قراءة في رواية ” وهكذا أصبحَ جاسوسا” للأديب الفلسطيني وليد الهودلي
عفيف قاووق – لبنان
هي ليست رواية بما تعنيه الرواية من توفر لعناصر مألوفة، بل هي أقرب إلى مجموعة قصصية تضُم بين دفتيها حكايات مستقاة من داخل السجون وعلى لسان الأسرى ومعظمها تدور حول إنزلاق البعض منهم وعن سوء تقدير ونتيجة للثقة المفرطة بالآخر والإفصاح عن بعض المعلومات وطبيعة نشاطهم. وقد كانت إشارة معبرة من الكاتب عندما صدّر كتابه هذا بمقولة للمفكر المصري محمد الغزالي تقول :”ليس من الضروري أن تكون عميلاً لتخدم عدوك، يكفي أن تكون غبيًا”.
يوضح لنا الكاتب المغزى من توثيقه لتلك الحكايات وأهمية أن يوثق الأسرى عذاباتهم في كتب ورسائل لتبقى الشاهد والشهيد على ما لاقوه من ظلم وقهر فيقول:”هذا التحدي يشحذ قلمي، خلف كل أسيرقصة وحكاية تجربة وعبرة وسأجعل من هذه الحكايات خلفستائر العتمة فرصة لكتاب يخترق سجونهم ويكشف مُكوِن دولتهم ويُعرّي ألاعيبهم أمام القادمين إلى مرابض الأسود ومصانع الرجال”.
يلاحظ إعتماد الكاتب في بعض الفقرات على ما يعرف بالتناص وكانت النكهة القرآنية والدينية ظاهرة في بعض العبارت مثل:
- البرزخ الذي يفصل الحريّة عن السّجن.
- كنتُ كمن يغرق في جبّ يوسف ولكن دون أن يكون هناك سيّارة.
- وفي وصفه لتوحش المحتل يقول: ” لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا”
- وفي موضع آخر وأثناء التحقيق مع الاسير عزيزيقول المحقق أبو داوود ” نحن عندنا ثبت العيد أنت فقط تدير وجهك عن الهلال”.
- وأخيرا وفي الصفحة 34 يصف الأسير المحقق بالقول ” جاء كبيرهم الذي علمهم السحر”.
بالعودة إلى مضمون هذه المجموعة القصصية فهي كما تبدو تحمل في طياتها رسائل تحذيرية وتوعوية لكل الشباب الفلسطيني حيث أن كل شاب منهم هو مشروع أسير حتى لا نقول مشروع شهيد، وبالتالي لا بدّ من التنبيه للألاعيب القذرة التي يعتمدها المحتل لأجل إنتزاع المعلومة والإعترافات. حيث لغرفة العصافير التي يشغلها البعض من المتساقطين والتي إبتدعها العدو الدور الكبير في عملية الإيقاع ببعض الأسرى. من هنا يورد الكاتب نصيحته لهؤلاء الأسرى بالقول” إياك أن تقع ضحية البطولة الكاذبة، سرّك لا يوجد ما يدعو لكشف ستره أمام أحد”.
نماذج عدّة ومتنوعة أوردها الكاتب تبرز ما يمكن أن يلجأ إليه المحتل للإيقاع بفريسته ومن هذه النماذج والأساليب:
- إختراق صفحات التواصل الإجتماعي عبر قيامه باستخدام أسماء وهميّة وصفحات مضللّة كما حدثمع سناء في قصة “عصفور على الفيسبوك” حيث إستطاع منتحل الصفة أن ينتزع منها كمية من المعلومات المهمة عن رفاقها في النشاط الطلابي. وتكرر هذا الأسلوب مع سالم نور الذي بتتبع صفحته على الفيس بوك ونتيجة لخطأ من بعض أصدقائه إعتبرهذا الخطأ بمثابة غلطة الشاطرأدت إلى إكتشاف المجموعة بكاملها والإيقاع بها.
- كما أن أجهزة التنصت المزروعة في الغرف وساحات الإعتقال ساهمت بشكل لافت في الإيقاع بالأسرى وهم يتبادلون أطراف الحديث فيما بينهم معتبرين أنهم في منأى عن الآذان الصاغية للعدو.
- الوسيلة الأكثر إيلاما ومهانةً التي اعتمدها المحتل كانت في إبتزاز الأسرى والشباب الفلسطيني في حاجاتهم حيث يتم إستغلال حاجة البعض للحصول على تصريح بالسفر لمتابعة العلاج او الدراسة خارج البلاد فيجابه بالشعار الرائج “ساعدنا حتى نساعدك”.
تظهر الرواية أيضا بروز طبقة من الإنتهازين والمستفيدين الذين رضخوا لمشيئة الإحتلالوقبلوا التعاون معه لقاء حصولهم على بعض المكتسبات والإمتيازات تخولهم حرية التنقل والعمل داخل البلاد وخارجها، ويطلق عل هذه الطبقة لقب ال V I P.
يصف لنا الكاتب عملية نقل الأسير من لحظة إعتقاله لحين وصوله إلى السجن بالموكب الجنائزي حيث الجنازة مصفحة بالحديد، صمّاء لا تعرف سوى لغة القهر ودقّ الالم في ضلوع الأسرى. كما يشير في أكثر من موضع إلى الإعتقال التعسفي الذي يمارس تحت مسمّى “الإعتقال الإداري” الذي يخول الإحتلال عدم فتح ملف الأسير قبل مرور خمسة سنوات على الإعتقال.كما يشير إلى التمييز العنصري الذي يعتنقه المحتل فمثلا وفي قصة تحقيق في فيلا مع الأسير أبو محمد يجري الحديث عن العدالة الإنتقائية التي يمارسها المحتل يقول أبو محمد: ” لم نسمع يومًا محاكمة لإسرائيلي قتل فلسطيني وإذا تمت المحاكمة تكون أقصى العقوبة حرمانه من الإجازات لمدة أسابيع أو شهور على الأكثر.
لم يشأ الكاتب إنهاء مؤلفه هذا دون التطرق ولو لمامًا للوضع السياسي وعملية السلام المزعوم، يقول الأسير أبو محمد في حواره مع المحقق “أتريد سلامًا يقوم على إعادة الحقوق لأصحابها أم سلامًا يكرس الإحتلال والظلم والطغيان؟”. وكذلك يحاور الأسير محمود جابرالمحقق قائلا له:” هل أنتم مستعدون للإعتراف بحق اللاجئين وعودتهم إلى ديارهم وأن تكون القدس عاصمة لفلسطين؟”.
كما كانت اوسلو بتداعياتها حاضرة في هذا الحوار بقول أبو محمد:” لقد تم التنازل حسب أوسلو عن ثلاثة ارباع فلسطين وبقيتم تحاولون سلبنا الربع الذي تبقى لنا.
ختاما وبعد كل هذه الحكايات وكما بدأ الكاتب كتابه هذا بالتحذيرمن مغبة الركون لألاعيب العدو وخزعبلاته ينهي كتابه بخلاصة مفادها أنّ منسوب الوعيّ والحذر الواجب إعتماده من قبل الشباب الفلسطيني لا يزال متوضعا ولذلك يختم بالقول: “أن الإحتلال يصر على ذات الاساليب وكثير ممن وقع في شباكه يصر على ذات الأخطاء”.
إشارة أخيرة حول تسمية الكتاب “وهكذا أصبح جاسوسا” قد يجده بعض القراء غير منسجم كثيرا مع محتوياته ولو قدر لي اختيار العنوان البديل لإخترت على سبيل المثال “وكرالعصافير او السنافر”.