بالحبر الأبيض ـ سيرة صحفية (8)

علي جبار عطية | رئيس تحرير جريدة أوروك العراقية

 إنقلاب السيناريو الأسوأ !!                         

(عندما تحمل فانوساً، لتنير به طريق الآخرين الأظلم، فأنت في الوقت نفسه، تنير طريقك من دون أن تدري) ص (٦٠).
.. هذه الحكمة ذكرها الدكتور ( رعد صادق الحلي) في كتابه النفيس (بالصدفة… تجارب طبيبٍ عراقيّ في قرىً أوروبية) صدر عن دار سطور ببغداد سنة ٢٠١٧ م ، وكان الكتاب قارب نجاةٍ لي، أعاد إليَّ الثقة بالإنسان، والطمأنينة، والسلام، بعد أن فقدتها على مراحل تسليبٍ مختلفةٍ ذكرتُ بعضها في حلقاتٍ سابقةٍ.

في الكتاب المذكور، دعوةٌ إلى تمجيد الحياة، وتقديسها، بوصفها أعظم هبةٍ إلهية، كما أنّه يدعو إلى تمجيد الإنسان، وإعلاء شأنه من دون أن يغفل وحشيته، فيقول في الصفحة ( ٢٧٠) ما نصه: (الحروب المستمرّة في تاريخ الإنسان.، إنَّما تدلُّ على أنْه لايزال حيواناً متوحّشاً، ولم يتحضّر بعد).
هناك جملةٌ مفيدةٌ وردت في كتابٍ، عنوانه لافتٌ ومثيرٌ هي:
(تُخبرنا سجلّات التاريخ بما جرى، ولكن هناك دائماً سببٌ لما جرى). والكتاب الذي أعنيه هو كتاب: ((دور الصدفة ـ والغباء في تغيير مجرى التاريخ (العامل الحاسم)) ـ (الصحيح هو المصادفة) لمؤلفه ايريك دورتشميد  (تولّد في فيينا ١٩٣٠ م) وهو مصورٌ سينمائيٌّ، ومنتجٌ، ومخرجٌ، ومؤلفٌ، وبروفيسورٌ في التاريخ العسكري. عمل سابقا كمراسل حرب لـ (BBC وCBS)، وقابل الكثير من رؤساء العالم، وله فلمٌ سينمائيٌّ عن  الرئيس الكوبي (كاسترو).
يتحدث الباحث في كتابه الشهير الذي صدر نهاية سنة ١٩٩٧ م بالإنجليزية  ، وترجمه، وحقّقه (محمد حبيب) إلى العربية، وصدر عن دار المدى سنة ٢٠٠٢ م عن سبع عشرة معركة يرى أن نهايتها  قد تغيرت، أما بالمصادفة، وأما بالغباء، وتسمّى في المصطلحات العسكرية (العامل الحاسم)، وقد ركّز على غباء (دكتاتور العراق) بعد مقابلته إياه، خاصةً قراراته في  حرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت)؛ لأنّه لم يفهم السياسة الأمريكيّة في المنطقة، ومن عوامل المصادفة ـ حسب ما يرى ـ أن  الضباب المطبق على  اليابان كان سبباً في ضرب هيروشيما، و نكازاكي عام ١٩٤٥ م ، لخلوّهما من الضباب (وهذه مصادفةٌ كما يظن) أما الغباء، فيتجسَّد في الإستشارات الخاطئة من بعض القادة ، والعناد ، والكبرياء ، والغرور، وغيرها.
يُروى عن المفكر المصري محمود أمين العالم (١٩٢٢ م ـ ٢٠٠٩ م) أنّه حين ألّف كتابه “فلسفة المصادفة”  سنة ١٩٧٢ م،  وقسّمه إلى قسمين: “المصادفة الذاتية”، و”المصادفة الموضوعية”، دافع فيه عن مفهوم الفيزياء، وقوانينها التي تعرف بالمصادفة ، فسئل عن ذلك، فأجاب: أنه لا توجد مصادفةٌ، وإنما هناك شروطٌ موضوعيةٌ تتوفر فيحدث الحدث، ومن ذلك لو أن طالباً وقع عليه جدارٌ في أثناء خروجه من الجامعة، فهذا ليس مصادفةً، وإنّما أنّ هناك ظروفاً تحقّقت ليقع الجدار على رأسه من بين الطلاب، برغم أنّنا في العامّيّة العراقية نطلق عليه وصف (فُگر) أي سيئ الحظ !.
كانت هناك ثلاثة سيناريوهات مطروحة لرئاسة تحرير جريدة (التآخي) بعد إعادة إصدارها في شهر آيار ٢٠١٥ م
الأول: بقاء الدكتور بدرخان السنّدي، وتطوير الجريدة.
الثاني : اختيار شخصيّة مهنيّة  كفوءة، وتحظى  بمقبولية في الوسط الإعلامي، والثقافي مثل الكاتب والأديب حسين الجاف خاصةً، وهو من المجموعة الأولى التي عملت على إرساء تقاليد عملٍ صحيحةٍ مع ( فلك الدين كاكه ئي) .
الثالث: السيناريو الأسوأ هو اختيار شخصية مثل (الأستاذ) لا يفكّر سوى في بطنه !
لكنَّ الذي حصل هو إختيار السيناريو الأسوأ، فمن المسؤول عن ذلك ؟
هل هي مصادفةٌ محضٌ؟ أم أن هناك عوامل موضوعية أدّتْ إلى اختياره ؟
هل هي بطاقةُ يانصيب فاز  بها  رقم (الأستاذ)؟
إنَّ  عهد (جماعة الدكتور)  لم يكن، جمهوريةً فاضلةً، كما يظن القارئ، بل حدثت فيه أخطاءٌ، وقد جرى فيه الاستغناء عن بعض العناصر الكفوءة، لأسبابٍ شتى، ربما لسوء التفاهم، كما حصل للكاتب المبدع؛ سرحان محنَّة، الذي كان يحرّر الصفحة الإقتصادية،  واختلفت رؤياه في إدارة الصفحة مع رؤية رئيس التحرير، والباحث عبد الحاج حمود الكناني، والكاتب عبد الهادي فنجان الساعدي، ورسّام الكاريكاتير حمودي عذاب (عبد المحمد عذاب)، واللغوي سجّاد سليمان، واللغوي حسين الجوراني والمصحح محمد الكناني،  والشاعر العذب هلال كوتا، وغيرهم، لكنَّ ذلك لم يكن بشكلٍ  مزاجيٍّ ، كما حصل في ( عصر الغمّان)؛ لتعيين أناسٍ غير صحفيين، بدلهم، أو  لتعيين ربّات بيوت بصفة محرّرات ـ وهنَّ في بيوتهنَّ يحرّرن الطعام من القدور ـ  لصفحاتٍ وهميةٍ ومن دون عمل، ومن دون حتى حضورٍ لتسلم الراتب ، إلّا حين تحضر لجنة تحقّق من وجود شبهات فسادٍ، فنرى وجوهاً قد أينعت، لأول مرةٍ، وهذه قمَّة السفالة ، والإنحطاط !


أمضيتُ تسمية (جماعة الدكتور) متقصّداً ، لأنَّ إدارة الصفحات، كانت جماعيةً، وبأسلوبٍ لا مركزي، ففي عهد (فلك الدين كاكه ئي)، كانت المادة لا تُجاز، إلا حين يقرأها مسؤول الصفحة (مشعول الصفحة !)، فيرفق معها مستنداََ نظاميّاً مشفوعاً برأيه، ثم تحطّ المادة ، عند رئيس التحرير الذي يقرأها كلمةً كلمةً، ويكتب رأيه من حيث الفكرة، والأسلوب ، لتعود إلى المحرر ثانيةً، فيعدّل المطلوب ، ثم تذهب إلى التنضيد، ثم التصحيح، ثم التصميم ، ثم تعود إلى التحرير في شكلها النهائي، بينما في عهد (السنّدي)  تكون لمحرّر الصفحة   صلاحياتٌ واسعةٌ، وقبل الطبع يكون للسنّدي رأيٌّ أخيرٌ.
أمّا في عصر (الغمّان)، فإدارة التحرير تكون حسب توجيه  (الأستاذ) في  لقاءٍ مباشرٍ  بينه، وبين  الناقد عباس لطيف، والعاملين بالجريدة  يوم السبت ٢٠١٥/٦/٢٠ م . إذ قال للناقد عباس لطيف في أول يوم.ٍ لتكليفه  الذي استمر خمسة أيام ٍ بالحرف الواحد : (الما يعجبك بطِّلهُ)!
ثم يأتي إليَّ بعد ذلك من يعاتبني، ويقول : لماذا تحقد على (الأستاذ) ؟
لقد كنّا نعمل  في عهد (فلك الدين كاكه ئي)،  وما يتّصل به، مع نخبةٍ طيبةٍ من الكتاب،  والمناضلين مثل: الشاعر محمد البدري، والكاتب حسين الجاف، والدكتور عدنان زنكنة  والدكتور فؤاد  حمه خورشيد، والكاتب جمعة جباري ، والكاتب هشام بدران (شامل حمد الله) ، واللغوي حسين محمود  الشمري، والناقد محسن حسين عناد، والكاتبة  الدكتورة أزهار رحيم  ـ التي صارت فيما بعد عضوةً بالجمعية الوطنية ـ ، والكاتب، والروائي أحمد سعداوي (قبل أن يفتح الله عليه ، ويعمل بإذاعة الـ(BBC)  بإسمٍ مستعارٍ؛ لأسبابٍ أمنيةٍ ، ثم يفوز بعد  أحد عشر عاماً بجائزة البوكر العربية سنة ٢٠١٤ م عن روايته (فرنكشتاين في بغداد)، ثمَّ يفوز بالجائزة الثالثة للبوكر الإنكليزية سنة ٢٠١٨ م، وقال أحد الحاسدين إنَّ الفخر يعود لمترجم الرواية إلى الإنكليزية ولشخصية الشسمه ! )  (ألم أقل  لكم  مراراً وتكراراً: إنَّ  كل من يخرج من جريدة  التآخي يوفّق توفيقاً عالياً).

كذلك عمل معنا الشاعر صادق الجلاد (صادق حمزة الجواري)، والدكتور عبد الله البياتي،  والسينمائي شاخوان إدريس،  والإعلامي مخلص خوشناو، والمصحح عزيز موازي، ومن الصحفيين نذكر: جعفر محمود ، ومجيد اللامي، وحليم الأعرجي ، ونجم بحري ، وعصمت نامق شريف، وفاضل الجاف،  وبختيار الجاف، وغيث فؤاد، والفنان خالد جبر،  والإعلامي، و الإذاعي  جمال سليمان برواري الذي روى حكايته في القسم الكردي في إذاعة بغداد.، منذ عام ١٩٧٢ م، وحتى سنة ٢٠٠٣ م في كتابه (أنا والمايكرفون)، والقاص جليل المندلاوي،  والباحث علاء المندلاوي، والإعلامية صباح الخفاجي،  والشاعر محمد دارا.

مع التواصل مع كتابٍ مميّزين مثل: خضر عبد الشهيد ، ونايف ثامر الكعبي في حكاياته الموجعة (حكاية من زمن الجوع، والأنين)، وعبد المحسن عباس الوائلي،  ومحمد حسن إبراهيم، وفاضل طلال القريشي، والباحث محمود شكر الجبوري، وسامي كاظم فرج ، ود. معتز محيي عبد الحميد ، وهشام الجاف، وعباس الأزرقي ، والباحث زهير المعروف الذي له حكاية ليس الآن وقتها في دفاعه عن (الرصافي) في كتابه المثير للجدل (الحقيقة المحمّدية)، فضلاً عن إداريين أكفّاء مثل: سعد عيدان، وعبد الله بابان، وسعد جاسم، وحنان محمد حسن السهلاني وغيرهم .


أذكر أن الزميل (عبد الله بابان) غرّم مؤقتاً بعض العاملين مبلغ خمسين ألف دينار؛ لأنهم سجّلوا في سفرة مجانية مدفوعة التكاليف إلى أربيل نهاية شهر أيلول سنة ٢٠٠٣ م، ولم يسافروا، ثمّ أعاد إليهم المبالغ، فلما سألته عن ذلك، قال :أردت أن أعاقبهم نفسياً؛ لأنهم تخلّفوا عن السفرة  الترفيهية التي خصّصناها للعاملين للتخفيف عنهم !
ولمن فاته التحقيب الزمني أقول: لقد مرّت جريدة(التآخي) بعد إعادة صدورها سنة ٢٠٠٣ بثلاث مراحل :
الأولى: مرحلة الكاتب، والمفكر فلك الدين كاكه ئي ( آيار ٢٠٠٣ م ـ آيار ٢٠٠٥ م)
الثانية : مرحلة الدكتور بدرخان السنّدي ( آيار ٢٠٠٥ م ـ آيار ٢٠١٥ م)
الثالثة : مرحلة (الأستاذ) ( آيار ٢٠١٥ م ـ أيلول ٢٠١٧ م)
أمّا ما بعد هذه المراحل ،فهي مرحلة ( اللا أستاذ) أو ( اللا إصدار).
وإذا استبعدنا فرضية المصادفة، وشطبنا فرضية الغباء التي أتت بـ(الأستاذ)، وعصر الغمّان، لم يبق أمامنا سوى فرضية الاستغباء، أو التغابي التي جاء بها الشاعر أبو تمام ، (حبيب بن أوس بن الحارث الطائي) (٧٨٨ م ـ ٨٤٥ م)  الذي يقول  :
لَيْسَ الغَبِيُّ بِسَيدٍ في قَوْمِهِ 
   لكنَّ سيِّد قومهِ المُتغابي
إنْ أحسنّا الظنّ طبعاً  بأبي تمام !
( السيرة مستمرةٌ ، شكراً لمن صبر معي ، يتبع)
شروح صور
١.كاتب السيرة مع  عبد الحاج حمود الكناني
٢. الدكتور رعد صادق الحلي
٣. عبد الله بابان
٤. جمال برواري
٥. أحمد سعداوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى