مقال

“أبو مهاب عند الصعاب” ساخر

بقلم: لبنى ياسين
بصدق..كم مرة أجبتم في حياتكم عن سؤال يتطلب معرفة حقيقية بكلمتي ” لا أعلم”؟…ولا أقصد هنا سؤال أحد أفراد الأسرة عن مكان جهاز التحكم، أو المكواة، أو أي شيء ضاع من أحدنا…أقصد الأسئلة العلمية والثقافية والطبية وما على ذلك.
أصدقكم القول بأنني وقعت ضحية أحد المتذاكين ممن يملكون لكل سؤال ألف جواب، عندما شعرت بمغص غريب، ولأن أخينا بالله طبيب ناجح ولا تنقصه إلا شهادة الطب، وصيدلي بارز لولا أنه لا يملك صيدلية، وعالم معروف لولا أنكم لا تعرفوه، وأديب مبدع سوى أنكم لم تقرؤوا شيئا خطه من قبل..ولا من بعد.
هو باختصار النسخة العربية من الموسوعة البريطانية للعلوم والآداب والفلسفة والسياسة والاقتصاد والفن والتربية والطبخ والتنظيف، والحدادة والنجارة، والصيد والهندسة والتكنولوجيا، لا يمكن أن تسألوا سؤالا إلا ويجد لديه جواباً له، حتى ولو كان من نمط” ما اسم الجد الرابع لعم جارك الذي يسكن في البناء المقابل؟”، وباستثناء أن النسخة العربية للموسوعة المذكورة تمشي على قدمين، وتتكلم بلسان، وتتنفس الهواء مثلنا، وسوى ذلك التشابه غير المقصود بينه وبين البشر، فإن هذا الشخص أرفع بكثير من كل البشر، وأعلى منهم ثقافة وعلماً وإدراكاً، وإياكم ثم إياكم أن تناقشوه، حتى ولو كان موضوع النقاش اختصاصكم، ففي أحد المرات ذكر لي هذا الرجل الاستثنائي الموسوعة أن الدكتور فلان الفلاني، حمار يرتدي ثياباً، لأنه وصف الدواء الفلاني لذلك المرض، وكان عليه أن يصف العشبة الفلانية التي ليس من أهم مميزاتها خفض الضغط والسكر الذين ارتفعت سويتهما في دمي جراء حديثه المهين عن طبيب فذ، ومعروف بمهارته.
ومرة أخرى دار نقاش سياسي مع بعض الحضور، فأفرغ جميع ما في جعبته من غضب في وجوههم، لأنهم حاولوا أن يتظاهروا بالذكاء، وهو الأمر الذي لا ُيسمح به لمخلوق على الأرض سواه، بعد أن انقرض الأذكياء مع الديناصورات في العهد الجوراسي، وبقي وحده مثالاً حياً على أن ابن آدم كان ذكياً يوماً ما، وما كان منه إلا أن أفهمهم بما لا يدع مجالاً للشك، أنه عليهم أن يعقدوا مقارنة بين شخصه العظيم وشخوصهم المتواضعة، ليتعرفوا على مكانتهم الحقيقية فيلتزموا بها ، ولا يتجاوزوها مع شخص استثنائي مثل حضرة جنابه.
نعود لقصة المغص، يومها نالت مني الأوجاع بقوة لم استطع تحملها، وذهبت إلى الطبيب الذي وصف لي أقراصاً مسكنة، وأخرى للكولون، وكنت في طريقي إلى تناولها عند باب الصيدلية عندما ظهر أمامي كمن تم استدعاءه للحظة والتو، وصرخ في وجهي: مهلاً…ما هذا الذي تتناوله؟ هل جننت؟ هل تريد أن تموت؟
: قلت في نفسي: “قل أعوذ برب الفلق” من أين ظهر هذا الرجل؟
وما كان منه إلا أن التقط الكيس من يدي، وقرأ أسماء الأدوية، ثم رماها في سلة المهملات، بينما أنا أتلوى ألماً، وإذا به يخرج لي من جراب الحاوي..عفوا أقصد من حقيبته أعشاباً خضراء ذات رائحة واخزة، ويقدمها لي قائلاً: ليس أمامك سوى هذه الأعشاب، فهي تسكن الألم، وتسحب الصداع، وتخفض الحرارة والضغط والكولسترول والسكري، وتفتت الحصى، وتساعد على النوم , و……، و……..، ولو صبرت قليلاً عليه ربما أخبرني بأنها تقطع البطاطا، وتعصر أنواع الليمون، ويمكن استخدامها كمدفأة في البرد، ومكيف في الحر، وقد تركبها وتطير إلى أي مدينة في العالم، إلا أنه كما يبدو صوت صراخي ألماً أوقف استعراض بقية الصفات الاستثنائية للعشبة، فنقع شيء منها في ماء ساخن أخذه من أقرب جهاز للماء ، ودفعه نحوي قائلاً بالشفاء.
وأمام شدة الألم التي أعانيها، لم يكن أمامي إلا شرب العشبة علها تسكن أوجاعي، وتركني الرجل بعد أن اطمأن إلى شربي لوصفته السحرية ومضى، ولم يمض وقت طويل إلا بدأ مفعول العشبة السحرية بالعمل، لكن يبدو أنها اختارت الوظيفة الخاطئة لاستخدامها في جوفي، فقد قامت بتقطيع أمعائي على اعتبارها نوع من أنواع البطاطا، بدلاً من أن تسكن أوجاعي.
وبالطبع تم نقلي على جناح السرعة إلى المشفى، وبعد يومين قضيتهما في غسيل المعدة ، وحقن السوائل السكرية في جسدي بدلاً من أي طعام، حيث أن معدتي يجب أن تأخذ إجازة طويلة المدى بعد الدمار الشامل الذي أحدثته العشبة، جاء الرجل لعيادتي باسم الوجه متأبطاً كيساً لا أعرف ما بداخله، وما أن وقع بصره علي حتى هتف: أرأيت؟ الحمد لله الذي أرسلني إليك في الوقت المناسب، فلولا تلك العشبة لكنت من الأموات الآن، على كل لا تقلق ” أبو ُمهاب عند الصعاب”، ودفع بالكيس الذي يحمله نحوي قائلاً: هذه عشبة ثانية …….، وبينما هو يكمل تلاشى صوته من أذني شيئاً فشيئاً، فلم أعد واثقاً من تتمة الجملة هل كانت: تقضي على أوجاعك نهائياً، أم تقضي على أنفاسك نهائياً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى