البناء الدلالي والرمزي في أدب الأطفال.. دراسات نقدية
بقلم: ساهرة رشيد
صدر كتاب (البناء الدلالي والرمزي في أدب الأطفال( دراسات نقدية في نصّ (التاج الذي يبحث عن ملك) للكاتب جاسم محمد صالح, تاليف مجموعة من النقاد والباحثين، ضم الكتاب اثنتي عشرة دراسة معمّقة في رمزية البناء الدلالي في أدب الأطفال وهي:
• مقدمة للكتاب بعنوان: (سمات البطل في أدب الأطفال) الباحث المعرفي جاسم محمد صالح
• رمزية (التاج) من الدلالات إلى العبر / الإعلامية فرح علي الغضنفري / العراق.
• فلسفة الخلاص في مسرحية (التاج) / الدكتورة نعيمة سعدية/ الجزائر.
• المفاهيمية في مسرحية (التاج) / الدكتورة إيمان الكبيسي / العراق .
• رمزية الدلالة والمدلول في مسرحية (التاج) / الأستاذ عبد الله جدعان / العراق .
• جمالية السرد واللغة في مسرحية (التاج) / الدكتورة فتحية مركوزة / الجزائر .
• البنية السردية والنسق القيمي في أدب الأطفال / الدكتورة عرجون الباتول / الجزائر.
• البناء اللغوي والفني في قصة (التاج) / الدكتورة دلال وشن/ الجزائر.
• سرديات الطفولة والتأسيس للوعي النقدي / الدكتورة عبلة معاندي/ الجزائر .
• رمزية الدال والملول في مسرحية (التاج) / الدكتورة صليحة لطرش / الجزائر .
• قراءة في مسرحية (التاج) / الاستاذة لويزة موهوب / الجزائر .
• جاسم محمد صالح كاتب مسرحي /الاعلامية ساهرة رشيد / العراق.
وهو الكتاب العشرون في سلسلة الدراسات العلمية والأكاديمية التي تناولت مؤلفات أديب الأطفال جاسم محمد صالح بالدراسة والنقد , ولقد تبين لي إن الطفل يحبّ المسرحية التي تشدّ خياله وتربطه إليها , لأنها تملك عقدة قوية , أما الأمور الأخرى فإنها تأتي بالدرجة الثانية لدى الطفل , ولأنه من الصعب السيطرة على الطفل لفترة طويلة فقد كان أديبنا موفقا بالاستحواذ على اهتمام الأطفال من خلال اسلوبه السهل وعبارته الواضحة , فقد طوع اللغة لتكون في خدمة أفكاره , ولان (جاسم محمد صالح) كاتب وأديب لمسرح الأطفال فقد ساهم بأعماله هذه في تنمية خيال الطفل , ذلك الخيال الذي يُعدّ أساسا لنمو عقله وتفكيره , لهذا فانه دوما يهرع إلى الأساطير ويستلهمها في مسرحياته , لأنه يرى فيها مادة خاما تصلح لان يكون فيها مصدر الهام لأعمال أدبية وفنية جديدة , وبعمله هذا أضاف إلى المكتبة العراقية والعربية الشئ الكثير. تتميز كتاباته بالبناء المتكامل في اللغة التي تخاطب الجميع وبعبارت بسيطة وسهلة ومعبرة ومفهومة ذات كلمات جملية يستطيع الطفل ان يفهمها , فجاسم محمد صالح ابعد ما يكون عن الوعظ الواضح ,كما إن أبطال المسرحيات التي كتبها جاسم محمد صالح لها ارث معرفي في أذهان المتلقين وهذا الإرث مأخوذ من المسموع ومن المقروء ومن المرئي ، بحيث امتلك كلُّ بطل سمات راسخة في الأذهان ، حيث يجد الكاتب صعوبة كبيرة جدا في تغيير هذه الصفات , لهذا فانه يحتاج إلى ذكاء خارق وقوة إبداعية كبيرة وامتلاك لأساليب اقناعية متنوعة لكي يقنع المتلقي ( الطفل ) لتغيير جزء من صفات هذه الشخوص ، فالأسد وكما هو معروف عنه يمتلك شجاعة وقوه كبيرة وهيمنة وسطوة في عالم الحيوان وانه ملك الغابة بدون منازع ، ومن الخطأ الكبير لدى كاتب الأطفال أن يجعله يتصرف تصرفات كثيرة يسخر منها الآخرون , أو