حوار

هل تسير لغة الضاد نحو الاندثار ؟

عليّ جبّار عطيّة

الباحث سعيد الغانمي يدق ناقوس الخطر في دار المأمون ويدعو إلى إيجاد لغة معيارية جديدة للغة العربية تتوافق مع لغة العصر.


دعا الكاتب والباحث والمترجم سعيد الغانمي إلى إيجاد لغة معيارية جديدة للغة العربية تتوافق مع لغة العصر محذراً من تعرض اللغة العربية التي يتكلم بها نحو ٤٢٠ مليون نسمة إلى الاندثار كما اندثرت الكثير من اللغات عبر التاريخ، ففي أستراليا مثلاً اندثرت مئتا لغة من مجموع أربع مئة لغة كانت متداولة خلال نصف قرن! مشيراً إلى مسألة جديرة بالبحث هي أنَّ الوعد الإلهي تعهد بحفظ القرآن الكريم لا بحفظ اللغة العربية!
لافتاً إلى أنَّ الاحتفاء باللغة العربية التي صارت لغةً دينيةً لم يتجاوز كونه احتفاءً بيانياً خطابياً يبرز الجوانب الإيجابية، ويغفل الجوانب السلبية التي يجب تشخيصها، بينما ظهرت مع تطور العصر الحاجة إلى تجديد أطر اللغة.


جاء ذلك خلال محاضرةٍ له عنوانها (اللغة العربية ومشكلات العصر) أقيمت في دار المأمون للترجمة والنشر ضحى الخميس الموافق للثاني والعشرين من شهر كانون الأول الجاري تزامناً مع الاحتفال بيوم اللغة العربية الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثامن عشر من شهر كانون الأول لعام ١٩٧٣م المعني بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية، ولغات العمل في الأمم المتحدة وأدارت الندوة المترجمة زينب عبد اللطيف، واستمرت أكثر من ساعتين.
والباحث سعيد الغانمي غني عن التعريف لكن من نافلة القول أن نذكر أنَّه من مواليد سنة ١٩٥٨م ، حاصل على البكالوريوس في قسم الترجمة/ كلية الآداب /جامعة الموصل، وقد تخصص في علم اللغة (الألسنية)، وحصل على جائزة الشيخ زايد للكتاب عام ٢٠١٧م في فرع الفنون والدراسات النقدية عن كتابه (فاعلية الخيال الأدبي).

له أكثر من ٦٠ كتاباً بين مؤلَّف ومترجَم منها:(الكنز والتأويل)/ (١٩٩٤)، و(ملحمة الحدود القصوى)(٢٠٠٠)،و(ينابيع اللغة الأولى) (٢٠٠٩)، و(حراثة المفاهيم)(٢٠١٠)،.و(فاعليَّة الخيال الأدبي)(٢٠١٥). ويقيم حالياً في أستراليا.
حدد الغانمي محاور محاضرته بثلاث مشكلات تواجه اللغة العربية وهي المعيارية، وتجديد البلاغة، والعربية وتأثير وسائل الاتصال الحديثة.
وأكد ضرورة أن تسعى النخب إلى إيجاد لغة معيارية جديدة بمواجهة اللغة السائدة في الوقت الراهن بين الناس خلال استخدامهم التقنيات الحديثة .
وقال: إنَّ مهمة النخبة المثقفة حماية اللغة العربية من المتغيرات العاصفة في العالم التي تهدد صفتها الأصيلة على حساب اللهجات المحلية المتنوعة والمختلفة.
وأضاف: إنَّ اللغة لا تفلح إنْ وصلت إلى المتعلم بالطريقة التوجيهية، فالقانون اللغوي الأول هو أنَّ الانسان يتكلم من دون تفكير، فكل لغات العالم هي نظام من الرموز يتواطىء عليها المجتمع تلقائياً.
وتابع: إنَّ من أهم تحديات العصر الحالية بالنسبة للعربية هو توثيق اتصالها مع الآخر بصفتها لغة حية مشيراً إلى الموازنة بين الاستخدام المعياري الدقيق والتلقائية اليومية الضامنة للتداول.
ومن قواعد اللغة استخدامها غير الواعي والتلقائي، عبر توليد الجمل والمفردات من دون تفكير مسبق. ‏
وبيَّن الغانمي: أنَّ لكل تواصل قوانين معينة، ومنذ من أقدم العصور كانت هناك ازدواجية للغة فكانت هناك ازدواجية في اللغة السومرية والبابلية ولكن اللغة الأكدية الأولى هي لغة الأدب، واللغة البابلية المعيارية كانت هي الوسيط الثقافي على امتداد العصور، وفي العصر الجاهلي كانت للغة العربية قوانين يتفاهم بها الأفراد لكنَّ إمارة الحيرة رسخت اللغة العربية، وتبنتها كلغة ثقافية معيارية للعرب، ثمَّ جرى ترسيخها كلغة أدبية.

