قصيدة “الصاحب المطفأ” بين الثابت والمتحول للشاعر المُكرّم سعيد الصقلاوي
قراءة: أحلام حسين غانم | شاعرة وناقدة سورية
أولا- قصيدة: الصّاحِبُ المُطْفَأُ
الصّاحِبُ المُطْفَأُ
ليس لهُ مَرْفَأُ
يُوعِدُ لكنَّهُ
يَظَلُّ يَخْتَبِئُ
لعلّهُ حالِمٌ
والحُلْمُ مُتَّكأُ
أوْ أنّهُ عاكِفٌ
أوْ أنَّهُ مُرْجِئُ
أوْ أنَّهُ سادِرٌ
أوْ أنَّهُ يَدْرَأُ
تَضيعُ مِنْ يَدِهِ
أزْمِنَةٌ تَنْشَأُ
ورَغْم طيبتِهِ
بالوَعْدِ لا يَعْبَأُ
حَديثُهُ لامِعٌ
لكنَّهُ يَصْدأُ
سعيد الصقلاوي
ثانيا – القراءة النقدية للقصيدة
استهلال
تعتمر قصيدة “الصاحب المطفأ” للشاعر العُماني المهندس المُكرّم”سعيد الصقلاوي ” نسيجاً لغوياً يعدُّ ترجمة ً لنفسية الشاعر ومكنوناته الداخلية .
البعد الرمزي
ويشكل حضور الصاحب/القائمُ على الشيء/ للذات الشاعرة فعالية مهمة يستمد قيمته من البعد الرمزي الذي يمثله الصاحب ويجسده في الثقافة الاجتماعية،ويرتبط بمفهوم القيمة التي من خلالها يسعى إلى السمو ،والخروج مما يراه سلباً في واقعه إلى ما يراه إيجابًا، فالذات تطمح من خلاله إلى تجاوز الواقع .
الشعور بالاستلاب
ومن خلال الربط بين الظواهر المنفصلة والتعالق بينها، نجد أنها نشأت من شعورين مختلفين عاشهما أو يعيشهما الشاعر في بيئة فرضت معطياتها نمطاً معيشياً أيقظ عنده إحساسين متضادين هما: الشعور بالذات، والشعور باستلابها، عكسهما الشاعر في صور ظاهرة ومستترة تعدُّ ركائز ينهض بهما النص؛ أهمها:الوصل/ الفصل، و الحضور/ الغياب .
كيان سيميائي
وفي كل نص وهذا النص يتم التأكيد؛ لا يحتوي النص الصقلاوي بشكل عام في ثناياه معنى واحدًا فحسب فهو كيان سيميائي يحتاج الوقوفُ عليه سبرَ مراميه، ومن خلال رصد الدّلالات التي لم يفصح عنها الشاعر بلغة التّعبير المباشر ،إنّما بلغة إشارية مكثّفة.
الثابت والمتحول
يقوم النص على مفهومين متعارضين يصوران فلسفة الشاعر الذاتية تجاه ثنائية الظل والضوء/ الحركة والسكون/ الثابت والمتحول /هما مفهوم الحضور و مفهوم الغياب الأشد حضورًا .
أبعاد الصاحب المطفأ
إذ تعدّ قصيدة “الصاحب المطفأ” من القصائد الثريّة دلالةً ومعنى، بلاغةً وإيحاءً؛ تمدُّنا بقرائن تؤكّد استلاب الذات الشاعرة بفعل واقع متقلّب؛ تتعدد الصور وتتكثّف الأبعاد التي تشير إلى الواقع المؤرق وتعكس الدلالة محاولة الشاعر تحدّي الزمن- الآخر، وتتفاعل مصورة أبعاد الصاحب الذي ليس له مبدأ/مرفأ و تتكشف الصلة بين الذات والآخر ، وتتراءى انهزامية الذات الشاعرة أمام سطوة الزمن .
فيض القوة
إنَّ صورة “الصاحب المطفأ” تحمل في طياتها الحاضر، وهو الصاحب/ الشاهد على فعائل الزمن في التخريب والإفراغ والإفناء، وهي الدلالة الأسمى والتجسيد الأكمل لتفجر ينابيع المعنى وفيض القوة المغمورة التي تحولت من أداة إلى صورة أو تجلٍّ من تجلّيات الذات الشاعرة.
المعنى الحامل
والدلالة التي نعنيها هي المعنى الحامل لعاطفة الشاعر الصادقة أو انفعاله ،فعبارة / الصاحب المطفأ/ هي العبارة المفتاح للقصيدة التي تتفرع منها الصور وتتلاحق المعاني، وتتشابك في العمق ، فتتداخل ُ عوالمها ومستوياتها .
يتخذ الشاعر من الصاحب قناعًا لإبراز ذاته الإنسانية الغالبة والمغلوبة في هذه الحياة، وتجلي كلمة/المطفأ/ نسق الانهدام النفسي، والصراع الحاد بسبب مرور خادع للزمن،ويوضح ذلك قوله:”يوعد لكنّه/ يظلُّ يختبئ/ لعلّهُ حالمٌ/ والحُلْمُ مُتَّكأ/أو أنَّه عاكِفٌ/ فظهر نص الصقلاوي نصًا قادرًا على بلوغ المعنى والدلالة ، فهو يتنامى من خلال ما يحمله من تضاديات.
المفارقة الضدية
وتتجلى المفارقة الضدية هنا ،وتزهو الصور بالشعرية التي تؤسس لها تقانة الأسلوب، ويزخر الأسلوب بالطاقة الانفعالية التأثيرية المنبعثة من أطواء الصور، وثنايا اللغة ، وجمالية الإيقاع .
ذروة الإحساس
يجسد هذا النص ذروة الإحساس بالمفارقة على صعيد العلاقة الإنسانية بين الشاعر / الصاحب / وظلّه ،ويستغور الصور الشِّعرية نسقًا ثقافيًا يؤكد وضاعة الصاحب الذي يقول مالا يفعل،وذلك في تأكيد الذات الشاعرة وضاعة ما يسمى الصديق أمام ما يحيط بصديقه من مصير خطير ينتظره .
البروز والتلاشي
ويتضح “الصاحب المطفأ” في تضاد نسقي الخفاء والتجلِّي وجدلية الصراع بين البروز والتلاشي اللذين يضمران مجالات موضوعية لرؤاه وانفعالاته تتمثل في قوله: “الصاحبُ المُطْفَأُ/ ليس له مرفأُ يوعدُ لكنه/ يَظَلُّ يختبئُ/”. ونلاحظ؛ يتقاسم النص نسقا الفقد المتمثل في الاستتار والخفاء، والامتلاء” ليس له مرفأ”و المتمثل في الحضور والتجلِّي ويتضادان في جدلية الصراع لإحلال الإحساس بالوجود ابتعادًا عن حالة العدم “بالوعد لا يعبأ”، لعلّه حالم ٌ،أو أنّه عاكفٌ ،أو أنّه سادرٌ “.. إذ يجلي المشهد صورة “السَّادر” الإنسان الذي لا يهتم بما يفعل وهنا إشارة إلى المصير الإنساني المهدد بالتلاشي حيث يقول: “تضيعُ من يدهِ أزمِنَةٌ تنشَأُ”.. يتراءى لنا اختلاف واضح في بنية النص اللغوية الظاهرة ودلالاته، وكلّما كان الاختلاف كبيرًا ، كان ثمّةَ نشاطٌ خصبٌ لتأويل الإشارات والتلميحات واستخراجها من مكامنها .
الأفق المفتوح
ومن هذه الرؤية تفتحُ مفهومَ النصّ على أفقٍ شاسعٍ يتجاوز حدودَ اللغة والعلامات بالأفق المفتوح تارة، وباللاتحديد تاراتٍ أخر، يتضمن رسائل إنسانية في بنى لغوية مثيرة للمتلقي، وتختزن شفرات النص المتعدّدة وتجرح جمود المعنى المكرور فيه.
جملة القول
يزخر النص بومضات قوية في فضاءات لا متناهية تمكننا من الكشف عن مكنونات الشاعر وهواجسه ،ولعلّنا نلتمس ردة فعل الذات الشاعرة تجاه موقف الآخر فيبدو الشاعر المكرّم سعيد الصقلاوي في نصه؛ رغم عشقه للحب والحياة والجمال،قد أتعبه الرحيل والغياب، وأشقَته الحَيرة ومنطقة الوسط، التي تشتبه فيها الأشياء وتتداخل، فلا هي في الظلِّ فتختبئ/ تصدأ، ولا هي في النور فتبين..
والشاعر يعي خطورة هذا الاستلاب../ تضيعُ منْ يدهِ أزمنةٌ تَنْشَأُ/،وهو في كل هذا وذاك يهجس بضرورة عودة البريق إلى الحياة من خلال إيقاف عجلة الزمن الصدئة والحيلولة دون حدوث اللامتوقع.