مقال

فطيرة ست الحسن

د. أسماء السيد سامح

مما وعى عقلي من حكايات الصبا حكاية تلك الغجرية (ست الحسن) والتي هام بها عشقا أمير اسمه حسن.. قالوا إنه ترك لأجلها حياة القصور والنعيم وظل يتتبع الخيام التي يضربها الغجر المرتحلون بعدما رفض أهلها ان يزوجوه إياها.كانت (ست الحسن) تعرف أنه يتتبعها وتشفق على حاله فكانت تترك له في كل مرة فطيرة ساخنة، تغلفها وتغطيها وتدفنها في الأرض وتترك له فوقها علامة ما كغطاء رأس أو منديل فيعرف هو العلامة وينبش الأرض.. يأكل الفطيرة ويكمل سعيه خلفها متتبعاً ما تتركه له من علامات!
لا أذكر كيف تطورت قصة (الشاطر القديم)! لعلهما التقيا معاً في حياتهما أو بعد موتهما.. لعلهما دفنا معا ونبتت فوق قبريهما شجرتان متعانقتان، لعل نجما في السماء بقي يحتفظ باسميهما ويحكي قصتهما لصخور البحر في تلك الليالي التي يغيب فيها القمر.. لكن ما بقي راسخاً في عقلي من تلك الحكاية (من يستحق فطيرة ست الحسن؟!)
في كل مرة كان يجد قلبي جواباً واحداً.. هو من تشبث بنا رغم قسوة الظروف وأجاد تتبع العلامات التي تركناها خلفنا.. قرأها بقلبه قبل عينيه!
وإن لم أقل (اعثر عليّ)، سمعها (جدني كي لا نتوه معاً)..وإن لم امد له كفاَ مرتجفاَ غمرني فيض عناقه.. وإن خنق الصمت صراخي هتف بملء قلبه (لبيك!)
من يستحق فطيرة (ست الحسن) ؟! هؤلاء الذين – وإن وجدوا لنا اربعين شبيهاً – ميزت قلوبهم شفرة ارواحنا الخاصة بأكوادها السرية التي لا تنطبق على سوانا فأشارت لنا دوماَ سبابتهم أينما كنا.. وكيفما كنا.
هؤلاء الذين شهدوا انطفاءة سراجنا فلم يروعهم الظلام بل بقوا جوارنا يبحثون عن زيت قناديلنا المفقود، وكأنما نبتت لقلوبهم أيادٍ لا تنقطع ابتهالاتها للسماء لأجلنا وحدنا.. زرعوا العشب حول أحجارنا وهم يدندنون بلا نغم (أنا معك دوماَ فلا تخف ولا تحزن)
هؤلاء الذين غفت على تهويداتهم عرائس أحلامنا المؤجلة فلم يوقظها سوى شموس يقينهم فينا.. هم من وضعوا على رؤوسنا قواريرهم الملونة ودعونا للرقص متحدين العالم أن تنكسر القوارير او يتوقف اللحن!
هم من صدقوا يوم كذب سواهم.. واوفوا يوم خان سواهم.. وبقوا يوم لم يبقَ أحد!
هؤلاء فقط من يستحقون (فطيرة ست الحسن)!
فطيرةٌ معجزتها أنها تبقى دوماَ مشبعة دافئة.. دفء قلب خبزها ممتناً على مهل.. دفء روح التقمتها متلهفة على جوع.. ودفء نجم ولد خصيصاً لأجلنا فمنحناه اسمنا ورفعناه بأنفسنا لنضعه وسط السماء موقنين أنه ابداَ.. أبداَ لن يحترق!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. إنّ جِئتَني مَكسُوراً فَضَمُّكَ واجِبُ إنني في هَواكَ أُخالِفُ الإعرابَ ❤
    فالرُّوح التي فيها شيءٌ من روحك، تعرفُ كيفَ تخاطبكَ بلا كلمات… ۆلُگنْ تٌتٌعآفَيَ بْآلُلُقآء فَمآ حٍآنْ ۆقتٌ آلُتٌشُآفَيَ بْعدِ…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى