مقال

أسد الإسلام.. أحمد ديدات

شيرين أبوخيشه | القاهرة
اشهر مقولات الشيخ أحمد ديدات رحمه الله. “أيها العرب. . . إنهم يريدونكم أنتم بالذات! فأنتم الهدف الأول لحملات التنصير العالمية، أيها العرب، أقولها لكم بكل وضوح. . . أنتم التحدي القادم قصه العالم الجليل. بدأت بليلة عاصفة رجع فيها كل الموظفون إلى بيوتهم ولم يبقَ في المصنع إلا شابٌ فقيرٌ لوحده، فهو من جهة لا يملك أن يترك المصنع قبل أن ينجز عمله، ومن جهة أخرى لم يكن ذلك الشاب المسكين يملك بيتًا أصلًا لكي يرجع إليه! لذلك أخذ ذلك الشاب شمعة صغيرة لكي يذهب بها إلى مخزنٍ مهجورٍ تابعٍ للشركة التي كان يعمل بها، فقد طلب منه رئيسه في العمل أن يرتب البضائع المتراكمة في ذلك المخزن القديم قبل أن يخلد إلى النوم، فبذلك فقط يتسنى له الحصول على قوت يومه الذي يسد به رمقه فنزل ذلك الشاب الفقير إلى جنبات المستودع المظلم، وهزيم الرعد يزمجر أرجاء المستودع المهجور من حوله ليتردد صدى الصوت في أرجاء الغرفة المظلمة، فيضفي ذلك جوًا من الرعب في أرجاء ذلك المكان المرعب من الأساس، فأخذ الشاب الفقير يرتب البضائع القديمة لوحده، وسحابة من الغبار تنطلق من بين ثنايا البضائع المهملة لتملأ أرجاء الغرفة المهجورة، ليضطر أن يحمل شمعته بيده ليفتح نافذة صغيرة موجودة في أعلى الغرفة قبل أن يختنق من الغبار الذي كاد أن يقتله، وما إن استطاع من فتح النافذة، حتى دفعته الرياح العاصفة من الخارج بقوة أسقطت جسمه النحيل أرضًا، لينطفأ بذلك وميض الشمعة الخافت الذي كان ينير له زوايا الغرفة المظلمة، فيضطر بعدها أن يعمل وحده في الظلام الدامس منتظرًا ضوء البرق المنعكس بين الفينة والأخرى من نافذة ذلك المستودع المهجور ليستدل من خلاله على موضعٍ جديدٍ يرتبه في ذلك المخزن المهجور.
وانتصف الليل والعاصفة في الخارج تزداد شدة وهيجانًا، وصاحبنا ما زال يعمل كالأعمى يتحسس البضائع الملقاة في تلك الغرفة الموحشة، وكأن مدير المصنع تذكر هذا المخزن المهجور بعد سنينٍ طويلة من إقفاله، ليستغل حاجة هذا الشاب المعدم للمال في تنظيفه تلك الغرفة. وعندما أوشك الشاب المسكين على الوقوع أرضًا من شدة الجوع والتعب، حدث شيءٌ غريب!! فلقد ارتطمت قدماه بجسمٍ مجهولٍ على الأرض، فرفعه بيديه ليكتشف أنه كتابٌ ملقى في ثنايا الصناديق المهملة، فحاول عبثًا أن يقرأ عنوان ذلك الكتاب مستعينًا بضوء البرق المنعكس على الغرفة، ولكن دون جدوى، فلم يكن وميض البرق الخافت كافيًا لكي يميز من خلاله الحروف المنقوشة على الغلاف المتهالك لذلك الكتاب القديم، ولكن فضول الشاب وشغفه الشديد بالقراءة دفعه إلى يحمل الكتاب ويذهب به إلى تلك النافذة التي طرحته أرضًا من قبل، ليقاوم بجسمه النحيل قوة الرياح المندفعة من خلالها، منتظرًا ظهور البرق في سماء تلك الليلة الليلاء، علَّه يستطيع بذلك قراءة عنوان الكتاب، وبعد طول انتظار سقط نصلٌ لامعٌ من البرق وكأنه سهمٌ انطلق من قوسٍ في علياء السماء، ليستقر على ذلك الكتاب بالتحديد، لتصبح الحروف المنقوشة على غلافه وكأنها حروفٍ من نور انعكست في عيني ذلك الشاب، فلقد ظهر للشاب الفقير أن اسم ذلك الكتاب هو “إظهار الحق”! وهو نفسه الكتاب الذي سيغير من حياته رأسًا على عقب بعد قراءته، ليتحول بعدها ذلك الشاب المسكين المعدم الذي لا يملك قوت يومه، إلى بطلٍ عظيمٍ من عظماء أمة الإسلام، يملأ عبقه الآفاق ذكرًا وشهرة، ليغير بعد ذلك مجرى التاريخ الإنساني إلى الأبد، فلقد كانت هذه الليلة العاصفة وتلك الغرفة المظلمة بداية الانطلاق لأسطورةٍ إسلاميةٍ حيةٍ اسمها: الشيخ أحمد ديدات!
