حوار

الدكتور ناجي الفتلاوي: أدعو إلى بطولة المحتوى لا بطولة الصورة !

الفتلاوي يرى أنَّ الحضارة لا تبنى ولا تختصر بالتغريدات

عالم الثقافة| خاص – علي جبار عطية
تصوير: صالح البهادلي

     حذر الباحث الدكتور ناجي الفتلاوي من أخطار مواقع التواصل الاجتماعي وآثارها المدمرة في ضرب سلم الأولويات، وإنحلال الضابطية، والعزلة، والقضاء على القراءة داعيًا إلى إغلاق عدد من المواقع الإلكترونية أو الصيام عنها مدةً معينةً لتتوفر للمرء فرصة العودة إلى القراءة النوعية الواعية عادًا القراءة هي المتكأ، وهي التي تصنع الحضارة لا التغريدات !


جاء ذلك في محاضرةٍ ثريةٍ في دار المأمون للترجمة والنشر ببغداد بمناسبة اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف قدمته المترجمة زينب عبد اللطيف، وبإشراف المدير العام لدار المأمون للترجمة والنشر الأستاذة المترجمة إشراق عبد العادل، وعدد من المهتمين .
تحدث الفتلاوي عن أهمية القراءة،ووصفها بأنَّها: فعل تمرد ومقاومة ينتقل بالإنسان من حالة عدم المعرفة إلى المعرفة الكلية، ومن مستوى إلى آخر، بما تحمله من بعد تثقيفي يجعل الفرد على دراية بما يدور من حوله.
يقول الباحث:إنَّ القرآن الكريم بدأ أول نزوله بكلمة (اقرأ) يعني يوصي نبيه بالقراءة، ومن لا يقرأ فقد خذل النبي صلى الله عليه وآله، وخالف الله عز وجل.
القراءة مرتبطة بالحضارة لكن ليس  المقصود بالقراءة القراءة الببغاوية التي لا يمكن أن تنتج.
يقول أفلاطون: (العقل لا يتغذى بالمكرور) يقول الإمام علي عليه السلام:(اعقلوا القول إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية فإنَّ رواة العلم كثير ورعاته قليل).
هذا التدبر هو الذي يوصلك إلى الهدف .

كتب غيرت مسيرة البشرية

وتابع: هناك الكثير من الكتب التي غيَّرت مسيرة البشرية، والقرآن الكريم أحد هذه الكتب التي حولت بؤره الحضارة من الشعر إلى الوحي وإلى منظومة سلوكية متكاملة.
ولو سألت أي شخص عن الكتاب الذي أثر فيه سيقول لك: إنَّه الكتاب الفلاني أثر فيَّ مثلاً كتاب (تهافت التهافت) لابن رشد امتد تأثيره إلى أوروبا قاطبة حتى قيل: الأوروبيون الرشديون والعبريون الرشديون وقد رد فيه على الغزالي في كتابه (تهافت الفلاسفة).
جورج طرابيشي قرأ كتاب (نقد العقد العقل العربي) لمحمد عابد الجابري، وقال عنه : إنَّه قبل قراءته يختلف عما بعده.
ما المقصود بالقراءة؟
إنَّها القراءة النوعية التي تنقلك من مستوى إلى مستوى آخر، وتجعل الماضي والحاضر والمستقبل موجودًا.
القراءة الحقيقية هي القراءة النوعية التي توصلك إلى الإبداع. وتزور عوالم، وتكتشف ذاتك.
إنَّ القراءة تجعلك في تفاعل حي، في ما تسرق المطالعة الوقت من دون نتاج حقيقي، وهذا ما تمثله القراءة على مواقع التواصل الاجتماعي.
يقول المتنبي :
وخير مكان في الدنيا سرج سابح
وخير جليس في الزمان كتاب يتحدث المتنبي عن منحىً تربوي وحضاري .
لماذا يخاف الطغاة من الكتاب؟
الميديون أحرقوا مكتبه آشور.
يوليوس قيصر أحرق مكتبة الإسكندرية كذلك في سقوط بغداد هناك الكثير من الكتب التي أحرقت.
(أدر بوصلة الاهتمام، انشر وعيًا زائفًا): هكذا يشخص الفيلسوف الكندي ألان دونو في كتابه (نظام التفاهة) الواقع الجديد فالهواتف الذكية تنتج عقولاً غبيةً.
ما الفرق بين القراءة المطالعة؟
يؤسس الفتلاوي لقاعدة هي: كل قراءة لا ينتج عنها تفاعل هي مطالعة وإذا وجد السؤال وجدت المعرفة. والفيلسوف هو رجل التساؤل.
القراءة شيء والتصفح شيء آخر فهو  يسرق الوقت، ويفقدك الهدف الأهم.
كيف نقرأ وكيف ننتفع بما نقرأ؟
توجد إحصائية لمؤسسة الفكر العربي في دبي صدرت سنة ٢٠١١ في دبي تذكر أنَّ الأوروبي يقرا ٢٠٠ ساعة في السنه أما العربي فيقرأ ست دقائق.
الأمريكي يقرأ ١١ كتاباً في السنة، والعربي يقرأ ربع صفحة !
المقصود هنا هي القراءة النوعية.
في تصنيف الكتب فإنَّ عدد صفحات الكتيب ٤٩ صفحة فما دون أما الكتاب فعدد صفحاته خمسون صفحة فما فوق.
توجد قاعدة تقول : على المرء أن يقرأ في كل شهر كتابين : كتاب في تخصصه، وكتاب آخر.
إذا قرأت أحدث ثلاثة كتب في تخصصك فإنك تدخل في قائمة أفضل خمسة بالمئة من الشخصيات في العالم.
أنواع القراءة :
يقول الباحث : صنفت أو قسمت القراءة إلى خمسة أنواع:
الأولى : قراءة التعلم الأولى.
الثانية : قراءة التعلم وهي قراءة الأساسيات كقراءة المداخل الى السياسة والدين وكتب السيرة النبوية.
الثالثة : قراءة الضرورات البحثية
الرابعة : القراءة التطويرية، وهي القراءة المختصة بتطوير المهارات كاللغة، كلغة الجسد وغيرها.
الخامسة : القراءة الترفيهية، وهي قراءة المتعة الذهنية.
توجد أنواع أخرى مثل (القراءة الآمنة)، و(القراءة الخطرة)، و(القراءة السطحية).
إذا لم تكن هناك منهجية في القراءة فستتولد ثقافة أفقية سطحية لا ثقافة عمودية.
ما مواصفات المثقفين السطحيين؟ المثقفون السطحيون يتصفون بأنَّ عندهم معلومات، ولا توجد عندهم قدرة على التحليل، وهم يجادلون !
في رواية (الحارس في حقل الشوفان) يصف سالنجر شخصًا وصفًا دقيقًا..
يقول :  (إنَّه جاهل كثير القراءة).
خمسة تمييزات للقراءة النوعية :
يشير الباحث إلى أنَّ القراءة النوعية تجعلنا نمسك بخمسة تمييزات :
الأول :  التمييز بين الغرق في الواقع  وفقه الواقع.
الثاني :  التمييز بين المتابعة المتفرجة للحدث والمتابعة المنتجة.
الثالث : التمييز بين القراءة في زمن التحصيل وزمن الإنتاج.
الرابع : التمييز بين توظيف الآلة والارتهان للآلة.
الخامس : التمييز بين تفكير الأذهان وتفكير الآذان  كما يقول المفكر المصري عبد الوهاب المسيري.
إنَّ المواقع افتراضية أو القبائل الافتراضية  كسرت حاجزين:كسرت القيم الجمعية وكسرت النزعة العقلانية. فيكون هناك جو من التحشيد دون تحكيم العقل وكما يقال تعجبك زهرة اللوز ولكن حين تلمسها تتلاشى.
وهناك من يُسمون بالبدو التكنولوجيين والبدوي التكنولوجي غير متواجد في حقول الانتاج إنَّما هو متواجد في حقول التسوق والتبضع.
(مصطلح “القبائل الافتراضية” أو ما يُعرف أحيانًا بـ”القبائل الرقمية” تمت صياغته بشكل واسع على يد عالم الاجتماع الفرنسي ميشيل مافيسولي في كتابه؛”الزمن القبلي: نهاية الفردية” /١٩٨٨  تحدث مافيسولي عن تحوّل المجتمعات الحديثة إلى ما يشبه “القبائل” الصغيرة المتناثرة، لكن بروابط رمزية وعاطفية، بدلًا من الروابط المؤسسية الكلاسيكية. وقد تم لاحقًا إسقاط هذه الفكرة على الفضاء الرقمي، حيث تتشكل “قبائل” عبر الإنترنت حول اهتمامات أو هويات مشتركة، حتى وإن لم يكن الأفراد يعرفون بعضهم شخصيًا).
كيف سرقت مواقع التواصل لذة القراءة؟ لقد قللت الشهية العلمية ولم توجد لنا شوقًا لقراءة المطولات فالعالم الموازي أو القبائل الافتراضية أزاح المطولات،واختصر العالم بتغريدة، والحضارة لا تختصر ولا تختزل بالتغريدات !
الحضارات ارتبطت دوماً بفعل القراءة، إذ لا يمكن أن تقوم حضارة من دون قراءة.
إنَّ العالم الموازي  أوجد أنماطًا من السطحية ومارس ضغطًا على كل جانب وسيشكل خطرًا على العالم.
حسب الاحصائيات فإنَّ ٧٢ بالمئة من الناس يتفقدون هواتفهم بعد الاستيقاظ مباشرة وأنَّ ثمانين بالمئة يتفقدون هواتفهم بعد ربع ساعة.
إنَّ الإدمان على مواقع التواصل صار بديلًا عن القراءة وهو مؤامرة كبرى فهناك علاقة بين الإدمان والأرباح فهم يصنعون ميولًا، وحشدًا إنسانيًا فيكون المتابع فريسة الميول، فضلًا عن أنَّ تصفح المواقع يجعل المرء ينتقل من جحر لجحر كجحر الأرنب من دون نتيجة بل أن تخمة المعلومات تجعل من الصعب الوصول الى المعلومة الصحيحة، ومن المشكلات ما تسمى بالنرجسية الرقمية وهي أنَّ المرء يحب أن يتحدث لا أن يستمع وأنَّ هناك تمجيدًا لبطولة الصورة وبطولة المرأة الموديل على حساب بطولة المحتوى !
كيف نساعد أنفسنا؟
ثمة حلول متاحة منها أنَّ علينا أن نغلق عددًا كبيرًا من التطبيقات لتتاح لنا فرصة للقراءة كذلك يمكن إغلاق مواقع التواصل الاجتماعي لمدة معينة تسمى بالصيام عن مواقع التواصل !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى