المخاتلة واستدعاء الريف المصري في رواية خالتي بهيّة للجيزاوي
الدكتور عصام محمود
أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب قسم اللغة العربية جامعة حلوان بالقاهرة
خالتي بهيّة؛ رواية الروائي المصري خليل الجيزاوي وهي السابعة في مشروعه الروائي، صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2022، لا يمكن أن نسمي هذا العمل رواية بالمعنى التقليدي للرواية؛ لكنها ملحمة مصرية ريفية من قلب ريفنا، الذي كنا نسمع عنه ولم نعد نره، فقد تغيّر الريف، ولم يبق منه سوى أطلال، ورسم عاف غطاه التراب وطحنه التقدم والتكنولوجيا الحديثة؛ ليأتي خليل الجيزاوي محاولا نفض غبار الزمن والتقدم عنه.
هذا النص ليس رواية بالمعنى المفهوم، فلا يوجد حدث رئيس، أو مشكلة لتتأزم، فتصير عقدة يسعى الكاتب لحلها، وإنما مجموعة من المشاهد المتتالية دون حدث رابط، بل حكاية وراء حكاية، وسلسلة ذات فصول شبه مترابطة تحكي عن أشياء في القرية، فخالتي بهيّة رواية تسجيلية تُعيدُ لك الشعور بالحنين إلى مصر القديمة بحاراتها ومبانيها، ونجح الجيزاوي بلغته في جعلك تعيش في قلب القرية، التي لمحنا منها في قرية يوسف إدريس في قصصه، وقرية صلاح أبو سيف في الزوجة الثانية، لكن دون ذلك الصراعِ الطبقي بين الفلاحين والعمدة؛ بل رحلة هادئة، أشبه بسرد تسجيلي أعمق من رحلة خيري شلبي في الوتد.
(1)
يستقبلنا الغلاف بالعنوان والصورة، ولا يمكن فصل أي منهما عن الآخر، فالعنوان هو العتبة الأولى التي نلجها للدخول إلى النص، فالعنوان كما يقول “لوى هويك” في كتابه “سمة العنوان” هو: “مجموعة العلامات اللسانية، من كلمات وجمل وحتى نصوص، قد تظهر على رأس النص لتدل عليه وتعينه، تشير لمحتواه الكلى، ولتجذب جمهوره المستهدف”(1)، والعنوان هو الواجهة الأولى التي يلقى المتلقي القارئ بها “يخاطب به بصرياً وإشهارياً الكثير من الناس فيتلقونه لينقلوه بدورهم إلى الآخرين، وبهذا فهم يسهمون في دورته التواصلية والتداولية”(2)، فالعنوان قناة تواصلية رئيسة بين الباحث والمتلقي، كما يشير جيرار جينيت في وظائف العنوان: تسمية النص/ الكتاب ـــ تعيين مضمونه ـــ وضعه في القيمة أو الاعتبار(3)، فخالتي بهيّة هو اسم النص، وفي المضمون، نحن أمام نص حدّد صاحبه جنسه الأدبي على الغلاف (رواية)، ومن الغلاف ندخل عالم الجيزاوي الروائي، فنجد أنفسنا أمام صورة تلك المرأة الريفية التي تضع الإيشارب على رأسها وتلف رأسها بتلك الطرحة السوداء؛ ليقابلنا الاسم “خالتي بهيّة” ليحدث لنا ذلك التماهي بين الاسم والصورة.
خالتي بهيّة هي صاحبة تلك الصورة التي أوشكت أن تختفي تماماً من الريف المصري إلا للنسوة العجائز في القرية، وحولها لون أخطر وأحمر وأصفر علامة القرية.
للوهلة الأولى يظن القارئ أنه أمام رواية بطلتها امرأة ريفية هي الخالة بهيّة، وهما لفظتان أوشكتا على الاختفاء من المجتمع، لفظة خالة لم تعد دارجة بصورة كبيرة في المجتمع، بل توارت واختفت؛ لتحل ألفاظاً أخرى بديلة منها، مثل (طنط) أو أي مرادف حديث لها، كذلك اسم (بهيّة) فبرغم معناه الجميل الذي يبعث على البهجة ويدل على السعادة؛ فإنّه يُعدّ من الأسماء القديمة المهجورة التي لم تعد مستعملة في عصرنا.
ويرتبط هذا الاسم بالتراث المصري، فقد أطلق على مصر، وتغنى به الشعراء في أغان مشهورة منها أغنية (بهيّة) أو (عيون بهيّة) تأليف الشاعر محمد حمزة، والتي غناها الفنان محمد العزبي؛ لأول مرة في المغرب في عيد جلوس ملك المغرب على العرش، وأغنية طفي النور يا بهيّة، لمحمد منير كلمات أحمد فؤاد نجم، ويبقى السبق لعيون بهيّة التي صارت مع الوقت علامة على مصر، وصار اسم بهيّة معادلا موضوعياً لمصر، يقول مطلعها:
بهيّة وعيون بهيّة
كل الحكاية عيون بهيّة
يا بهيّة وخبريني ما لهم بيكي اللايمين
دي عيونك يا صبيّة بالحزن مالينين
كل مجاريح الهوى بيقولوا هي بهيّة
وكل عشاق الهوى ظالمين بهيّة
ظالمين البنيّة يا عيني
وكل الحكاية عيون بهيّة
وتبدو المخاتلة في العنوان مثل الأغنية، والتي تتشابه مع مفهوم التورية، فالمعنى البعيد هو المحبوبة في الأغنية أو الخالة بهيّة في الرواية، لكن المعنى البعيد المقصود هو مصر، من ثم يكون توظيف الجيزاوي للعنوان مناسباً ومتناسقاً مع نصّه هذا.
(2)
وتتضح أهمية هذا الاسم في النص عندما يضعه الجيزاوي مرتين؛ الأولى عنواناً لعمله الروائي، والثاني عندما جعله عنوان الفصل السابع أو الحكاية السابعة في هذا العمل، فهنا نحن أمام عنوان الكل على الغلاف، ثم في جزء من النص وغالباً ما يكون العنوان الرئيس آخر ما يكتبه الكاتب، وهذا ما يؤكده الدكتور فكري الجزار بقوله: “إن المرسل غالباً ما يضع عنوان مرسلته بعد انتهائه منها وتشكلها عملا مكتملا، بمعنى أنه – إذ يضع العنوان/ يبدعه – واقع تحت تأثير العمل نفسه بشكل ما من الأشكال، وكأنّ المرسل يتلقى عمله ليتمكن من عنونته، غير أن هذا التلقي لا يستهدف إنتاج معنى العمل أو قواعد إنتاج هذا المعنى، كما هو الأمر في تلقي المتلقي، إذ إن المرسل لا يتحرّر – مطلقاً – من وظيفته كمرسل في مواجهة عمله، ومن ثم لا يتمكن من الإفلات نهائياً من مؤثرات عملية البث ومحفزاتها، بل ينضاف إليها العمل مؤثراً ومحفزاً لإنتاج العنوان، وهكذا يمتلك العنوان استقلاله الإبداعي من سيرورة مؤثرات عملية البث ومحفزاتها، ويمتلك كذلك علاقته بعمله بدخول هذا الأخير ضمن تلك المؤثرات والمحفزات”(4).
خالتي بهيّة نموذج للمرأة المصرية التي عاش معها كل من تربى في القرية المصرية، هي الخالة بديعة في اليد الكبيرة ليوسف إدريس، التي تنتمي إلى الأسرة فعلا لا نسباً وتعدّ فرداً فيها، وخالتي بديعة وإن لم تنتم إلى الأسرة نسباً لكنها تلك الخالة الجارة المقربة محبوبة الأسرة، نموذج الجمال والنظافة والشطارة، أرملة شهيد وجميلة وَمع هذا عاشت على ذكراه حتى ماتت.
خالتي بهيّة عنوان يؤكد أنها تلك المرأة التي لا يمكن فصلها عن الأسرة، فهي خالتي كأمّي، الفكرة أعمق من مجرد قرية بسيطة ماهرة، يأخذنا الجيزاوي في رحلة ويغوص بنا في عمق لغته وخياله وسط القرية وشخوصها وحواريها ودروبها لتشهد اختفاء مهن كانت يوماً علامة الحياة وشريانها في القرية؛ ليثبت لنا أنّ العالم يتحول ودوام الحال من المحال وما كانت مهنة لا غنى عنها، صارت تاريخاً من الماضي، فهذا النص ليس رواية كلاسيكية البناء تدور حول شخصية بهيّة المذكورة على غلاف الرواية؛ لكنه عبارة عن متوالية قصصية مترابطة منفصلة، تبدو مثل قصة الإطار، هي الحكاية الرئيسة في الكتاب، فقصة الإطار هي قصة ترتكز على فكرة محورية، تتفرع منها قصص جزئية صغيرة(5)؛ وهذا النوع مُكرّر في معظم القصص الشعبية مثل قصة ألف ليلة وليلة، وعلى الزيبق(6).
وخالتي بهيّة تتجاوز الكل التقليدي في الحكايات القديمة، لكنه يتجاوز ذلك إلى بُعْدٍ أكثر شمولا وخصوصية؛ فقد جاءت الرواية حاملة 12 فصلا، لكل فصل عنوان مستقل حملت عناوين فصول الراوية اثنتي عشرة عنواناً على النحو: (عمّ عبده، الساقية القديمة، الطنبور، النورج القديم، إمام الحداد، جابر النويهي، خالتي بهيّة، سميحة داية وماشطة، عبد الفتاح المزين، طبلة وهيبة، عمّ زكريا، مسعود الطحان) .
جاءت عناوين الفصول مقسمة على: ستة عناوين تحمل اسم فلاح قروي: (عمّ عبده، إمام الحداد، جابر النويهي، عبد الفتاح المزين، عمّ زكريا، مسعود الطحان)، ثلاثة عناوين تحمل اسم امرأة: (خالتي بهيّة، سميحة داية وماشطة، طبلة وهيبة)، ثلاثة عناوين تحمل اسم آلة زراعية قديمة: (الساقية القديمة، الطنبور، النورج القديم)، الرابط بين كل هذه العناوين، هو القرية المصرية القديمة، وبهيّة جزء منها بالطبع، لكنه جعله العنوان الرئيس، وهو هنا يُطلق الجزء ويراد به الكل؛ فهي المهمة إذ كان الكاتب يُعِدّ الخالة بهيّة مصر، ويعرض ما حدث لها من تغيرات في العقود الماضية.
ويدعم الإهداء هذا الأمر، فقد أهدى الرواية إلى خالته بهيّة قائلا: إلى خالتي بهيّة النقيّة العفيّة السخيّة الصابرة على استشهاد زوجها في حرب أكتوبر أُقبّل التراب تحت قدميّك.
(3)
جاءت كلمة الناقد الدكتور مختار أمين، على الغلاف الأخير لترسم لوحة شارحة لدلالة الرواية قائلا: الرواية تكشفُ بصورة غير مباشرة أن الأحقاب الزمنية التي مرّت على الريف المصري غيّرت في فكر الناس وبالتالي غيّرت في سلوكياتهم، وأشارت من بين معانيها أن هناك رقع جغرافية في الوطن الواحد تُمثّلُ الهُوّية لابد ألا تتغيّر بمرور الزمن، ويجب البقاء عليها، حتى تبقى العادات المؤكدة لهوّيتنا المصرية.
إن صورة الريف المصري القديم بمساحاته الخضراء الشاسعة والأراضي الزراعية الممتدة حول بيوته الطينية القديمة تلعبُ دوراً توثيقياً، يجبُ أن تتعرفَ عليه الأجيال القادمة؛ لتبقى على اتصال بجذورها المصرية.
ولا شك أن، روايةُ “خالتي بهيّة” هي رواية تسجيلية راصدة للتغييرات الجذرية التي حدثت في القرية المصرية على كافة
المستويات؛ اللغوية، والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فعلى المستوى اللغوي بداية من الاسم الذي صار تراثاً غير مستخدم وانتقل ذلك إلى عناوين الفصول: (عمّ عبده، إمام الحداد، جابر النويهي، خالتي بهيّة، سميحة، عبد الفتاح المزين، وهيبة، عمّ زكريا، مسعود الطحان)، صار تسمية الأولاد حديثاً خالية من الأسماء المذكورة؛ لتعلن الراوية عن تغيّر البنية اللغوية في المجتمع المصري الذي أوشكت هذه الأسماء أن تختي تماماً منها، ثم جاءت العناوين التي تحمل أسماء أدوات الزراعة القديمة: (الساقية القديمة، الطنبور، النورج القديم) فلو سألت شاباً في القرية المصرية الآن عمّا تدل عليه هذه الأسماء لن يجيب، ربما يعرف الساقية لا أكثر، لكنه سيقف مبهوتاً إذا طلب منه وصفها، ولن يعرف طريقة عملها بالطبع، ومعها اختفت مهن وتغيرت أسماء أخرى، وظهرت بعض المهن المذكورة في الرواية مثل الصورة التي يغطيها الضباب، فالحداد قديماً ليس هو المعروف الآن، والمزين الذي تغيّر اسمه إلى الحلاق ثم الكوافير، وكذلك الماشطة التي تغيّر اسمها إلى الكوافير، ثم ميكب أرتستMakeup Artist ، ولم يعد للداية وجود في البيوت المصرية مهما بلغ مستواها المادي أو الاجتماعي، واختفى المنادي التقليدي الذي كان يطوف القرية؛ ليحل ميكروفون الجامع، ثم وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة مثل: الفيس والواتس بدلا منها، واختفت الأدوات الزراعية التقليدية؛ لتحل التكنولوجيا الحديثة مكانها من ماكينات ري وجرارات حديثة، وتحولت البيوت المبنية بالطوب اللبن ــــ ولا يوجد فيها مفهوم الحمام إلا في المسجد ـــــ إلى عمارات تعلوها أطباق الدش، وعلى حوائطها أسلاك الهاتف والانترنت، وهو تغيّر جذري على مستوى البنية العقلية والاجتماعية؛ ليختفي الفلاح التقليدي، الذي ينام بعد العشاء؛ ليستيقظ قبل الفجر، فقد ترك الفلاح أرضه مهاجراً لبلاد النفط؛ ليعود حاملا معه ثقافة مغايرة وأموالا وفراغاً، فظهرت محلات السوبر ماركت، والهواتف والملابس وعربات القمامة والمقاهي التي تظل مفتوحة تستقبل روادها حتى الفجر.
(4)
جاءت لغة النص متناغمة مع الواقع الذي يُعبّر عنه، فقد كانت لغة سهلة؛ لغة الواقع القروي وقتها، وقد برز ذلك من اختيار ألوان (خالتي بهيّة) واختيار أسماء الشخوص وهي أسماء متناغمة مع الواقع وقتها، ومن ثم كان طبيعياً أن يكون النص مفعما بمفردات القرية التي تمتزج مع العامية مع إدخال فيها القليل من الفصحى.
مفردات القرية: الغيط، الساقية، المصطبة، النورج، الترعة، المزين، حلب البهايم، الغربال، حشية قش الأرز، شاي العصاري، حلق الفرن البلدي، يوم الخبيز، عشاكم، حطب الذرة الناشفة، يعزق، الداية، خلفة الصبيان، السبع حبوب، الماشطة، حمام العافية، السبوع، الكنبة، نسوان البيت، انهد، المصلية، تغمز، عليا، دكان… الخ.
وتتجلى هذه المفردات في الأغاني المبثوثة داخل النص ومنها:
لما قالوا ده ولد انشد حيلي وانسند.
وجابولي البيض مقشر، وعليه سمن البلد.
لما قالوا دي بنيّة، انهد الدار عليّا
وجابولي البيض بقشره وبدل السمن ميّه (7).
وتعكس هذه الكلمات ثقافة المجتمع القروي الذي يفرح لميلاد الولد ويحزن لمولد الأنثى وتنعكس مشاعره على المرأة/ الأم الكائن الأضعف في هذه الناحية، فالولد يد عاملة جديدة مجانية تضاف للأسرة بينما البنت فم جديد يأكل، وقد تجلب العار.
مفردات الفصحى: النقيّة، الصابرة، قدميّك، تراه، يشق، حقول، يسير، الصباح، المساء، يستقر، يتوق، غبار، الفرس،
المهر، جسدها، صافية… الخ، وتتجلى ثقافة القرية في استخدام الجيزاوي لبعض الألفاظ الخادشة للحياء في الثقافة المصرية حالياً ومنها: عضّت شفتها، يخرج من المياه كيوم ولدته أمه، رأت رجلا ثالثة تتدلى من بين رجليه، طويلا يساوي طرف حمارها، وحيدة عطشانة في الليل، العايبة الفاجرة، كانت ذهبت إليه بالعشة ونامت له… الخ، وتبدو للوهلة الأولى، فإن كثيراً من الإيحاءات والتلميحات الجنسية والألفاظ المكشوفة، تنتشر بكثرة داخل الرواية ومنها: المغامرات الليلية، ينط عليها، بنات الغجر يغنين بغمزات جنسية، خدها ونزل الترعة، تغني الماشطة بغمزات مكشوفة العسل النحل، تمنت الماشطة أن تتحول إلى رجل حتى تنفرد بالعروسة تحت اللحاف الأحمر، الدخلة البلدي ووصفها، والولادة الطبيعي عند الداية ووصفها، مغامرة الفجر، لم يشبع فأعاد المغامرة للمرة الثالثة، ضربها على مؤخرتها، الحموم، استحمه، ينام مع ستات، آه يا بنت الكلب… الخ، ولكن طبقاً لمقاييس العصر، فإنّ هذه اللغة عادية جداً في القرية في وقتها وحتى وقت قريب، فلغة القرية هي لغة مكشوفة دون زواق أو مواربة، بل عن الدخلة الريفية بكل ما فيها من مشاهد جنسية، كانت تعدّ عادية إلى وقت قريب في القرية؛ الطبيعة البكر التي لم تزينها المدينة بالخداع والمساحيق التجميلية، والتي تسمي الأشياء بمسمياتها: الحلاق أو المزين وهو الحكيم، والماشطة في مقابل (الكوافير والميكب أرتست)؛ ولعل المُدقّق في المشاهد القديمة للقرية مثل (الزوجة الثانية – الحرام- البوسطجي – دعاء الكروان) يجد مثل هذه التلميحات وإن كانت مُخفّفة حتى لا تمنعها الرقابة، وكذلك الزي القروي المكشوف من الصدر بوسط يقسم الجسم نصفين، قصير يظهر جمال الساق عند المرأة، وكانوا يغسلون في الترعة بحيث تبدو مثل هذه الألفاظ والتلميحات عادية تماماً إذا ما وضعت في سياقها التاريخي والاجتماعي، ولا يمكن قياسها على القرية الآن التي انتشر فيها الخمار والنقاب؛ فهذا النص يحكي الجيزاوي عن القرية الريفية المصرية القديمة، قبل التطور وقبل دخول المياه والكهرباء البيوت المبنية بالطوب اللبن وقبل أن تبنى البيوت بالطوب الأحمر، فهو هنا يعود بنا إلى الحياة مع شخوص كانت موجودة بالفعل تحيا وتتنفس وتعمل في القرية، وقد عاش الراوي وسطهم، ومن ثم يسرد قصصهم، إن فاتتك القرية المصرية؛ لأنك ولدت بعد أن صارتْ مسخاً أو جذبك الحنين للماضي القريب البعيد، تجدها في رواية خالتي بهيّة، بكل ما فيها من خير ومعاناة ولغة، خالتي بهيّة معادل موضوعي للقرية المصرية التي رحلت عن عالمنا.
الهوامش
(1) عبد الحق بلعابد: عتبات (جيرار جينيت من النص إلى المناص)، الجزائر: الدار العربية للعلوم ناشرون، الطبعة الأولى 2008م، ص 73.
(2) السابق: ص 67
(3) السابق: ص 67
(4) د. محمد فكري الجزار: العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة 2006م. ص:61
(5) هي الحكاية الرئيسة في الكتاب فقصة الإطار هي قصة ترتكز على فكرة محورية تتفرع منها قصص جزئية صغيرة فهي القصة الرئيسة التي تخرج منها قصص أخرى صغيرة، وهذا النوع مُكرّر في معظم القصص الشعبية مثل قصة ألف ليلة وليلة وعلى الزيبق.
(6) هي حكاية شعبية عن ملك يقتل زوجته لأنها كانت على علاقة مع عبده، ويكره كل النساء، ويقوم بمعاقبتهن فيتزوج كل يوم بنت جديدة ويقتلها في الصباح، حتى يتزوج يومًا من شهر زاد التي تحكي لها كل يوم حكاية مثيرة مختلفة، ولكنها لا تكملها حتى النهاية، بل تقف عند جزء مهم حتى تحكي لها بقيتها في الليلة التالية فلا يقتلها حتى تمرّ ألف ليلة وليلة، ويكون قد غير رأيه فلا يقتل أحداً، فقصة الإطار هنا هي قصة شهر زاد والملك شهريار الذي يقتل النساء، وهي تحكي له كل يوم حكاية جديدة والقصص الأخرى صغيرة داخلها.
(7) خليل الجيزاوي، رواية خالتي بهيّة ص 168