قبل ذلك بنحو قرنٍ ونصف من الزمان، وُلد مؤلف هذا الكتاب في الهند في غرة جمادى الأولى سنة ١٢٣٣ هـ الموافق التاسع من مارس سنة ١٨١٨ م، وهو الشيخ (محمد رحمت اللَّه )ابن خليل الرحمن ونسبه الأموي ينتهي إلى عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه عند الجد الرابع والثلاثين، فبعد أن احتلت بريطانيا الهند أيقن الإنجليز أنهم إذا تعرضوا لأية مشاكل في المستقبل فلن تأتي إلا من قبل المسلمين الهنود لأن المسلمين هم وحدهم الذين لا يسكتون على ضيم، بعكس الهندوس، فإنهم مستسلمون ولا خوف منهم. وعلى هذا الأساس خطط الإنجليز لتنصير المسلمين للبقاء في الهند لألف عام، وبدؤوا فعلًا في استقدام موجات المنصرين إلى الهند، هدفهم الأول في ذلك هو تنصير المسلمين الهنود بالتحديد، مستعينين بذلك بقسيسٍ فصيح اللسان اسمه (الأب فندر)، فكان هذا القس يتحرش بالمسلمين في الغداة والعشي يريد تنصير المسلمين بأي شكلٍ من الأشكال، فأخذ يكيل الاتهامات وينشر الشبهات في صفوف المسلمين، والمسلمون عاجزون عن الرد إما خوفًا من بطش الجنود الإنجليز أو جهلًا باللغة الإنجليزية، حتى ظهر هذا الصقر الأموي من على قمم الهملايا، فطلب مناظرة القس فندر علانية أمام الملأ، فتجمع عشرات الآلاف من الهنود المسلمين والهندوس في الساحة الرئيسية للعاصمة الهندية دهلي (دلهي) في أكبر مناظرة دينية عرفتها الهند، فظن القس النصراني أن الفرصة صارت مواتية له لتنصير عشرات الآلاف من المسلمين دفعة واحدة، فبدأ فندر المناظرة بكيل سيل من الاتهامات في شرف النبي وسمعته، ولما انتهى من كلامه تقدم الشيخ رحمت اللَّه العثماني الأموي أمام الملأ ليفند تلك الاتهامات واحدة بعد الأخرى، حتى إذا ما انتهى من تفنيدها بدأ مرحلة الهجوم الكاسح على القس، ليقرأ له من كتابه المقدس ما يثبت نبوة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- وبطلان ألوهية عيسى، لتعلوا صيحات اللَّه أكبر من عشرات الآلاف من الجمهور، والشيخ رحمت اللَّه يقرأ أسفار الكتاب المقدس سفرًا سفرًا لمدة ساعات من دون أن يتلعثم ولو في كلمة واحدة، حتى إذا ما فرغ من كلامه، تقدم مئات الهندوس من المستمعين ليعلنوا إسلامهم أمام القس الذي ولّى القهقرة، لينتصر رحمت اللَّه الأموي في مناظرته الشهيرة، وتنتشر أخبار هذه المناظرة في أرجاء الهند من دكا إلى كراتشي تحت اسم “المناظرة الكبرى”، قبل أن يُجبر الشيخ البطل رحمت اللَّه الأموي إلى الهروب متخفيًا إلى مكة بعد أن صار المطلوب رقم واحد للإمبراطورية البريطانية، فرصد الإنجليز ألف روبية لاعتقاله (مبلغ ضخم وقتها)، وهناك في مكة استقبله المسلمون أيّما استقبال بعد أن طارت أخبار المناظرة الكبرى إليهم، ليطلبه الخليفة العثماني (عبد العزيز خان) رحمه اللَّه شخصيًا لمقابلته في “إسطانبول” وذلك بعد أن وصلت أخبار المناظرة الكبرى إلى الباب العالي في عاصمة الخلافة، ليقابل رحمت اللَّه الأموي خليفة المسلمين هناك، ويقص عليه قصة المناظرة الكبرى، ليفرح به الخليفة ويطلب منه أن يدون أحداث تلك المناظرة الكبرى في