أدب

الحضور الرمضاني في الأدب

عليّ جبّار عطيّة
نحمد الله أن جاءنا شهر رمضان هذا العام مع مطلع الربيع وهي فرصة لا تتكرر إلا بعد ٣٣ سنة لمن بقي حياً مرزوقاً صحيح الجسم، قادراً على الصيام، ولو جاءتنا أيامه المعدودات في شهر آب لتفاعلنا مع قول الشاعر ابن الرومي :
شهر الصيام مبارك
ما لم يكن في شهر آب
خِفت العذاب فصمته
فوقعت في نفس العذاب !
ويمكن عد هذين البيتين ضمن ما تسمى بـ(الرمضانيات) وهي الأشعار التي كتبت عن الشهر الكريم، ومن ذلك تهنئة الشريف الرضي إلى الخليفة أبي بكر الطائع (٩٣٢م – ١٠٠٣ م)بقدوم شهر رمضان بقصيدةً مفتتحها :
تهَنَّ قُدومَ صَوْمِكَ يا إِماماً
يَصُومُ مَدَى الزَّمانِ عَنِ الأَثامِ
إذا مَا المَرْءُ صَامَ عَنِ الدَّنَايَا
فَكُلّ شُهُورِهِ شَهْرُ الصِّيَامِ
ومن ضمن الأجواء الرمضانية ظهر في نهاية القرن الثاني عشر الميلادي شعر شعبي مرتبط بالسحور يسمى بـ(فن القوما) له وزنان مختلفان على وزن مجزوء الرجز (مستفعلن فعلان أو مستفعلن فاعلان)، ويذكر شهاب الدين الأبشيهي في كتابه (المستطرف في كل فن مستظرف) ــ الذي كان لي مطلع الثمانينيات خير مؤنس وجليس ــ أنَّ أول من ابتكر هذا الفن رجلٌ من بغداد ، يدعى أبو نقطة وهو أبو بكر محمد بن عبد الغني (٦٢٩هـ) بغرض إيقاظ الناس وقت السحور، وغلب عليه هذه الاسم من استهلاله بلازمة (قوما لنسحر قَوماً) ، وقد أُعجب هذا اللون الخليفة أبا العبّاس الناصر لدين الله (١١٥٨م – ١٢٢٥م) وطرب لاستماعه، وكافأ أبا نقطة عليه براتب شهري مستمر حتى توفاه الله فأراد ابنه الذي كان يجيد هذا الفن، أن ينبه الخليفة إلى موت والده، فجمع بعض الغلمان، ووقف معهم خارج القصر في الليلة الأولى من شهر رمضان، وأخذ ينشد :
يا سيد السادات
لك بالكرم عادات
أنا بني ابن نقطة
تعيش أبي قد مات!
فسمع الناصر الغناء، وطرب له، وجعل للغلام راتباً ضعف ما كان يعطيه لأبيه.
وأشار الأبشيهي إلى أنَّ هذا النوع من الشعر قد أثر في عدد من الشعراء ومنهم الشاعر صفي الدين الحلي الذي جرت قصائد له مجرى هذا الفن في إيقاعها، ونظام أشطرها.
ولا ندري هل أنَّ وظيفة (المسحراتي) الخاصة بالرجال مارستها بعض النساء وذلك لقول الشاعر والمؤرخ الفقيه زين الدين بن الوردي (١٢٩٢م ـ ١٣٩٤م) :
عجبت في رمضان من مسحرة
بديعة الحسن إلا أنها ابتدعت
قامت تسحرنا ليلًا فقلت لها
كيف السحور وهذي الشمس قد طلعت !
أما في الكتب فنجد كتاب (معجم رمضان)/٢٠١١م للباحث ثامر مرسي الذي تتبع فيه عبر التاريخ أهم الوقائع التي حصلت في شهر رمضان،كذلك الليالي المميزة كليلة القدر، وأشهر قراء القرآن الكريم، والمنشدين الذين تألقوا في شهر الصيام ، وأبرز الأغاني والأكلات والحلويات.
وفي حقل السرد صدرت للكاتب نجيب محفوظ سنة ١٩٤٦م رواية (خان الخليلي) التي تصف الأجواء الرمضانية في مدينة القاهرة في أثناء الحرب العالمية الثانية، من خلال شخصيتين متناقضتين في التوجه الفكري والسلوك هما (أحمد عاكف) الملتزم دينياً و (أحمد راشد) المتحلل من أي التزام، وهو يقدم فهم الحياة من خلال وجهتي نظر روحية ومادية، بينما يتناول الكاتب إحسان عبد القدوس في روايته (في بيتنا رجل) الصادرة سنة ١٩٥٧م العادات والتقاليد الرمضانية المصرية في شهر رمضان، لكنَّ حبكة الرواية تدور حول محاولة بطل الرواية (إبراهيم حمدي) اغتيال رئيس الوزراء المصري في العهد الملكي عبد الرحيم باشا شكري انتقاماً لمقتل صديقه (محمود) في التظاهرات المناهضة للحكم فيُعتقل، ويهرب من السجن ليعيش وسط عائلة يظهر الكاتب من خلالها علاقات المجتمع أواخر سنوات الحكم الملكي ،والقصة مأخوذة من واقعة جرت سنة ١٩٤٦م بطلها شخصية حقيقية إشكالية متطرفة يُدعى (حسين توفيق) اغتال وقتها وزير الخارجية المصري أمين عثمان وقد وظف يوسف إدريس الحادثة توظيفاً روائياً ليقدم صورة من المجتمع المصري آنذاك .
جرى تحويل هذه الرواية إلى فلم أُنتج سنة ١٩٦١ وأخرجه هنري بركات ، وهو من بطولة عمر الشريف ورشدي أباظة وزبيدة ثروت، كما أُنتج مسلسل مصري بالاسم نفسه سنة ١٩٩٥م وأخرجه إبراهيم الصحن من بطولة فاروق الفيشاوي ودلال عبد العزيز وزهرة العلا .
وتوجد رواية يمنية لافتة هي (الرهينة)
وهي للكاتب اليمني زيد مطيع دماج
(١٩٤٣ – ٢٠٠٠ م)، وقد أُختيرت سنة ١٩٨٤ واحدة من أفضل مئة رواية في القرن العشرين تُرجمت إلى اللغات الفرنسية، والإنجليزية، والألمانية والهندية والروسية والصربية.
تسلط الرواية الأضواء على الحياة اليمنية بمستوياتها المختلفة خلال شهر رمضان في أربعينيات القرن الماضي.
لو بحث المرء أكثر لوجد روايات وقصصاً لعلها تناولت بعض مظاهر الحياة في شهر رمضان ولكن المساحة المخصصة للمقال لا تتسع.
إلا أنَّ الملاحظ أنَّ الحضور القوي لشهر رمضان في حياة الناس لا يقابله حضور مماثل يوازيه في الأدب إلا في بعض الأعمال، وهي شحيحة، ولعلَّ هذا مؤشر على ضعف التدين !
ونختم هذه الجولة بهذه الطرفة :قيل مرة للظريف مزيد المدني :إنَّ صوم يوم عرفة يعدل صوم سنة بكاملها، فصام مزيد إلى الظهر ثم أفطر،فسئل عن ذلك فقال: يكفيني ستة أشهر يدخل فيها شهر رمضان !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى