قراءة انطباعية في مجموعة “دموع كثيرة لعيد واحد” للشاعر اليمني ﻣﻌﺎﺫ حميد ﺍﻟﺴﻤﻌﻲ
بقلم: عبدالغني المخلافي| شاعر وكاتب يمني
لن أتناول في هذه المشاركة المتواضعة مجموعة صديقي الشاعر معاذ السمعي بالنقد، فلست ناقدًا ولا منهجًا نقديًا أمتلكه لكي أسبر أغوارها العميقة.إنما سأتحدث عن شاعر صديق عرفته افتراضيًا من خلال الفيس بوك لسنوات، ثم التقيته بعد ذلك على أرض الواقع، تعمقت علاقتنا أشد، صرنا نتواصل معظم الأيام تلفونيًا، وأيضًا بوسائل التواصل الاجتماعي ،ونلتقي ما بين فترات متباعدة.
أريد القول: إن صديقي الشاعر معاذ من الشعراء اليمنيين له بصمته الخاصة، وأسلوبه في قصيدة النثر لا يشابه أحدًا. دائمًا أعاتبه لكسله المتزايد في الكتابة، ولقلة إنتاجه، خاصة في الفترة الأخيرة، ربما لما يعانيه في الكتابة لنصوصه الطويلة؛ كأنه ينحتها من جلمود صخر، والقلق الذي يسفكه في إخراجها بكامل أناقتها على صفحته، سنلاحظ في نوعها، عندما سنقرأها، سنسأل كيف كتبها بهذا الشكل المختلف؟، بعد أن نجد فيها التراكيب اللغوية والصور السريالية التي لا نجدها في النصوص التي نطالعها يوميًا على صفحات الفيس بك.
وربما أعزو شحة إنتاجه أيضًا لما يمر به من وضع صحي، حيث قلبه يعاني من المرض، يحتاج إلى إجراء عملية سريعة لأنقاذه من المخاطر المحدقة. كما أدعو من خلال نافذة المنتدى العربي الأوربي للسينما والمسرح المعنيين في اليمن بالثقافة والفن اتخاذ القرار السريع في إجراء العملية، التي يستدعيها قلب الشاعر المبدع.
مجموعة “دموع كثيرة لعيد واحد”، معيار لمدى نضج الشاعر معاذ السمعي في الكتابة لهذا النوع في قصيدة النثر وللخصوصية من حيث الأسلوب والتقنية والتكنيك، تنتسب معظم النصوص في هذه المجموعة إلى المدرسة السريالية؛ أو إلى المدرسة الخاصة به؛ وأتوقع لتجربته الشعرية بمجملها في قصيدة النثر أن تدرس وتصبح مرجعًا مهمًا في يوم من الأيام.. اسمحوا لي بقراءة بعض المقتطفات المقتطعة من النصوص في المجموعة؛
ثم شاركونني التأمل بخشوع لصورها، ومفارقاتها، وانزياحاتها،
وفي ترامي المخيال لدى الشاعر.
كانت امرأةً..
تسبح كاملةً في مخيلة الماء،
ونصف رجلٍ..
يتلوى في مستقبل الدخان../
أيضًا سيدهشنا هنا.
كانت القهوة.
ترضع سمرتها من نقطةٍ مجهولة سابقة الأزل.
وكان النص…
يرشح بفكرةٍ ما، ويهيئ نفسه للانفجار..!/
ويقول أيضا:
دعيني أخبرك شيئا
على
ألا نربك مخارجَ الماءِ أو نلسع هشاشة المسرى بين إبريق زجاج وصينية عادية./
ويهزنا بدهشة المفارقة بهذا المقتطف.
كل شيءٍ قد يحدث،
كما لو..
تحلق الأشجارَ عاريةً، وتبني أعشاشها على بقايا عصفور قديمٍ بلا ريش../
ودعوني في الأخير أورد بقية المقتطفات دون توقف.
يحدث..
أن تنمو شجرةً في مخيلةِ البحرِ،
أن تغلف الشمسَ، بعجينة الظهيرة
وتسوقها في مربعاتٍ ثلجية./
يحدث..
أن يتلون إدمانكَ الأسمر..
أن تطفو البوارج في رغوةِ البنِ واللبن..
أن يبتلعك طربيد متوحش، في حبةِ هيلِ
ضئيلة وضامرة،
وتفقد أناملكَ في مقابضِ الفخار../
ماذا ستكتبُ في الرصِيف .؟
حملَ الرصيفُ صلاتهُ وانهارَ مثلكَ لم يعد
للفلِ بائعةٌ هناكَ ولا كتاب. /
أنا في البيت الآن..
الشارع يركض في فمي كأفعى،
شارع بلا خطى
خطى بلا مدى،
تمتمة في السوق
أصوات
تخرج من أسنانِ الباعةِ
وتدخل في أقدامِ المتسولين،/
في البيت الآن..
أفتحُ بابَ المدينةِ
من صوتِ غرابٍ عابسٍ
من رأسِ وصواصٍ يضيء عتمتها بالضلال،
الغربان ليست سيئةً.. حمائمَ خضرٍ وقعت في عزاءٍ أبدي،
أدخل كدودةِ مطريةٍ تتسكع في بطنِ عصفورٍ شائكٍ/
في البيت الآن..
شبحٌ
خلْفَ مقود ذبابةٍ
سرب حشراتٍ ملونة في طابور مفتوح
أراقب عامل المحطة
بهدوء
النوارس العالقة في الجراف
بنهدة بجع طويلة
بفرحة وعل زاهد بعري العيد
بشهقة نملة بالفتات
بقلق الصخور الواقعة من علو./