كتاب بتمويل من الخليفة نفسه حتى يستفيد منه المسلمون في سائر أرجاء الخلافة الإسلامية، وفي كل الأزمنة، ليدون الشيخ محمد رحمت اللَّه الكيرانوي العثماني الأموي الهندي ثم المكي هذه الأحداث في كتابٍ أسماه “إظهار الحق”، ليشاء اللَّه لبطلنا أحمد ديدات أن يجد نسخة نادرة منه بعد ذلك بمائة عام، ليكون هذا الكتاب العظيم أحد أسباب فتح آفاق الشيخ ديدات للرد على شبهات النصارى، وبداية لمنهج حواري علمي مع أهل الكتاب، وتأصيل ذلك تأصيلًا شرعيًا يوافق المنهج القرآني في دعوة أهل الكتاب بالتي هي أحسن إلى الحوار وطلب البرهان والحجة من كتبهم المحرفة، ليتحول ديدات من خلاله إلى المناظر الأول للنصارى في تاريخ أمة محمد عبر جميع مراحل التاريخ الإسلامي!
وقد يعجب البعض حين يعلم أن النصارى أنفسهم هم الذين صنعوا هذا العملاق الإسلامي! فقد كان الشيخ أحمد ديدات مجرد صبي فقير لا يعرف في الإسلام غير “الشهادة” على حد قوله، ففي أربعينات القرن الماضي كان المنصرون في مدينة “ديربن” في جنوب أفريقيا يمرون عليه في دكان الملح الذي كان يعمل به ليوجّهوا له أسألة استفزازية من قبيل: “يا هذا هل تعلم أن نبيك محمد سرق قرآنه من التوراة والإنجيل؟ يا هذا هل تعلم أن نبيك محمد كانت له نساء كثيرات؟ هل تعلم أن نبيك نشر دينه بحد السيف؟ ” والحقيقة أن أحمد ديدات لم يكن يعرف ماذا يريد أولئك المنصرون بالضبط، فهو بالكاد يعرف أن اسم نبيه هو محمد، فضلًا من أن يعرف عدد زوجاته! ولكن ذلك الصبي الفقير لم يكن يحتاج إلى كثيرٍ من الذكاء ليستنتج أن هناك نبرة استهزاء وعنصرية في كلام أولئك المنصرين، ففهم أن سبب عجزه عن الإجابة ينبع من جهله، فقام بتنفيذ أول أمرٍ إلهي للمسلمين “اقرأ”!، فقد أدرك هذه الصبي الجنوب أفريقي الذي هاجر مع أبيه إلى الهند بعد أن ماتت أمه أنه بالقراءة فقط يمكن له أن يصبح قويًا، فصار يقرأ كلَّ شيء يجده أمامة، فلا يترك صحيفة ملقاة، أو كتابٍ مهمل، أو إعلانٍ دعائي إلا وقرأه، ثم اتجه إلى مكتبة المدينة، فصار يقرأ فيها كل شيء، يلتهم الكتب التهامًا، يقرأ عن أشياءٍ يعرف معناها وأشياءٍ لم يسمع بها البتة، فقرأ في التاريخ والأدب والفيزياء والهندسة واللغات وكل ما يخطر على بال إنسان، ثم قرأ عن المسيحية: كتبها – تاريخها – فلسفتها – تفاسيرها، كل شيء من دون استثناء، حتى جاء وقت على الشاب أحمد ديدات لم يجد به كتابًا يقرأه في مكتبة ديربن بعد أن قرأ كل الكتب والمجلات والوثائق الموجودة في المكتبة! فأصبح ذلك الشاب القارئ يمتلك حصيلة لغوية وموسوعة معرفية واضطلاع ثقافي واسع، وعندما انتهى الشاب أحمد ديدات من مرحلة بناء الشخصية، بدأ ديدات مرحلة الهجوم المضاد، فصار ينتظر أولئك المنصرين انتظارًا في دكان الملح الذي كان يعمل به أجيرًا، ليرد على أسألتهم، فيفحمهم بإجاباته، ثم يلقي الكرة في ملعبهم، مستعينًا بما يحفظه من كتبهم، فقد حفظ الشيخ الأناجيل الأربعة “لوقا – يوحنا – مرقص – متّى” عن ظهر قلب، بعد أن حفظ القرآن بأرقام آياته وسوره، ليتحول هذا الشاب الفقير بفضل أولئك الحمقى إلى ماردٍ إسلامي ضخم، فامتنع القساوسة من المجيئ للدكان بعدما رأوا ما رأوه منه. المضحك في القصة، أن أحمد ديدات صار ينتظر يوم عطلته الإسبوعية انتظارًا ليتوجه بنفسه إلى كنائسهم يبحث عنهم ليناظرهم! وبعد أن عثر شيخنا على كتاب “إظهار الحق” للعلامة (رحمت اللَّه الأموي) في القصة التي ذكرناها سابقًا، أصبح الشيخ أحمد ديدات أهم مناظر إسلامي على وجه الكرة الأرضية، ليجوب القارات الخمس مناظرًا للنصارى وداعية للإسلام، عندها قرر المنصرون أن يرموه بأعظم منصر في العالم، وهو المنصر الأمريكي (جيمي سويغارت)، فاستخدم ذلك المنصر الخدعة المستهلكة في الطعن في شرف النبي، فناظره الشيخ أحمد ديدات في عقر داره في “الولايات المتحدة”، ليقضي عليه بالضربة القاضية وينتصر عليه في المناظرة. (قبض على سويغارت عام ١٩٨٨ وهو يمارس الجنس مع مومس محترفة في سيارته!)، ليحاول عبّاد الصليب محاولة أخيرة مع الشيخ ديدات، فبعثوا إليه بأكبر منصر عربي، هو المنصر ذو أصول فلسطنيه (أنيس شروش)، فلقنه بطلنا درسًا في فنون اللغة العربية وانتصر عليه. (قبض على شروش عام ٢٠٠٨ في ولاية ألاباما الأمريكية وهو يحاول حرق وثائق تثبت اختلاسه لأموال الكنيسة متخفيًا بزي عربي لإيهام السلطات بأن الفاعل إرهابي عربي مسلم قبل أن يُكتشف أمره ويوضع في غياب السجون مع المجرمين من أمثاله). فقام الشيخ الجليل بتسجيل هذه المناظرات وغيرها على أشرطة فيديو، لتنتشر هذه الأشرطة في العلام الإسلامي من أندونيسيا إلى السنغال. وفي إبريل عام ١٩٩٦ أصيب الشيخ ديدات بجلطة في الدماغ، فنصحه الأطباء بالراحة، إلا أن ذلك الأسد المخضرم رفض الاستماع لنصائح الأطباء، فسافر إلى أستراليا لعرض الإسلام على الشعب الأسترالي، فتحدى هناك عددًا من المنصرين الأستراليين الذين أساءوا للإسلام، وكان لا يناظر ولا يبادر إلا المنصرين الذين يتعدون على الإسلام، فيستدعيهم الشيخ للمناظرات ويرد عليهم بالحجة والبرهان، وعلى الرغم من مرضه وكبر سنه الذي قارب من الثمانين، طاف الشيخ ديدات ولايات أستراليا محاضرًا ومناظرًا ومدافعًا عن دين محمد بن عبد اللَّه عليه الصلاة والسلام، غير آبهٍ بنصائح الأطباء، حتى وقع الشيخ أرضًا من شدة الإرهاق والتعب، فأصيب بجلطة في الدماغ، فأصبح داعيتنا البطل طريح الفراش لا يستطيع أن يحرك إلا عينيه، ولكنه رغم ذلك لم ييأس، فقد استخدم لوحة ضوئية يختار منها بعينيه حروف الكلمات التي يريد التعبير بها، ليستمر هذا الأسد الإسلامي في مسيرة العلم التي بدأها صغيرًا يوم كان يعمل في دكان الملح، ويوم كان يذهب خلسة إلى مكتبة ديربن، ويبقى على تلك الحالة الثابتة مدة تسع سنوات يعلم تلاميذه بنظرات عينيه. وفي صباح يوم الاثنين الثامن من أغسطس ٢٠٠٥ م الموافق الثالث من رجب ١٤٢٦ هـ فقدت الأمة الإسلامية الداعية الإسلامي الكبير، أسد جنوب أفريقيا الإسلامي، الشيخ المجاهد أحمد ديدات، فعليه من اللَّه جزيل الرحمات، وواسع المغفرة والكرامات.
ولكن لماذا يحمل الصليبيون كل هذا الحقد على الإسلام؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى