هواجس أسير.. لكفاح طافش ثورة في التعبير وبيان في التفصيل
إبراهيم جوهر | القدس
لم تأكل سنوات الاعتقال روحه فظلت متوهجة واعية عارفة مراميها وواقعها، فرصد ظواهر المعتقل وأضفى عليها من وعيه وحبر روحه المسؤول ما يقدّمها للقارئ ظاهرة إنسانية تستحق الدراسة والتحليل العميقين.
الأسير (كفاح طافش) يقدّم لقارئه في كتابه (هواجس أسير) مجموعة من الهواجس التي لا يدريها إلا من خبرها وعاش تفاصيلها. وهو يشير إلى هذا الجانب التضامني الذي يتذكر الأسير في المناسبات.. ثم يتوه في الانشغال بالطارئ اليومي ليظل الأسير في جمر معاناته الإنسانية وهي تلبس لبوس البطولة والخوارق وواجهات الإعلام التي تتناول سطح الفكرة وقشرتها الخارجية.
الكاتب هنا في هذه الهواجس التثقيفية الواعية يصدم قارئه، ويفاجئه. إنه يعمل على تأثيث واقع حقيقي طالما أشبع ببطولات خارقة عابت على الإنسان التعبير عن بعض إنسانيته ؛ في بكائه، أو عشقه، أو غيرها من ضرورات الإنسان المرافقة لإنسانيته.
هذه كتابة واعية نابعة من وجع، ومعاناة، وخبرة، ووعي. فيها الجرأة في الطرح، والأمانة في النقل، والبلاغة في التعبير؛ في اللغة وفي زوايا التناول غير التقليدية تلك التي لا يستطيع الوقوف عليها ونقلها والتعبير عنها سوى قلم واع مثقف بالمعاناة والانتماء والوعي .
إنه ينتقد قولبة الأسير التي تقولبه في قالب جاهز شعاره البطولة وكأنه إنسان خارق. هنا نجده ينقل إنسانية الأسير في دقائقها الإنسانية البسيطة، الضعيفة، العادية…فهو يبكي، ويخاف، ويحسب، وينتظر، ويحلم، ويحب… هذه المشاعر والانفعالات التي غيّبت لصالح الأسير (السوبر مان) نجده يخبرنا أنها باطلة تصادر إنسانية الأسير من باب قصدها تثبيته والإعلاء من شأنه.
يلفت الانتباه في (هواجس أسير) هذه الحميمية في اللغة والوصف والحوار ونقل الأقوال، وهذا الغوص الجميل الواعي للألوان، والصورة الفوتوغرافية، وهذا التوصيف الحي بالكلمة والصورة والموقف ورائحة المكان، وحرارة الموقف أو برودته ، وربما خسّته ونذالته.
إنه ينقل عالما حقيقيا من المعاناة المتواصلة لأربع وعشرين ساعة يوميا بلا توقف. فيها يحاور الأسير ذاته ورفاقه وهواءه. يحاور الحديد والباطون ليحفظ إنسانيته ، ولكي لا ينسى متطلباتها … وهو يصف تعليقات الأسرى، أو ينقل حديث الوالدة وهي تحسب حساب ابنها المعتقل على مائدة الطعام….وغيرها من المواقف، إنما ينقل نبضا يعيشه القارئ بحرارته وأبعاده.
هنا تصير اللغة حاملة هواجس وأحاسيس ومواقف؛ فيها الصورة الحية النابضة، واللون ، والحركة.
هذه نصوص أدبية فيها من التميز والجمال والمعلومة الكثير.
قسّم (كفاح طافش) هواجسه إلى هواجس مفردة حمل كل منها عنوانا معبرا عن مضمونه. وهي في محصلتها الكلية تقدّم للقارئ شخصية الأسير- الإنسان العادي القريب من القلب والتصوّر، لا ذاك (السوبر) الخارق البعيد عن الواقع.
تميزت لغة الكاتب هنا بالشفافية والشعرية والمجازات. إنها لغة أدبية راقية تشير إلى تمرّس كاتبها في الكتابة الإبداعية.
هذا الكتاب نصّ أدبي توثيقي راق فيه ميدان خصب لدراسة الأسير دراسة نفسية-اجتماعية جادة.