاق وأن من يعش في تنازلات سيبقي طول العمر مُهان يعيش في ازدواجية ويحاصره المنافقون الذين يُظهرون أمامه الإحترام ومن ورائه يتجسسون عليه حتي يجدوا الأخطاء.. يتلذذون في التحدث عنه بحقد وهو يعلم ولكنه إعتاد علي تقبل الإهانات
تحكمه دوافع المادة فقط ويعتقد أن من حوله يرونه نموذجاً .ولكن ذلك هو الإطار..
أما مابداخله فعباره عن تهكمات تحكمها الأهواء ..
لقد كان وقتاً زائفاً، ولكنه كان درساً وصفعة ..فلا تحزني على سوء الإختيار
إبتعدي ولا تكوني مثل هؤلاء الأصنام فهم لا يشعرون ولا يتألمون اعتادوا علي الغدر ولا تتوقعي منهم أن تتغير سلوكهم مهما حاولتي فلقد باءت كل محاولات الإصلاح بالفشل وأغلقوا كل الأبواب
فارحلي ..
ولا تنتظري إعتذاراً من الجبناء..
لم تنتظر رحيل باهر حتى يعود وأرسلت له رسالة تطلب منه الإنفصال بهدوء حتى لا تلجأ إلى المحاكم …
في البداية لم يأخذ باهر رسالة رحيل على محمل الجد ولم يهتم…وبعد عدة أيام عاد باهر ليتفاجأ بأن رحيل تركت المنزل وذهبت إلى منزل والدها القديم …
حاول الإتصال بها ولكنها لم ترد عليه .
ذهب إليها ليجدها إنسانة أخرى …أكثر صلابة وقوة وأيضاً قسوة…
رحيل أصرت على الإنفصال ولم يستطع باهر في إقناعها هذه المرة …
وتم الإنفصال في هدوء ..وكانت آخر كلمة قالها لها باهر :
هاتندمي يارحيل ومش هاتعرفي تعيشي من غيري وهاترجعيلي وهاتشوفي …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى