دار المأمون تحتفي بالمخرج والأكاديمي ليث عبد الأمير وبسينما الأكستريم
الجغرافية الحزينة لم تغب عن أفلامه
علي جبار عطية – بغداد |عالم الثقافة
احتفت دار المأمون للترجمة والنشر الجمعة ٢٠٢٣/٦/٢٣ في أصبوحة غير تقليدية جرت في قاعة جواد سليم بالمركز الثقافي البغدادي بشارع المتنبي بالأكاديمي والمخرج السينمائي العراقي المغترب الدكتور ليث عبد الأمير.
قدم الأصبوحة التي جرت في درجة حرارة زادت على الأربعين الناقد علاء المفرجي الذي استهلها بالحديث عن الفلم التسجيلي ( العراق :أغاني الغائبين)الذي قدمه المخرج ليث عبد الأمير قبل ١٥ سنة، ويستعرض فيه أحوال الإنسان في العراق من الأهوار في البصرة، وحتى زاخو بما يمكن أن يوصف بـ(الجغرافية الحزينة). أنتج الفلم بتمويل من القناة الفرنسية الرابعة لكنَّه تعرض إلى تقطيع، وحملة انتقاد غير منصفة أينما عرض.. لكن الفلم لقي صدىً طيباً في فرنسا ومهرجان السينما العربية الأوروبية في عمان، ومهرجانات روما واليابان وقرطاج.
ثمَّ عرَّف بالمحتفى به بأنَّه مخرج وناقد غادر العراق نهاية السبعينيات ، واختص بالدراسات السينمائية، حاصل على شهادة الدكتوراه في السينما والإعلام من السوربون، وجامعة كييف، وهو أستاذ لعدة سنوات في جامعات السوربون، وأوكرانيا ولندن والجامعة الأمريكية في باريس، وفي سلطنة عمان، وله العشرات من الأفلام الوثائقية والروائية بينها فلمه (المهد) الذي فاز بجائزة مهرجان دمشق السينمائي عام ١٩٨٥، وفيلم (الزمن المقدس)/، ١٩٩٤ و(رحلة مع الموسيقى)/١٩٩٨، و(أفريقيا أفريقيا) /٢٠٠٣ كما عمل مديراً للأخبار وللبرامح في تلفزيون دبي، كذلك له كتابات في صحف ومجلات عديدة مثل (الدوحة) و(أخبار الأدب) وغيرهما.
تحدث المحتفى به عن كتابه (سينما الأكستريم.. جماليات الحدود والتجاوز) الصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة / ٢٠١٩ والمزمع صدوره باللغة الفرنسية هذا العام، وهو كتاب بذل فيه الباحث جهداً كبيراً خلال سبع سنوات.
يقول : لا يوجد كتاب متخصص في سينما الأكستريم لا في اللغة العربية، ولا في الفرنسية، ولا في الروسية ولا في الانجليزية ـ على حد علمه باللغات التي يتقنها ـ ، لكن يوجد كتاب واحد بالفرنسية لبول أردين الناقد الفني الأكاديمي، وليس السينمائي، وقد تناول موضوع الأكستريم في الفن وفي الإعلام وفي السينما أيضاً، وهناك كاتبان بريطانيان كتبا في سينما الأكستريم ، وفي ستراتيجيات الإعلام.
تتبع الباحث مصطلح الأكستريم في اللغة الأغريقية الذي يعني كل ما هو مفرط وحاد وشاذ وقوي وعنيف مشيراً إلى أنَّه لا يوجد توصيف ثابت وواحد للأكستريم ولكنَّه حاول أن يحدد المفهوم ونشاطه في هذا الكتاب الذي يسجل في بحوث النقد.
ويقول : هذا يجرنا إلى موضوع حساس هو موضوع الحدود، وهو مفهوم شائع فلكي تعترف بهذه الحدود يجب أن تعترف بأهمية التجاوز.
يذكر بهذا الصدد عرض فلم (وصول القطار إلى محطة لاسيوتا)/ ١٨٩٥م للأخوة لوميير بباريس وفي مشهد صور اندفاع القطار باتجاه الجمهور، وبدا كأنَّه سيسحقهم فقد شعر الجمهور بالخوف من اندفاع القطار باتجاههم،وهو يعد عرضاً صادماً للمتلقين، وهذا ما تشتغل عليه السينما إلى وقتنا الحالي مما يدفع إلى انتاج أفلام تولد الصدمة لدى المشاهد.
