محمد الواضح| أكاديمي – العراق – بغداد
في فضاء الاختلاف بالرأي الباعث على التنمية والتحديث والنقد الفارق لا الخلاف والتشاتم والتسقيط، تلتبس الرؤية بنحو لافت لدرجة أن تختلط المحتويات المعروضة في واقع الميديا ويغيب الفيصل في تحديد القيمة.
الميديا ذلك الفضاء المفتوح على عالم مشتبك من الجودة والرداءة والاستسهال في العرض. بات كل ما يعرض فيه من إثارة أو اختلاف متهمًا (بالطشَّة) المصطلح الأكثر رواجا، واستعمالا في مختلف المجالات السياسية والمجتمعية والثقافيةو…واللافت أن لفظة (الطشة) أخذت من مدلولها المعجمي ما غايرَ وزادَ عن مفهومها الرائج: فتُجمِع المعجماتُ على أنَّ الطشَّ: هو المطر الخفيف، أو هو أول المطر، وايّد اللغوي ابنُ فارس في مقاييسِهِ هذا المعنى، وجوّز الاتساع: (الطاء و الشين أُصل يدلُّ على قِلّة فى مطَر، ويجوز أن يستعار فى غيره أصلاً) فصارت المصاديقُ المستعارةُ محكومةً بطبيعةِ المعروض ومادته ومحتواه، كأن يكون صورة لافتة، لفظًا مستقبحًا، عرضًا جسديًٍا، ضربًا بالثوابت، مادةً فيديوية وهكذا.
وقد لا ينطلي على القارئ او المطلع اللبيب بُعدَ المعروض وغاياتِهِ، لكنّ ما يُسجل خطورةً وحذرًا توظيف المصطلح ودَرْجه ضمن الأحكام الجاهزة والظنِّية والذاتية والإسقاطية على وفق منظور عقلي يكاد يكون جمعيًّا، وهذا يكشف عن مرض ثقافي ذاتي شائع ومتنامٍ؛ فضلا عن انحدار دلالي خطير في التوصيف؛ بفعل شهوة الانبهار وضمانة الوصول السهل، والانتشار، وإعادة تصدير بعض الواجهات المهشمة الى المشهد.
فبدلا من التلاقي والتواصل المحكوم بالأخلاق والثقة، صرنا مسكونين بدافع رغبة البروز، البروز غير المستحق الذي يحقق أكبر قدر من الجدل التسقيطي، غير المبني على الوثاقة والتحقق. هذه المقالة هي دعوة لتهدئة الذات وترشيد الخطاب لمن يمتلك سلطة كبح الذات في ظل غياب الضوابط وصعوبة تحديدها لكون هذا الأمر موكولا للنيات البشرية وحتى لايغيب عن الناس في هذا العالم المترامي الاطراف فارق المعنى والإضافة والتأثير الحقيقي الفاعل لما يعرض.
فتبينوا – معاشر المثقفين – قبل أن تقعوا في دائرة (الطشة).