أن تدلّ على الخوف أو الجبن أو الغباء أو عدم المعرفة ، في الوقت الذي يجعل من الأرنب آو الدجاجة أو الديك شجاعا وحالما كبيرا وذا قوة وسطوة على الآخرين , سطوة تتجاوز سطوة الأسد أو النمر أو الذئب . يلعب البطل في قصص وروايات الأطفال للأديب جاسم محمد صالح دورا مهما في سير الأحداث وفي إيصال الفكرة أو مجموعة الأفكار والأحداث إلى المتلقي سواء أكان طفلا أو حدثا وخلق تواصل كبير بين الكاتب من خلال النص وبين المتلقي وهذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان الكاتب عارفا بحرفية الكتابة للأطفال أولا ومتفهما لما يريد أن يكتبه ثانيا وذكيا في اختيار الشخصية التي تؤدي دورا مهما في نمو الأحداث وتسلسلها في العمل الأدبي ثالثا وبالتالي وصولا للنجاح المنشود في إيصال ما يريد بكل وضوح وجمالية وإقناع إلى المتلقي وهذا هو سرّ نجاح الكاتب , لان ابطاله من الواقع والبعيدين كلّ البعد عن الألوهية والبناء الأسطوري للأحداث لكي تكون مقنعة ومقبولة في عالم الطفولة , بحيث تناسب أفعاله وأقواله وتوجهاته مع مضمون الحدث والخطّ العام للفكرة لأن رمز البطولة في شخصياته تواكب الاحداث وتتابعها ، وتقدمها حتى ينتهي البطل في النهاية إلى كيان كبير وواضح بشكل مقنع حتى يمكن أن يتخذه الطفل رمزا وقدوة وسلوكا في حياته.
واليوم نسلط الضوء على مسرحية التاج الذي يبحث عن ملك وهي رحلة وشاقة وشائكة قامت بها السلحفاة التي شعرت بالفوضة بالغابة انطلقت السلحفاة إلى حداد الغابة وهو خنزيز قوي، فعرضت عليه أن يجسد فكرتها، وقام الخنزير بصنع التاج .
وذهبا معا إلى حيث اجتمعت الحيوانات قد عندما سمعت نداء السلحفاة، فعرضت السلحفاة تاجها، وطلبت ممن يرى في نفسه الكفاءة والأهلية أن يتقدم ليلبس التاج، على أن يقنعها بأنه أهل لأن يكون ملكا وحاكما على الغابة.
فيتهـــافت الكثير دون وعي منهم بالمسؤوليـــــــة: القرد، الدب، الأرنب الزرافـــــة، الفيل، والثعلب العجوز، وجميعهم ترفضهم السلحفاة لأنها لا ترى فيهم أهلا للحكم، لكنهم يجادلونها لتمسكهم بالتاج، وفي الأخير يفر الجميع عند مجيء العدو ولا يبقى إلا الأسد الذي يفوز بالتاج.
فعندما (يزداد الضجيج والصراخ في الغابة، يزأر الأسد بصوت عال جداً ويبدي قوة وحركة وتحدياً كبيراً )
الأسد / أنا لها وأنا لها، من يجرؤ أن يقترب من الغابة.
هي سكني فيها بيتي، هي وطني …
لن أهرب أبداً (يزأر بقوة) سأضحي بحياتي ولن أهرب أو أتراجع
(يخاطب الجميع) قفوا لا تهربوا، لا أحد يصل الغابة، بيتي أغلى من حياتي
غابتي هي بيتي (ينتبه الجميع إليه ) لا أحد يصل الغابة وأنا موجود” (التاج الذي يبحث عن ملك).
والفكرة ببساطة أنه في الوقت الذي كان فيه الجميع يسعون للحصول على التاج، كان التاج يبحث عن ملك، وفيما ترمز الحيوانات إلى المتلهفين إلى السلطة والطامعين بها، يرمز التاج إلى المسؤولية والأمانة
وأخيراً ظهر الأسد بعد الهجوم الذي شن على الغابة لينال التاج ويصبح ملك للغابة. إن فكرة المسرحية تؤكد على فكرة القائد الذي يجب أن يتمتع بها الطفل وكيف يجب أن يعيش الجميع السلام والأمان ويتساوى الضعيف والقوي.كهذا يجب أن يكون القائد وفكرة القيادة التي قدمها أديبنا بشكل سهل وواضح ومبسط ليفهمها ويتفاعل معها الأطفال.