ويضيف : موضوع الصدمة وهز مشاعر المشاهدين عملت عليه الأديان والثقافات قاطبةً فنرى بأنَّ المسيحية كانت تستعمل مشاهد صلب السيد المسيح، فالأكستريم في المسيحية حاضر بقوة وخصوصاً في أعمال فناني العصور الوسطى، وهي تحيلنا إلى موضوع مقدس، وهو الموت والبحث عن الخلود، وهو موضوع من دون نهاية،كذلك محاكم التفتيش اشتغلت على العروض الجماهيرية لإرعاب الناس، وهز مشاعرهم، والحال نفسه في سينما هوليوود كذلك سينما (داعش) والتنظيمات المتطرفة التي استعملت التقانات الحديثة والبشر الحقيقيين في أفلامها فيستعملون أربع كاميرات متحركة ثمَّ يعملون على المونتاج لإحداث صدمة. وأردف : نحن نعيش اليوم زمن الأحاسيس الجياشةوالفن اليوم يعمل على مساحة الانفعال كالذي يحدث في كرة القدم والإنسان أصبحت ثقافته أكثر فناً والفن صار أكثر شعبية؛ لأنَّنا نعيش في مجتمعات مخدرة على الحروب والخوف والكوارث، وهنا تبدو الحاجة إلى هزات عنيفة لتجعل الإنسان يشعر بأنَّه يعيش وغير مخدر. وتابع : الأكستريم يمكن أن يكون حالة عابرة أو حالة مستدامة، يعمل على مساحة الانفعالات والإعلام في الاتحاد السوفيتي وبالتحديد في احتلال فغانستان عمل على الأكستريم.
كذلك في الغزو الأمريكي العراق كنا في أوروبا لا نشاهد في الفضائيات مشاهد جثث ولا ضحايا ولا دماء، مع أنَّ القنابل التي سقطت على العراق أكثر مما سقطت على هيروشيما.
لكنَّ المذيع الفرنسي كان يعلق بالقول : (بغداد منورة وكأنَّها شجرة عيد ميلاد) !! وطبعا نحن نعرف أنَّ كل كلمة، وكل توقف عند المذيع هو مدروس.
وأشار إلى أنَّ الحدود تعيش بداخلنا، ولا هدف لصناع الأفلام سوى تجاوز الحدود لكن كلما كسرنا حدوداً تظهر لنا حدود جديدة، ويمكن أن يكون كسر الحدود إيجابياً اذا كان الهدف منه هو لخلق صدمة لشباك التذاكر، واشتغل على هذا المسالة عدة مخرجين منهم جودار، وبازوليني فكانا يلجآن إلى أسلوب الصدمة لكي نشعر بالكوارث والمآسي.
ونوَّه إلى أنَّ هناك ميزات لافلام الأكستريم فهي أفلام (إحشائية) يعني لا نستطيع أن نراها بعيون مفتوحة، وباستقرار فهي أفلام فيزيائية، ومثال ذلك فيلم صربي كان يتحدث عن الحرب الأهلية اليوغسلافية ويُظهر طفلة عمرها عدة دقائق يعتدي عليها جندي، كأنه يقول لنا بإنَّنا شعوب يعتدى علينا منذ الولادة !
موضوع الأكستريم متجدد دائماً فمثلاً كرة القدم في انجلترا بلد كرة القدم كانت تعد لعبة سوقية وممنوعة! وكانت هناك قوانين أمريكية مكتوبة في ثلاثينيات القرن الماضي قاسية بخصوص اجتماع الرجل الأسود بالمرأة !
وأشار إلى أنَّ الخطاب الإعلامي نفسه له قدرة على الأكستريم لكنَّ السينما لها قدرة على الهدم؛ لأنَّ إمكاناتها هائلة، ومع الزمن تتحول وظيفتها من إشباع فضول المتلصصين إلى حالة جمالية إبداعية، بدأت من رسومات الكهوف، ومن أسوار بابل التي تمثل الملوك في صراعهم مع الأسود والوحوش والفن الإغريقي وصور العنف والحروب والكوابيس، ونذكر أنَّ شكسبير تبارى مع كاتب في كتابة مادة صادمة فكان عمله يصور الأطفال كالخنازير يمشون على نار هادئة !
وعن ظروف العراق والتصوير فيه
قال :
يعد العراق سنة ٢٠٠٥ و٢٠٠٦ أخطر منطقة في العالم في التصوير السينمائي، وهناك جيل متعطش للسينما لكن لم تكتمل تجربته بشأن رؤيته للديكتاتورية مع ذلك استطاع بعضهم التعبير بصدق عن الوضع ومثال ذلك حكاية المخرج عماد علي أثناء تصوير فلمه (شمعة لمقهى الشابندر) فحدث انفجار في شارع المتنبي، وهو تعرض لعمليه خطف، وقتل أبوه وزوجته في بيته، وأصيب هو بجروح مما دعاه إلى أن يدير الكاميرا ويتحدث كشاهد، وأصبح الشخصية الرئيسة لفلمه فظهر فلمه فيه معاناة كبيرة، وعرض الواقع الوحشي بلا حذلقة فهو فلم صادم ومفرط في بساطته، وغير تقليدي.
ثمَّ تطرق إلى المهرجانات التي تهتم بهذا النوع من الأفلام وهي تدعى في باريس بالأفلام الخارقة، وكذلك هناك مهرجان بالمكسيك بهذا النوع من الأفلام.
وذكر في هذا الصدد سنة ٢٠١٤ يقول :كنتُ أعمل على الحاسوب فجاءتني من المكسيك رسالة تخبرني بفوز فلمي (دمعة الجلاد) بالجائزة الأولى في المهرجان المقام هناك فكانت صدمة جميلة !