الموهبة وأثرها فى تشكيل النص الشعرى
إعداد: د. محمد عبدالعظيم حبيب
الموهبة هى الأساس فى تشكيل النص الشعرىّ، فإذا تناولنا الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلىّ ـ على سبيل المثال ـ نجد أن لغتهم أقرب إلى فطرة اللغة العربية وأصدق تمثيلا لها من سائر الشعراء الجاهليين؛ لأنها صادرة من منابعها الأولى قبلأن توثر فيها تلك التيارات الاجتماعية وغير الاجتماعية.
والموهبة عند الشعراء الصعاليكهىالتى دفعتهم إلى إبداعات أدبية وفنية جديدة فى موضوعات وأساليب الشعر فى محاولة لتحدى المجتمع الذى تنكر لهم فنيا. ولذا قد أصبح شعرهم يبدو صورة وطريقة فى الشعر الجاهلى، بل فى الشعر العربى كله على امتداد عصوره واختلاف بيئاته. وما كان لهم أن يخرجوا تلك المذاهب الفنية الجديدة إلا بالموهبة والفطرة التى يمتلكونها.
وهذا ذو الرمة الشاعر الموهوب الذى استمد بفطرته بداوة لغته وبداوة واقعه؛ فاستطاع بموهبتهأن يخضع معجمه الصحراوىّ إلى شعر ينساب على لسانهفى روعة وجمال.
والشعر يحتاج إلى الصنعة بجانب الموهبة، وهى ـ فى حد ذاتها ـ جميلة، وتبدو ـ فى بعض الأحيان ـ قادرة على نقل الإحساس إلى العبارة، ولكنها لا تكفى وحدها أيضا لإقامة بناء فنىّ متكامل؛ لأن قدرتها على نقل الإحساس وإثارة الانفعال محدودة الطاقة من ناحية ومحدودة النطاق من ناحية أخرى .
ولست أنكر أن فى أعماق كل شاعر جانبا من العبقرية تتفاوت حظوظ الشعراء منه، وهو جانب حاول القدماء أن يفسروه عن طريق الربط بين الشعر وبين قوى مجهولة، تمثلها الإغريق فى صورة آلهة وربات، وتمثلها العرب فى صورة جن وشياطين، وأعتقد أنه يجب أن يكون للشعر جانب من الصنعة حتى يستقيم للشاعر عمله الفنى، وتتم له السيطرة على أدوات فنه ، وتتحقق له تلك الصورة الخاصة من صور التعبير التى تحتاج مع الموهبة إلى كثير من الجهد والأناة.
فالموهبة والصنعة كلاهما أساس لبناء النص الشعرىّ؛ فقد سميت مرحلة عصر البسوس بمرحلة الطبع، فالشاعر كان يمارس عمله بغير عناء معتمدا على موهبته ، وسميت مرحلة عصر داحس والغبراء بمرحلة الصنعة،فالشاعر كان يعانى و يتحمل المشاق والجهد من أجل إنضاج القصيدة.
فالصنعة قد تنبه إليها النقاد والشعراء القدماء، وتحدثواعنها حين راحوا يصورون ما يبذلونه من جهد وعناء فى صناعة شعرهم حتى تستقيم لهم متونه وتسلس لهم قوافيه مثلما فعل زهير بن أبى سلمى وأضرابه الذين سموا بعبيد الشعر. فالعمل الفنى– في رأيى ـ قسيم بين الموهبة والصنعة ، فكلاهما ضرورة لإخراج عمل شعرى خالد.