لغة القرآن الكريم
وصحح الغانمي الرأي الذي يقول بأنَّ القرآن الكريم نزل بلغة قريش فقال :لقد نزل القرآن الكريم باللغة العربية المعيارية التي كانت تتبناها إمارة الحيرة والوعد الإلهي هو بحفظ القرآن الكريم لا بحفظ اللغة العربية !
وتابع: الإسلام عمم ونشر هذه اللغة المعيارية إلى البلاد التي دخلها، ووصلت إلى اليمن التي كانت خاضعة للحميريين الذين يتكلمون بلهجات أخرى، واستمرت هذه اللغة المعيارية على امتداد العصر الإسلامي وكانت اللغة حيةً منطوقةً تلقائياً لكنها انهارت بعد الاحتلال المغولي واختفت كلغة ثقافية.
في العصر الحديث ظهرت الحاجة إلى تجديد هذه اللغة فتصدت في مطلع القرن العشرين نخبة أدبية تزعمها طه حسين وخلقت هذه النخبة لغة معيارية، ولطه حسين فضل الريادة في هذه المسألة خاصة في سلسلة مقالاته في (حديث الأربعاء) عام ١٩٢٣م، وفي كتابه (التجديد والتقليد في اللغة).
إذن جيل طه حسين هو الذي رسخ اللغة المعيارية الجديدة، وجرى صقلها في الأوساط الثقافية،والصحف، وفي المدارس والجامعات، والإذاعة والتلفزيون، وعلى امتداد القرن العشرين. الآن بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي نحنُ بحاجة إلى لغة معيارية جديدة منوهاً إلى أن هذا الأمر يرتبط قطعاً بفاعلية التعليم، والبنية المعرفية وقوة الجانب الاقتصادي، والعامل الترجمي لكي تكون اللغة العربية لغة يعتد بها عالمياً.
ثمَّ تطرق إلى البلاغة فأوضح أنها لا توجد في اللغة العالية بل توجد في كل نص أدبي عامياً كان أو فصيحاً مستشهداً بما ذكره ابن خلدون في مقدمته الذي أشار إلى أنَّ البلاغة يمكن أن توجد في أي مستوىً لغوي.
وعرَّف الغانمي البلاغة بأنَّها حالة توتر بين الصوت والمعنى، وأنَّ هناك مسافة تسمح بنوع من التوتر بين دلالات السطوح ودلالات المعاني خلاف التصور الذي يرى بأنَّ البلاغة مقرونة بالإقناع والحجاج وهو تصور غير صحيح. التوتر هو اختلاف بين اللفظ والمعنى والبلاغة الحية هي تقصير المسافة بين لغة الشارع ولغة الثقافة.

الازدواجية اللغوية
بيَّن أنَّ هناك ازدواجية لغوية فالشارع لا يقبل اللغه الفصيحة، وعندما تذهب إلى صاحب دكان لا تخاطبه باللغة الرفيعة كذلك حين تكتب نصاً أدبياً توجد اشتراطات، وقواعد للكتابة، كما لابدَّ من تقريب الهوة الفاصلة بين اللغتين.
وتابع: إنَّ وسائل التواصل كلها تحاول ردم الفجوة بين لغة الشارع التلقائي الذي لا يحسب حساباً إلى قواعد النحو، ولغة الأدب . واللغة الحية يجب أن تردم الفجوة، ولابدَّ أن تكون تلقائية، وهذه هي مهمة وسائل التواصل والجامعات، والصحافة، والدور الأكبر في تقريب هذه المسافة هو للترجمة التي لا تقتصر على النقل إنما تجدد الاستعمال البلاغي في اللغة المنقول إليها لأنها تعطي للغة أفقاً جديداً، ومواقف جديدة.
مؤكداً أنَّ وظيفة النخبة أن تتوصل إلى نوع من المعيارية الجديدة كما تبنى ذلك طه حسين وعلينا أن نواجه وسائل الاتصال الحديثة بنوع من اللغة المعيارية الجديدة التي تستطيع أن توفق بين الاستخدام السائد والهوية اللغوية.

اللغة والكتابة
وأضاف: إنَّ دارسي اللغة يميزون بين اللغة التي هي عبارة عن تيارات صوتية (صوت منقول في الهواء)، والكتابة التي هي الصوت المنقول على الورق، ولكل منهما قوانينه الخاصة.
وضرب مثلين على نقل الأصوات برموز على الورق في تجربة تحويل الكتابة التركية إلى الرموز اللاتينية التي لم يُكتب لها النجاح في حين حافظت اللغة الصينية على الهوية الصينية بعلاماتها الصورية برغم أنَّها تتكون من عشرة آلاف كلمة لكنَّ الصينيين حافظوا عليها لأنَّ فيها وحدتهم وهويتهم، وهم يعتمدون على النظام الكتابي وليس على الصوت المنطوق.
وبشأن قصيدة النثر أشار إلى أنها حالياً يطغى عليها التعدد في المستويات والتداخل والاضطراب، وفي وسائل التواصل الحديثة لا يمكن أن يحضر سيبويه ولا الفراهيدي ولا قوانين الإيقاع أو العروض.
وعزا التعدد اللغوي إلى اختلاف المستويات التعليمية والزمنية والتباعد المكاني الذي يولد تنوعاً في اللهجات.
وأكد أنَّ اللغة القديمة حرصت على تقليص المسافة بين اللغة المستخدمة واللغة الأدبية الرفيعة، ويجب أن نتوصل إلى قوانين تحفظ للغة سؤددها ومكانتها وهويتها ، وأن تركز المناهج الدراسية على تعلم القواعد تلقائياً من خلال الاستعمال الصحيح للجمل لا تعلم القواعد النحوية فحسب مبيناً أنَّ اللغة شبكة قوانين، وأنَّ جملنا الخاصة تنتمي إلى الكلام لا إلى اللغة، وأنَّ أهم عنصر في استعمال اللغة هو التلقائية التي سمتها العرب البديهة أو الحال، وليس عن طريق التوجيه، و(قل ولا تقل) !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى